30/12/2011

Sur le banc de l'école


D
ans mon collège, le soleil a brillé
Dans mon cartable, le savoir a fleuri
Dans mon livre, mon esprit s'est élargi
Dans mon cahier, les lettres sont nées
Dans ma tête, les idées ont poussé
Dans ma classe, les murs se sont effondrées

Said Mellouki

© Yamal

28/12/2011

الجسر ذاكرتي

Oued Cherraa واد شراعة

هبت رياح دمي بالشوق تندفع  ¤  والقلب حرقته بالنار تندلع
أبكاني الجسر هذا الحبيب غدا ¤  دكا بوادينا حالي به جزع
أما الجسور بدنيانا فوافرة  ¤ هيهات جسري بعد الهدم يرتفع
وهل المحب إذا قلعت وردته  ¤  من تربها غصبا بالسهل تقتلع
بالله كم عبرت أقدام أبكار ¤  للضفة الأخرى للحب تجتمع
إنّي وقفت بوادي شراعة أسفاً لما  ¤ هوى نسفا والعين تطلع
ما ضرهم جسر لوأنهم تركوا  ¤  للواد ذاكرة والأرض متسع
لو أنهم تركوا للكف خاتمها ¤ لازدانت الكف حسنا وتلتمع
حلل من الذكرى تمزقت قطعا ¤  وكيف تلتئم في قلبي القطع
آه كم ناجت أقواسك البيضا  ¤  أعشاش لقلاق للواد منتجع
كل الطيور بكت شهدت جنازته ¤  حتى القبور جثت وانتابها الفزع
أين انحناءته للماء محترما ¤  وكأنه شيخ متبتل ورع
بالأمس كان هنا بركان يحرسها ¤  والواد ينساب من ماه ننتفع
للضفة الأخرى كان يبلغنا  ¤  قد هام بالدفلى فلها به ولع
جسر يذكرني إيقاع مشيخة  ¤  في حلقة جذلى والجمع يستمع
يامعبر الذكرى للعدوتين فما  ¤  تنزاح من خلدي فبئس ما صنعوا

  عبد العزيز أبو شيار


26/12/2011

معلمي




© Yamal


إلى كلّ المعلمين ... مع تقديري

كان يقطع الشارع ببطء
يتوكأ على عصاه
مازال يحتفظ بشاربه الفتيل
و يبتسم في حنان
هذا معلمي
الذي أضاع عمره الجليل
في تهذيبنا
هذا الذي أنار لنا السبيل
هذا الذي استقبلنا زمان
...
يمشي و يذرع الصفوف
كما لو كان فارسا على حصان
يسألنا عن الأسماء و الأفعال
عن ظروف المكان
عن الضمائر
ألا تزال حية ضمائر الناس في هذا الزمان؟
يسألنا عن جداول الحساب
يصرخ في وجوهنا
هل يستقيم جدول بلا برهان؟
يمشي و يذرع الصفوف
و العصا في يديه كأنها صولجان
يقطب حاجبيه
إن أخطأنا آية من القرآن
يمطرنا بوعظ لا ينتهي
بعبر الأولين
و وصايا لقمان
هلك الجاهلون بالطوفان
أبحرت سفينة نوح
و سفينتنا يلزمها بعض الوقت
كي تبحر
يلزمها بعض الألواح
بعض الأقلام
و زوابع في الأذهان
فاستعد لرحلة الألف ميل أيها الربان
انطلق لرحلة الضوء
و احمل كل الصبيان
و ادع الماء
يغيّر مجرى النّهر
سينحسر الطوفان حتما
تتلاشى الجدران
تثمر الأشجار فوق جباهنا
تقصر المسافات
و تعلو رايات العرفان
...
تعلموا يا صغاري
بالعلم يقرأ الكون بلا ترجمان
بالعلم تنفذون من أقطار السموات و الأرض
" و لن تنفذوا إلا بسلطان.."

 بركان ¤ أكتوبر 2011

الحسن رزوقي


Madeleine Ley (1901-1981)

25/12/2011

أمسية انبعاث ثقافي

من اليسار : ياسر فشتالي، أحمد اليعقوبي، عبد العزيز أبو شيار، الحسن رزوقي أحمد بلكَاسم


نظّمت جمعية الانبعاث الثقافي أمسيتها الأدبية الأولى، بمقرها بمدينة بركان، مساء السبت 24 دجنبر 2011، بمشاركة الأدباء : الشاعر الحسن رزوقي، الشاعرالزجّال أحمد اليعقوبي، الشاعرعبد العزيز أبو شيار، القاص أحمد بلكَاسم، و الأستاذ ياسر فشتالي مسيّراً

...

و مدوّنة البستان الشرقي تشكر جمعية الانبعاث الثقافي على دعوتها الكريمة، وعلى بادرتها الثقافية المحمودة، التي تغني الحراك الثقافي في مدينتنا الغالية المحتاجة إلى برنامج ثقافي جادّ و متنوّع على مدار السنة، دون انتظار مناسبة أو مهرجان ما



23/12/2011

حوار الظاهر والباطن


قراءة للمجموعة القصصية : لعنة باخوس

للكاتب : أحمد بلكَاسم

إن متأمل مكونات هذه المجموعة القصصية، يجد نفسه أمام علامات تكشف عن دلالات معينة، خاصة على وجه الغلاف وظهره، فأول ما يثير انتباه القارئ، هو تلك اللوحة التي تمثل صورة طفل في حالة إغفاء، وهو مسند ظهره إلى الحائط، وبجانبه أجزاء جرة مهشمة. فالطفل يمثل الماضي المضمر فنيا، والذي نعود إليه كلما احتجنا ذلك. وهو يختزل صورا مشرقة، وأخرى مؤلمة، ومع ذلك نحس بحلاوتها عند تذكّرها. وهو نفسه ما عبّر عنه المؤلف صراحة، في النص الأول من مجموعته، والذي عنونه ب "الأفعى الصفراء" حيث كشف فيه عن المرجع الذي متح منه نصوصه. وعندما نقول طفلا، فهذا بالضرورة سيحيلنا إلى أنه تلميذ في مرحلة التّمدرس، والجرّة تومئ إلى أن هذا التمدرس يتمّ في العالم القروي، وفي الزمن الماضي، وما يعزز ذلك، الإشارة الواردة في النص الأول والمتمثلة سواء في وصف طريقة اللباس التي يتميز بها المعلم ".. سروال ضيق عند الخصر، فضفاض عند القدمين،حيث تبدو فردتا الحذاء، ذي الزاوية الحادة كجرذين يطلان من خيمتين متجاورتين، تثيران الضحك.." أو بذكره لأشياء كانت تؤثث الماضي، مثل سيارة المدير التي كانت من طراز بوجو 404. وإغفاءة هذا الطفل قد تكون موقفا من العلاقة التي كانت تربط بين الطفل "التلميذ" بالمدرس، " ..حيث كان ينحني من كاد أن يكون رسولا، على الأقدام القذرة، تنظيفا بقضيب الزيتون العتيد.."صفحة 10 قصة الأفعى الصفراء. أو كما ورد في نص الرؤيا، صفحة 25 "..بعد أداء الفريضة، يستقر الجاني في مقعده حافي القدمين كمجرم حرب، طالبا الرحمة من أرضية الفصل الباردة.." وفوق الصورة، وضع العنوان بشكل بارز، وقد كتب بلون خمري ليلائم اسم باخوس إله الخمر عند الرومان.وهو نفسه العنوان الذي تحمله القصة الأخيرة في المجموعة صفحة 25. فلماذا إذن تم اختيار هذا العنوان بالضبط للمجموعة دون غيره من العناوين؟ ربما لأن البطل في القصة المذكورة، يختزل الوضعية المأزومة للمثقف في المجتمع، سواء كطالب أو معلم أو أستاذ أو فنان، والتي عالجها الأستاذ أحمد بلكَاسم في ستة نصوص من المجموعة. ففي قصة هديل، يعاني البطل الطالب الجامعي، من عدم القدرة على تقديم المساعدة إلى امرأة تريد أن تتطهر، كما هو واضح في الصفحة 33 "..اندلقت من عيني دمعتان إحداهما لرحيل الجدة، والأخرى كانت من أجل الحمامة المقصبة الجناح، التي سلبها الغراب مشيتها، وأجهز على هديلها. رأيتها تحثو التراب على وجهها، وتندب حظها وتنعي شبابها الآفل..". وفي نص "رحلة" يقف الطالب كالمتفرج "يراقب النشال وهو يصول ويجوب في الحافلة عفوافي الجيوب " دون أن يقدر على التدخل لردعه. كما عبر عن ذلك في الصفحة 67. وفي نص " أجساد ملغومة " وبعد حديثه عن الموقف، والرجال المقهورين المنتظرين، وطريقة اختيارهم من قبل المشغّل صاحب الشاحنة، ينتقل ليبرز إشكالية التناقض بين النظرية والتطبيق في التعليم، من خلال تعاطي المفتش للتدخين، وحضوره درسا حول أضرار التدخين عند زيارته لأحد المعلمين، وهو السارد طبعا في هذه القصة.

أما في نص الإشعار، فإن المعلم ظل ينتظر الذي يأتي ولا يأتي من جاره، رابح المهاجر إلى أوروبا. فرغم أنه يمثل ولي نعمته، إذ كان السبب في تمكنه من الهجرة بشكل غير شرعي من خلال قرضه المال اللازم للقيام بالمغامرة ورغم أنه وعده قائلا: ".. غادي ندور معاك تدويرة ما ديراش" فإنه لم يف بوعده. وبقي المعلم يراقب طَوال الوقت صندوق البريد عساه يتوصل بحوالة من رابح.

وإذا كانت " لعنة باخوس" قد أعلنت عن موت الأستاذ معنويا، من خلال الوضع الاجتماعي الذي انحدر إليه، حيث فشل في تكوين أسرة ناجحة،وانغمس في معاقرة الخمر رفقة شخص: " .. يعرف كيف تكسب الهمزة، ولا يعرف كيف تكتب الهمزة.." كما عبر السارد عن ذلك في الصفحة 77. فإن لعنة التعيين في منطقة جبلية نائية قد قتلت المعلم ماديا، حيث مات بعد خيبة أمله في الأوطوسطوب، عساه يجد سيارة أو شاحنة دواب تقله إلى وجهته.

كما نلاحظ في نص " أوطوسطوب" وقد تعمد الكاتب وضع المقطع الدال على موت المعلم في ظهر الغلاف، ليبين عمق المأساة التي يعيشها رجل التعليم في القرى النائية والمد اشر، وبنوع من السخرية السوداء يشير إلى أن محاسبة المعلم تتم سواء وهو حي أو مي، من خلال إدراجه لزيارة مدير المؤسسة للقسم، حيث وضع في محفظ المعلم ورقتان: ".. الأولى تحمل في طيها استفسارا عن تغيب بدون مبرر قانوني، أما الثانية فكانت عبارة عن إشعار بانقطاع عن العمل.." قصة أوطوسطوب الصفحة19.

وتزداد ذروة المأساةلدى المثقف الفنان الذي حاول أن يجعل من ريشته وسيلة لكسب قوت يومه، ولمعالجة أمراضه، لكنه يصطدم بواقع لا يقدر قيمة الفن، كما ورد على لسان إحدى المخمورات في حانة من الحانات، "..ماذا كان يريد ذلك المعتوه بتلك الخربشات؟ قال إنه فنانا، كان حريا به أن يقول إنه شحاذ.." قصة اليتيمة الصفحة 37.

ويموت الفنان من شدة الكمد والبؤس. وبموته تكسر الريشة تحت أنقاض الكوخ الذي هدمته السلطة، وكأن السلطة تنتظر الفرصة لتدمير كل ماهو فني أو ثقافي.

إن القاص أحمد بلكَاسم، استطاع أن يقدم نماذج من الإنسان المثقف، وقد نجح في عرض ملامحها، وفي التعبير الدقيق عن إحساسها، وهي تواجه عالما لا يعترف بها، ولا بالقيم التي تحملها، فالسمسار يهزأ بالأستاذ قائلا: "..لغة الكتب اللي ما عطاتك والو.." الصفحة 84 قصة لعنة باخوس. والشيخ بنوع من الشفقة يقول للطالب: "..ماذا ستعطيك كل كتب العالم مجتمعة، عدا ضعف البصر، والنظر إلى الدنيا من وراء زجاج سميك.." الصفحة70 قصة الرحلة.

ورغم بعض الاختلاف الذي يطبع النصوص القصصية، فإنها تلتقي سواء في المكان الذي تجري فيه الأحداث، أوصفة الشخصيات المقدمة، تلميذ، أستاذ، معلم، طالب... فقصة " هدى والذئب" مثلا تبدو بعيدة عن القصص الأخرى من حيث الموضوع، أو من حيث الرسالة التي يريد أن يوصلها إلى المتلقي، إذ حاول من خلالها أن يبرز بشاعة الشر، وقتل براءة الطفولة، وهو حدث واقعي عالجه القاص بشكل فني، ويبدو الخيط الرابط بين هذا النص والنصوص الأخرى، بالتركيز على كون هدى تلميذة: "..تركت محفظتها فوق مكتبها يتيمة، تشتاق لدفئها المعهود.." الصفحة74.

ومع أنني لم أكن أعرف مهنة القاص أحمد بلكَاسم، فبعد قراءة مجموعته، أدركت أنني أقرأ لرجل تعليم، حيث لا تخلو قصة من قصص المجموعة، من كلام، أو إشارة، أو وصف يتعلق بالتعليم، ولن يتكلم أحد، أو يحكي، أو يصف بهذه الدقة عن التعليم، إلا رجلا خبره وعرفه وذاق مرارته، ونتمنى أن يتحفنا في نصوصه المقبلة بشخصيات جديدة ومتفردة و فضاءات بألوان قزح.

وإذا كان محرر المحضر في قصة " لعنة باخوس" قال للأستاذ: "..اِحذر لعنة باخوس" فأنا أقول للقاص أحمد بلكاسم، تمتع وأمتع بلعنة السرد، فبركان في حاجة إلى من يحكيها ويحكي لها، وفي حاجة إلى سفراء يحولون شجرة الليمون إلى نص سردي.

الأستاذ : حسن المزوني





19/12/2011

خطفوا رزقي




خرج شاب شاحب اللون هزيلا....من منزل قديم في حي عتيق تسكنه الأشباح والأوهام والأحلام الزائفة...فنشأ يمشي مشية الحلزون الذاهل... لا يعرف أي مسلك يسلكه، و لا أي درب هو أجدى للمرور منه ... إنه يمشي ... يمشي... يمشي فقط ... إلى أين؟ لا أحد يدري.

بعد مروره بأزقة وشوارع ثقيلة بالمآسي المختلفة...طفق يتصفح وجوه الغادين والرائحين إلى المدارس والكليات والمعاهد ... وهو يقول :

- مساكين ... مساكين لا يزالون عبيد الأوهام وأسرى المطامح غير المقبولة ... ويحهم   لا يدرون أن موعدهم مع الدروب الخاوية وليس مع الوظائف العالية...

انزوى الشاب بعد أن اشتد به التعب في ركن من أركان الدروب الضيقة، وفي نفسه كآبة تختلف عن كآبة الآخرين، فإذا به يسمع صوتا يقول له :

- أنت حزين ... يا أخ ... هل آلمك أحد؟
- الحياة نفسها ... آه ... الحياة نفسها...
- ما بك؟
- الأفضل ألا تعرف حقيقة تعاستي...أرجوك اتركني وشأني.
- شأنك هو شأني....البطالة...البطالة ...البطالة...أليس كذلك.
- كيف عرفت؟
- كل قسماتك تنطق بها...
صمت الشاب بعض الثواني، واصفر وجهه الهزيل، وعض على شفته السفلى، وقد بكى اليأس من عينيه، فقال:

- لقد بعلت بحملها حتى أنني لم أعد أعرف حيلة في الفرار منها...إني مثل الطير المقصوص الجناح....

- عليك بالصبر، لقد غرسها أجدادنا، وسقاها آباؤنا حتى أينعت .. فخفض من حزنك.
 تنهد الشاب بمرارة ثم نطق قائلا:

- أعلم ... أعلم، وهذا ما يقتلني ... لكنني مللت هذا التشرذم الذي نعيشه، وهذا الواقع الميسوم بالانتكاس، والقمع والاستغلال ... لقد خطفوا رزقي، ورزقك وأرزاق بني الغبراء... رأيت...نعم ... رأيت رجال مالة يتلقفون كل نفيس ومنفس ينزل إلى البسيطة، وحينما يحتشد المحاويج أمام بيت المال، يقول لهم القهرمان قبل أن يتحدثوا بناطق أو صامت، لا يوجد في الزندوقة غرش ولا قرش.

لم يترك الشاب لصاحب الصوت شيئا من الكلام ينطقه ما عدا كلمة: ابتسم، وعبارة:" ومن لا يبتسم في قلب أحزانه يكون فريسة للأحزان".

ارتسمت على شفتي الشاب ابتسامة هادئة بعد سماعه لتلك العبارة، كما أطلت من عينيه دمعة حائرة، ثم وقف بسكون ونشأ يمشي من جديد.

 فاطمة الزهراء بنبراهيم

18/12/2011

صلوات للفضيلة وضوؤها دمي

صلوات للفضيلة وضوؤها دمي

ديوان : محمد ماني

لوحة الغلاف : لطفي اليعقوبي

طبع : شركة الأنوار المغاربية ¤ وجدة

الطبعة الأولى 2011

الشاعر محمد ماني موقّعاً ديوانه الثاني
© Yamal

ملصق حفل التوقيع

من اليسار : بوحجر، أبو شيار، الدخيسي، ماني

من الحضور


لقطات من حفل توقيع ديوان: صلوات للفضيلة وضوؤها دمي، للشاعر : محمد ماني، الذي نظمته نيابة وزارة التربية الوطنية ببركان ، بشراكة مع جمعية أبركان للثقافة و التراث، بثانوية الليمون التأهيلية ، مساء الجمعة 16 دجنبر 2011 ، بمشاركة الأساتذة : عبد السلام بوحجر و عبد العزيز أبو شيار و محمد الدخيسي مسيّراً


فهنيئاً للأخ ماني بإصداره الشعري الجديد، و مدوّنة البستان الشرقي ترحّب بإنتاجه و إنتاج مبدعينا الأفاضل جميعهم، كما تشكر كلّ من يعمل من أجل الإشعاع الثقافي و الإبداعي

07/12/2011

الحزن يعصف كل يوم

الحزن يعصف كل يوم


شعر

إدريس  يزيدي

مطبعة تريفة ¤ بركان 2008

إدريس  يزيدي


شاعر مقيم ببلجيكا

نادميني أ يا بنات القوافي ¤ فاض دمعي و كلّ نبع شحيح
ناوليني عرائساً و عروضا ¤ أقتفيها فالشعر عنّي يشيح
راوديني ففيك أرجو ملاذي ¤ أسعفيني فكلّ جسمي طليح

من نص عنوانه : ضقت في غربتي

02/12/2011

قراءة في لعنة باخوس


لعنة باخوس


قصص


أحمد بلكَاسم


طبع : مكتبة الطالب ¤ وجدة


2010




سيكون من نافلة الكلام الإشارة إلى المكانة الحفية التي صارت تحتلها القصة القصيرة في مشهدنا الإبداعي المعاصر بالمغرب، حيث إن لائحة كتابها ما فتئت تتسع من الجنسين معا، وجغرافية نصوصها باتت تشمل ربوع الوطن برمته، وتنوع تجربة الكتابة فيها في اضطراد مستمر.

ولعل نظرة عابرة يلقيها أحدنا على الملاحق الثقافية والمجلات الأدبية ولوائح الإصدارات القصصية كفيلة بتوكيد هذه السلطة الرمزية للقصة القصيرة وما هذه الباقة القصصية للأستاذ أحمد بلكاسم إلا واحدة منها. وقد جاءت لتبحث لها عن شهادة ميلاد بين ثريا القصة المغربية وهي تستحق ذلك بكل تأكيد.

فيما يتعلق بالعنوان

يصر النقد الأدبي المعاصر كثيرا على ضرورة الالتفات إلى عتبات النص لما تخلقه من أفق التوقع لدى المتلقي عند أول لقاء له به. ويعد العنوان أهم هذه العتبات نظرا للعلاقة القوية التي تربطه بالنص الذي يؤشر عليه ذلك لأن العنوان يوجه القارئ إلى سبيل الإمساك بمعانيه ودلالته. وبهذا المعنى، فالعنوان يتضمن النص بقدر ما يتضمن النص العنوان كذلك.

وحين البحث في عنوان المجموعة القصصية للقص أحمد بلكاسم لعنة باخوس فإننا نلفيه يؤشر على إحدى قصص المجموعة فهو إذن عنوان داخلي اختير ليكون عنوانا خارجيا وفي هذا أكثر من معنى ودلالة:

أولا لأن هذا العنوان هو عنوان آخر قصة تتضمنها المجموعة القصصية . وثانيا، لأن تجربة الكتابة في هذه القصة مغايرة لما سبقها من قصص. ثم إن انتماءها الزمني بعيد نسبيا على أزمنة كتابة باقي القصص بل متأخر عنها -2008- .

ولعل لهذه الأسباب كلها دفع القاص أحمد بهذا العنوان ليكون مؤشرا رئيسيا على التجربة كاملة .

أما من حيث دلالة العنوان فإن المتلقي يحس حين قراءته بشحنة قوية صادمة، فكلمة ’’ لعنة ’’ تحيل على الغضب والتذمر، أما لفظة ’’ باخوس ’’ فهو إله الخمر عند الرومان. فما العلاقة يا ترى بين اللعنة والخمرة؟ ولماذا اللعنة وليس النشوة التي يهيم بها السكارى؟

إن ما ييسر الاقتراب من الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها ، صورة الغلاف المرافقة للعنوان، فهي تصور طفلا متعبا غلبه النوم وبجانبه جرة مكسرة، يفترش الأرض في زاوية غرفة لم يزدها اللون البني الداكن إلا قتامة. أهو الليل الذي كانت الذات الكاتبة تخشاه؟ أم هو الغبش الذي يلف الرؤية عندها؟

بناءا على ما سبق يمكن أن نقول: إن الذات السائرة في هذه القصص عموما تحس غصة خانقة وخيبة أمل حارقة في تجارب مرت بها في رحلة العمر .

ويتأكد هذا المدلول أكثر من خلال التوغل في قراءة قصص المجموعة، إذ شواغلها لا تفارق هموم الذات الساردة. 2: من حيث التيمات.

تشتمل هذه الباقة القصصية الجديدة إحدى عشرة قصة تحمل كل واحدة منها مواصفات القصة القصيرة في الشكل كما في المضمون .

زمنيا تنتمي قصص المجموعة إلى عقد التسعينات أي ما بين 1996 و 1999 باستثناء القصة الأخيرة ’’ لعنة باخوس’’التي كتبت سنة 2008

جغرافيا تنتسب هذه الباقة القصصية إلى مدينتين مغربيتين، بركان وتازة وحين نعلم أن القاص أحمد بلكاسم عاش بين هاتين المدينتين تجربة مهنية نعرف السياق الذي كتبت فيه هذه القصص.

تيماتيا، إذا شئنا أن نرسم خريطة للموضوعات التي اشتغلت عليها هذه الباقة القصصية يمكن أن نحصرها دون تعسف في معاناة الذات الساردة عبر تجربة حياتية أهم فصولها التجربة المهنية بين مدينتي بركان وتازة.

الجوانب الفنية

إن أول ما يلفت انتباه القارئ في هذه المجموعة القصصية تقنية الوصف ، فنحن أمام قاص واصف بامتياز لا يترك سمة مميزة لشخصياته إلا أحصاها ، وسواء أوصف الأنثى أو الذكر أو أي شيء فان المشترك هو دقة التصوير ، يصف الأنثى إلى درجة يجعلك تتمنى لو أنها كانت رفيقة العمر . ويصف الذكر فيجعلك تبتسم ولو كنت فظ القلب قاسي الطبع . ويصف الأشياء حتى تقول كأنها خلقت أول مرة. ويمكن أن تمثل لذلك بهذا المقتطف من قصة ’’ الأفعى الصفراء : ’’أنامل الرجل النحيل الجسم، الطويل القامة المعقوف الشارب مثل رجل صعيدي، الحليق الذقن كموظف بنكي ، الدهني الشعر لماعه مثل جيمس بوند ، ذي العينين الغائرتين في الجمجمة كأحد قراصنة جزيرة الكنز، وذي العنق الطويل كأنبوب اختبار، تتدلى منه تفاحته الآدمية كحبة بططا،... ص9

ويلاحظ قارئ هذه الباقة القصصية شحنة شعرية تسري في نصوصها كسريان النسغ في أغصان الورد. وليس هذا غريبا ففي القصة القصيرة المعاصرة تتجاور جمالية الشعر مع جمالية السرد . وفي كل قصة جيدة شيء من الشعر، كما يقول الناقد الأدبي المغربي نجيب العوفي.

وثمة أخر أوجزها كما يلي:

لقد استطاع القاص أحمد بلكاسم أن يجعل قصصه فضاء رحبا تتفاعل معه مستويات اللغة الفصحى والعامية ومجالا يستدعي التراث الشفوي والكتابي المغربي والعربي ، كما استعان القاص بالتعبير القرآني حينا وأحيانا تأتي الآية كاملة.

كما توسل القاص بتقنيات الكتابة القصصية التجريبية كالتقطيع السردي ، وتشكيل الفضاء وتمزيق أوصال الجملة والكلمة أحيانا. ولم ينس تجريب تصوير الأحداث عجائبيا، غير أنها سرعان ما تتنزل واقعيا فتؤكد انشداد الكاتب إلى يومياته.

خاتمة

لم يكن القاص أحمد بلكاسم إلا كاتبا ، اختار عالم الهامش والمهمشين انتماء، وفضاءهم متنفسا. وهو إذ ينحاز هذا الانحياز، فهو يقف موقفا ويقدم رؤية يشفان عن وعي عميق بمعاناة الانسان المغربي، ماضيا وراهنا.

لقد صار بوسعنا بعد قراءات متعددة للمجموعة أن نقر جملة من الخصائص المميزة للكتابة الإبداعية فيها، فبرغم احترامها في أغلب النصوص لخطية السرد، فان تجربة القاص أحمد تأخذ بتقنيات التجريب القصصي المعاصر. وببراعة فنية استطاع قاصنا أن يجمع بين نقل التفاصيل اليومية والغوص في كوامن الذات، كاشفا آلامها وهمومها وطموحاتها

د. عبد الكريم بومعزة

28/11/2011

ألطاف الروح

© yamal
أخاف عليك من إبصار طرفي  ¤  و أُعرض عن ملامسة بكفّي
و أرفض أن أصادفك بشخصي  ¤  و أرجو أن أراك حين أغفي
فقلبي إنْ تأخذْني سناتٌ  ¤  عن الوصل مسجون و منفي
حديث الروح أرحم فيك إلفاً  ¤  من الجسد السقيم ألف ألف
إذا ألقاك في دربي فريداً  ¤  فذاك اليوم سفك دمي و حتفي
عرضت قضيتي للحاكمين طراً  ¤  و لا قاضٍ يفصل في مَلفّي
فأمر العشق فيه الفصل صعبٌ  ¤  و ما زالت قضاياه برفّ
و لن ينجو بساحته جريحٌ  ¤  و قد ولّى منهزماً بخلف
أرى القوم أمام العشق صرعى  ¤  فذا قيسٌ و ذا روميو بصفّي
رأيتُ الله في كنه الجمال  ¤  و أدعوه ليشملني بلطف

عبد العزيز أبو شيار

بركان : 27.11.2011

25/11/2011

وصية المرحوم


اصطحبني أحد الإخوة في زيارة قصيرة لأحد أقربائه، يسكن بيتا صغيرا يكتريه فوق سطح بناية متهالكة.. وجدنا صحبته ثلة من أصدقائه، يدخنون "المصيبة" ويشربون الشاي المنعنع.. لاحظتهم يتغامزون عليّ، لكوني لم أشاركهم احتفاليتهم.. رأيتهم يحلقون بخيالاتهم فوق السحاب، ويقولون كلاما غريبا أشبه بالكلام المرموز، ويضحكون لأتفه فلتات اللسان.. كان كبيرهم كهلا، يرفل في عباءة فضفاضة، ويعتمر طاقية مراكشية، أرخاها على هامته.. لم ينل منه تدخين "المصيبة" شيئا.. كلما تكلم، أنصتوا إليه باهتمام بالغ.. سمعته يحكي بعض المستملحات اللاذعة.. لم أذكر منها إلا واحدة.. قال:

اشترى جدي لأبي حمارا قصيرا وقويا.. كان يحمل عليه سلعة متنوعة من بعض الأواني القصديرية ومرايا يدوية وحليّ رخيصة وحناء وعطور وغسول وعلب مرهّم الياسمين.. يجوب بسلعته البوادي.. يبيعها أو يقايضها بالبيض والدجاج والسمن والعسل، ليبيعها بعد ذلك في السوق.. كان يعيش مستور الحال من هذه التجارة.. وكان يعتبر حماره العنصر الأساسي في نجاحها.. كان يكرمه بالشعير والبرسيم..

لكن الحمار نفق فجأة.. لبط بقوائمه لحظة، وشخر شخرة طويلة وأخيرة..

 
ولمّا كان الحمار عزيزا على قلب جدي دفنه في مقبرة الآدميين.. طار بالخبر إلى القائد أحد الذين حضروا مراسيم الدفن.. أمر القائد رجاله بالقبض على جدي.. فقبضوا عليه ونكلوا به.. جرجروه إلى دار القيادة.. وقف المسكين أمام القائد طالبا الأمان. ردّ عليه القائد ساخطا:

- لماذا دفنت جثة حمارك في مقبرة الآدميين، وأنت تعرف أن فيها الكبير والصغير، والغني والفقير، والشريف والمشروف، والقوي والضعيف، والعالم والجاهل؟

- يا سيدي القائد!! أعطني الأمان، وأقول لك لماذا فعلت ذلك.

- أعطيناك الأمان. تكلم!
- ترك حماري وصية قبل نفوقه.
- ها ها .. حمارك ترك وصية ؟! آخر الزمان هذا.. وماذا قال في وصيته؟!
- أوصاني فيها أن أوزع " تركته " نصفين.
قاطعه القائد :
- وترك تركة أيضا ؟؟
- أجل يا سيدي القائد.
- هاها.. وكم قدرها ؟؟
- أربع مئة ريال ذهبي.
- ماذا قلت؟ أربع مئة ريال ذهبي؟ هذه ثروة.
- أوصى بنصفها الأول، تجهيز جنازته...
قاطعه القائد:
- ونصفها الثاني؟
- أعطيه لكم يا سيدي القائد.
نهض القائد من مكانه ملدوغا، وسأل جدي:
- أعد.. أعد ماذا قال المرحوم؟.

ذ. محمد مباركي / وجدة / المغرب

06 /01/2011

03/11/2011

فن التعايش... مع الآخرين


© Yamal


في حجرة للدرس
تخضع لتغيرات الزمن والعادات والأمزجة دون إرادة أو ريد منها.... تشعر ستائرها المسموكة المخضوبة بالأتحم والأرمد، بظلم الزمان وقسوته وصعبوبه....وتعالج سبورتها السوداء البيضاء مع زميلها الطبشور قضايا إنسانية باتت من الماضي السحيق

في هذه الحجرة الحافلة بالآلام و الأسقام، قالت "ن" وهي تقف أمام تلميذاتها :

- العالم يدور في فلك أفيح، رحراح، غير محدود ونحن مازلنا ندور في أفلاك ضيقة مبعثرة مثل الأوراق السوداء الفارغة المعاني، نرفض الالتحاق بالفلك الأرحب، الأثجل، ويأبى الفلك الأفيح بشدة أن يضمنا إليه، خوفا منا، أو ربما خوفا علينا

نظرت إليها التلميذات بعيون حائرة، وبرؤوس تسكنها أسئلة كثيرة، وعويصة، لم تجد حظا في عهذنا هذا للوصول إلى جواب شاف.

في تلك الثواني المعدودة، اقتحمت إحدى الأفاعي المكان مدرعة بكل نظرات الاستهزاء القاتلة، وبكل الكلمات المسمومة اللاذعة، فتوجهت بكل كيانها الخبيث إلى "ن" قائلة بصوت مرتفع:

- إذن، أنت المعلمة الجديدة...؟

ارتكزت "ن" في نقطتها ساكوتة، تتأمل بباصرتها تلك الحية العظيمة التي انتهكت حرمة المجلس...ثم نطقت:

- نعم، أنا مدرسة فن التعايش...مع الآخرين، ما المشكلة...؟

- آه.. قلت تعايش..مدرسة فن التعايش، أي تعايش تتحدثين عنه

في تلك اللحظات السوداء مثل سواد العالم الآن، ضحك الكل من تلك الحية الخبيثة، فاكتنفها نوع من الخجل والقلق، و تغيرت ملامحها من لون إلى لون وحل بفضاء الحجرة السكون الرهيب والمخيف، كما ساد ضباب كثيف، فلم يعد أحد من الحاضرين يرى شيئا داخل المكان

بعد مرور هنيهة من الزمن، لمح الجميع "ن" تلملم أدواتها من فوق المكتب المتأزم وهي تردد:

- أفا لواقع تلهى عن ناقه بصير، واحتفل بمن ليس له مسكة.

- ماذا..؟

- نعم، كل من لا يرتفع بمطامح البشرية، ويتركها مسيبة بين قطبي الحقيقة والخيال، يستمع إليه، ويكترث به، ويكون له من الرعيا ما لايتصوره المرء، لأنه...لأنه ببساطة يتواصل مع البشر ولا يتعايش معهم... فهو يتقن فن العصوف... و لا يعلم شيئا عن فن الخلوص

بعد سماع الحية هذه الكلمات، انصرفت مع حراسها من الحجرة مهرولة، مندهشة، وهي تهسهس نفسها بألفاظ غير مفهومة، بينما قالت "ن" لتلميذاتها الحائرات:

- لا أريد الانضمام إلى القدر الخاص بطهي الحلزون، لذلك كان هذا أول موعد بيننا وآخر لقاء.


 
 فاطمة الزهراء بنبراهيم

30/10/2011

اختراع

© Yamal

مع انقضاء شهر غشت، أخذ النهار في الانكماش، والانطواء على نفسه، شيئا فشيئا، مستعجلا الرحيل قبل أن نُشْبِعَ أنفسنا من اللعب، و من الانتعاش بالغطس في السواقي الضحلة. سياط شمس الصيف اللافحة بدأت هي الأخرى تبهت، خيطا فخيطا، مرتدّة على أعقابها، مثل شعيرات شاردة في خصلة عجوز شمطاء. فما كان منا، نحن عصابة الدوار المشاغبة، إلا أن نغير من إستراتيجيتنا في استغلال أكبر حيز من الزمان؛ لنستفيد بأكبر قدر ممكن من ضوء النهار، لممارسة شغبنا. فاتخذنا قرارا حاسما أن نقوم مبكّرين، حتى لا ندع للنوم فرصة ليسطو على وقتنا ويقضم قضمة عميقة، من نهارنا، ونحن في غفلة من أنفسنا. فمع أول إطلالة للشمس تجدنا نملأ الحارة، بجلبتنا وصخبنا، وكأننا قضينا ليلة بيضاء.

ذات صباح استيقظت باكرا كما تعاهدنا، وتناولت فطوري على عجل، ولما خرجت من المنزل؛ وأنا ألوك ما تبقى من طعام الإفطار وأزدرده بسرعة، لأباشر يومي الجديد باللعب مع شرذمة الأصدقاء الأوفياء، توجهت إلى ورشة الصناعة، تحت شجرة التين الوارفة الظلال، لأتمّ صناعة السيّارة التي كنت قد بدأت في تركيب أجزائها نهار أمس، بعد أن صنعت هيكلها من صفائح العلب القصديرية، التي طالما تساءلت عن سرّ اليدين المتشابكتين، المرسومتين عليها باللونين الأحمر والأزرق، توصّلت إلى فك طلاسم ذلك السرّ، بعد ما ينيف عن عشرين عاما من الدراسة الجادة؛ يعود الفضل في ذلك إلى الحكمة القائلة ابحث تجد، التي علمتنا إياها، أستاذة اللغة الفرنسية سليلة بالزاك، مدام آرمون في المرحلة الإعدادية.أماّ مقود السيّارة فقد صنعته من الأسلاك التي تكون قد تخلّت عن وظيفتها كعرى للدّلاء، كنت أبحث عنها في المتلاشيات فإن لم أعثر عليها هناك، فأيسر السبل للحصول عليها؛ هو السطو على أسلاك نشر الغسيل، إذ لا يعقل أن أترك سيّارتي بلا مقود؟ وبالمقود الجيد تقاد مواكب الأمم، وبدونه يفقد القائد السيطرة على زمام أمور رعيته. وأما صنع العجلات فليس بالأمر الهيّن، كما يتوهّم المتوهّمون؛ فالمادة الخام لصناعة هذا الجزء الحيوي في السيّارة نادرة، لذلك كنت أضحي بالشطر الأول من الحكمة البليغة القائلة في العجلة الندامة، وفي التأني السلاّمة، مكتفيا و مستحليا في الوقت ذاته، الشطر الأخير منها، فأتأنّى للحظات وجيزة، لأهرول ونصل السكين الصدىء في يدي بحثا عن أي نعل مطاطي أصادفه في طريقي، فأقطّعه على شكل دوائر، وإن كان لازال في عمره بقية، لأصنع منه العجلات، والعجلات لا تقلّ أهمية عن المقود؛ فهي محور الحركة، بدونها تصاب الحياة بالشلل التام، بالرغم من هذا لا أنصحكم بتقليدي في هذا الصنيع؛ فقد تكافأون بجرح عميق إن على مستوى السبابة أو على مستوى الخنصر، فيتعذر عليكم إيصال اللقمة إلى أفواهكم الجائعة، والتي لا يملأها في الأخير إلا الدود والتراب؟ تَذَكَّروا أن العجلة من الشيطان.

لم تسلم دراجة أبي من اختراعي هذا، أبي الذي سافر إلى ما وراء البحار، وما وراء حقول تفاح إسبانيا والبنان، طبعا سافر أو هاجر من أجل إسعادي، لذلك لن يحزنه إن أنا ألحقت بدراجته الهوائية بعض الأذى. أذكر أني ذات لحظة نزق وطيش نزعت شعاعا – ريون- من إحدى عجلاتها لأثبت به عجلتي سيّارتي الجديدة.سمعتني أمي أستسمح أبي من على بعد آلاف الأميال، على ما أقدمت عليه، وقد فتحت قاموس الاعتذار حتى آخر صفحة فيه، واعدا أبي بأهمية براءة اختراعي، ومطمئننا إياه بالمستقبل المشرق الذي ينتظرني في مجال صناعة السيارات.فنادت عليّ متسائلة:
- ما بك ولدي؟
أكيد أنها ظنّت أنني أصبت بمكروه، وأغلب الظن أنها اعتقدت أن بي مسّ. أردّ عليها بهدوء كي يطمئن قلبها:
- لاشيء.
- مع من تتكلم ؟
- إنني أمازح دراجة أبي فقط.
- وهل للدرّاجة آذان؟
- أجل قالت لي جدتي: كل ما هو موجود على الأرض يتكلم ويسمع.

بعد أن وضعت اللمسات الأخيرة على اختراعي التكنولوجي الهائل، أخضعته للتجريب، حركت العجلات إلى الأمام، ثم إلى الخلف، و حركتها يسارا ويمينا، بفضل المقود السالف الذكر. ألم أقل لكم إن المقود يتحكم في الاتجاه إلى اليسار، كما يتحكم في الاتجاه إلى اليمين؟ بدونه ما كانت لتَتِمّ هذه الحركة الآلية العجيبة بهذه السلاسة؟ و لبقيت العجلات تتجه في خط مستقيم نحو الأمام، أو إلى الخلف.

أخيراً قرّرت أن أخرج منتجي العجيب إلى العالم، ليراه رفاقي في الدوار، وأنال وسام براءة وبراعة الاختراع و الاستحقاق. وما يدريني قد يطلب مني بعضهم أن أصنع له مثل الذي صنعت، وقد تتحول ورشتي إلى مصنع كبير. يلتهم كل نعال نساء القرية و أسلاك نشر الغسيل. صدق من قال التكنولوجيا سلاح ذو حدين.

بما أنّ لكل بداية نهاية، فإنه حينما انتهى شغفي بسيارتي وبلغ حدّ التخمة، قررت بيعها لشغوف جديد، فعلقت على مقودها سيارة للبيع، وبينما أنا أتناول طعام الغذاء، صحن ممتلىء بالفاصوليا وبجانبه قصعة صغيرة من الهندية والتين، إذ بي طارق يطرق باب منزلنا طرقا متتاليا، قمت مسرعا لفتح الباب لمعرفة من يكون هذا الضيف السعيد الحظ، وماذا يريد في هذا الوقت بالذات، فهو ليس وقت الزيارات، فإذا بي أجد جمالا الولد الذي قدم من وجدة، ليقضي بعضا من العطلة الصيفية عند جده الحاج حماد، كان يحمل عشا يحتوي على عصفورة موثقة الساقين تحضن بيضا، قبل أن أسأله ماذا يريد، بادرني قائلا:
- أريد أن أشتري منك السيارة.
- هل معك نقود؟
- هذا هو الثمن.
- ولكن، أنا أريد نقودا؟
- بهذا العصفور وهذه البيضات، ستكسب مالا كثيرا.
- كيف؟
- ستفقس البيضات، وتحصل على فراخ، وكل فرخ تبيعه بخمسة دراهم أو أكثر، اتفقنا؟
- نعم اتفقنا.
- هات السيارة، وخذ العش.

قبلت بالصفقة، وأحسست بحنين وحب جارف نحو سيارتي الجميلة، بدت لي وأنا أقودها إليه، كأني أودّع عزيزا علي، حتى كدت أذرف عليها بعض العبرات، ولولا خوفي من أن يظن أنني ضعيف، لكنت فعلت ذلك. لقد تعلمت من أصدقائي، ومن كبار أهل الدوار، أن الرجال لا يبكون أبدا مهما طفح كيل محنهم، فالبكاء منذور للنساء فقط.

وضعت العش في النافذة الواطئة، وعدت ألتهم ما تبقى من الفاصوليا والهندية والتين.ما أن فرغت من ذلك حتى أسرعت نحو العش، أتفقد عصفورتي الجميلة، حاملا لها فتات المائدة وشيئا من التين، يجب أن أ تعهدها بالرعاية التامة، إذ بفضلها سأصبح من تجار القرية المرموقين، فأول السيل قطرة.

كم كان فزعي كبيرا، لما وجدت العش مقلوبا، وبالقرب منه قشور البيض، والريش يتطاير من حوله. رفعت بصري إلى أعلى جدار الحوش حائرا مهموما، فإذا بقطة من قططنا الكثيرة، تقفز إلى السطح وفمها مملوء بشيء ما، عالجتها بضربة من فردة حذائي، لما أيقنت أن الذي تمسك بخناقه هو العصفورة، فلم أنل منها شيئا، سرعان ما اختفت، حينها أدركت أن مشروعي التجاري الهام، قد اختفى في بطن قطتنا الشرسة الخبيثة.

أقسمت بأغلظ الأيمان ألا تمر جريمتها دون عقاب و أن تدفع الثمن غاليا لقاء خيانتها، نصبت لها كمينا محكما؛ علبة سردين داخل القفص الذي كان جمال أهدانيه يوم قايضته السيارة بالعش، لعل لعابها سال كخيوط العنكبوت قبل أن تغامر، وتلج القفص مفتوحة العينين لتلتهم السمك اللذيذ، تدفعها رائحته المثيرة للجوع بين قضبانه دفعا. ما إن انهمكت في ابتلاع السمك حتى أسرعت نحوها كالسهم لأحكم إغلاق القفص، أبقيت عليها رهينة المحبس، لا تنال إلا الماء، والخبز الممرّق، وبعض الديدان، التي نصحني جمال أن أطعم بها العصفورة الراحلة، قلت لها في نفسي: تلك هي عقوبة الخونة الذين لا يحفظون العهود، تلك هي عقوبة من يتعدى على ممتلكات الغير.

أحمد بلكَاسم

27/10/2011

! وداعاً جسري الأبيض

Berkane بركان

Oued Cherraa واد شرّاعة
© Yamal

يا جسري كم رافقتني، ذاك الزمن الجميل
حزينة كانت أقواسك الصغيرة البيضاء

كلون حايك الأمهات تحفظ أسرار طفولتي

كنت تعانق وادي شرَاعة

يشرع ضفتيه للغرباء و للفقراء

و كان الوادي يروي حكايا الخصوبة و الارتواء

كان يغضب .. يفيض

يهيج كما قلبي و هديره المهيب

أسمعه حين تنعس أبركان

كنتَ هنا أيها الجسر.. كم مشيت فوقك

و مشت أحلامي إلى الضفة الأخرى

كنت تعانق مَيْرَمانَ الوادي

و دفلاه

أ تعلم أيها الجسر

مذ غيّبوك، مذ نسوك

ران الجفاف، نضبت مياه شرّاعة ؟

حزينة هذي اللقالق لسقوطك

لموتك ستهاجر حزينة هذا العام

تراني أنا كم سأعمر بعدك؟

ويحي، و عمرك عمري قصير

أنا من غيرك يا جسر صرت سحاباً بلا مطر

أنا من غيرك يا جسر صرت عيناً بلا نظر

أنا من غيرك يا جسر صرت قلباً بلا نبض

أنا من غيرك يا جسر صرت دنيا بلا بشر

أنا من غيرك يا جسر صرت عوداً بلا وتر

أنا من غيرك يا جسر صرت سماءً بلا قمر

أنا من غيرك يا جسر صرت هباءً و لا أثر

وداعاً يا جسر.. وداعا


بركان: 09.10.2011


عبد العزيز أبو شيار

 
عبد العزيز أبو شيار ¤ مقهى الربيع ¤ بركان




21/10/2011

الكاتب



"مات الكاتب.. لم يمت الكاتب"..

بهذه العبارة القصيرة أبّنه أحد الرفاق.. رفاق القلم .. مات وترك إرثا من بنات أفكار يتيمات، في ملجأ كنّاش ضخم، ضمّ مسودات لا يستطيع إنسان عادي فكّ شفرات سطورها.. مات وحيدا في غرفة فوق سطح إحدى الدور المتهالكة من منتصف القرن الماضي، بمرحاض مشترك مع الجيران، ونافذة صغيرة تطل على إحدى الأسواق الشعبية.. منها كان يتأمل، في صمت، حيوات المقهورين في صراع مع كسب اللّقمة الممزوجة بالعرق وبحّات النداء .. منها استلهم صورا، حولها مع سكون الليل إلى كلمات صادقة تعري المسكوت عنه في حنايا هذه الأقوام، التي تسمى تجاوزا أمة محبوبة.. أمة ممقوتة.. في وحدة غريبة للأضداد!! أمة تعادل في أدبيات الميكيافليين كومة جيف.

وجد الكاتب نفسه وحيدا في يمّ يعاند تيارا بحريا جارفا من تلك التيارات الباردة القادمة من بعيد. كان المسكين يهذي في الطرقات صحبة بعض "الحمقى". ينامون نهارا ويستفيقون ليلا، و يعيشون مقولة
نهاية التاريخ .. كانوا يكتبون ويكتبون، وتسيل كلماتهم مع جداول الحبر الأسود تعانق الصمت والإهمال، لتتحول بعد ذلك مع مياه المطر إلى بالوعات المياه العادمة.. أغلب شبكاتها موروثة عن الاستعمار.

فكر الكاتب يوما أن يشعل النار في غرفته، بعد أن يغلق بابها من الداخل بإحكام، ويقيم مأدبة نارية تلتهم المسودات، محاكيا ذلك الفيلسوف المتصوف من القرن الرابع الهجري، لمّا "دارت عليه دوائر زمانه ورأى أن كتبه لم تنفعه"، جمعها وأحرقها في يوم مشمس من أيام بغداد الغارقة في الخمريات والراقصة على جراحات ثورة الزنج، وعلى أنغام عود إبراهيم الموصلي.


قال الكاتب لرفاقه يوما:

" تعالوا لنهرق الحبر الأسود على وجوه الكذبة، ونسحق الأقلام ونغير المهنة إلى الشحاذة في الخمارات مع العتمة، بعد أن نقطّع أناملنا ونحولها إلى عاهة للكسب، ونستريح" .
 
جاء هذا الكاتب منفيا، يجتّر فاجعة وطن جريح.. وطن مجاور، وضع كل مثقفيه في لائحة سوداء، ازدحمت بأسماء مرشحة للموت في أي لحظة وفي أي مكان وبأي طريقة.. تترصده الحواجز الطرقية المزيفة بالذبح ، وبالرصاص إن كان محظوظا.

ودّع "العجوزين" بدموع كالسيول الموسمية في مرتفعات "آسام" الهندية، وفرّ غربا إلى أقرب نقطة حدودية لوطن آخر، مسالم .. تخّفى في أسمال شحّاذ، ومدّ يده يستجدي المحسنين وعينه تراقب ما بقي من مسافة الخلاص.. أحسنوا له واقفا وجالسا على قارعة الطريق وقرب أبواب المساجد.. ولم يسلم من التقريع والاستهزاء.. وزحف نحو الحدود البرّية مشيا حتى اجتازها، ومع اجتيازها اندثر الرعب..

واستقبله الوطن المجاور بالأحضان والترحاب، وأطعمه من صندوق أبيض، وأمّنه على روحه.. وتحول وطنه إلى ذكرى.. إلى قصاصات أخبار ملوثة بإبادة المثقفين والبسطاء.. جاءت رسائل الأصدقاء تطالبه بالسفر إلى أبعد نقطة في هذا العالم حتى لا تلاحقه لعنة المجرمين. فقد أقسموا بأغلظ الأيمان أنهم في أثره أينما حلّ..

شاهد صور الأصدقاء في الجرائد مكفنين بعبارات التأسي والدعاء لهم بالمغفرة.. حزن على وطن قرّب جحافل الشهداء لينال صّك الحرية.. ضاعت بين نهب الاستقلال وخناجر ورصاص المجرمين من الفئتين الضالتين.. وتساءل عن أي قناعة تبيح القتل، بعد نصب المحاكمات الفضائية.. والتهمة، كاتب يملك قلم الدمار الشامل، ينسف به أفكار الفئتين الضالتين المولودتين ولادة قيصرية.
"من أفسد من ؟".

" هل الانعتاق هو من أفسد الأمّة أم هي من أفسدته؟. أم هي مراجعة للنفس في أفران عالية لإنتاج إنسان من فولاذ؟ أم هي نبوءة ذلك الشاعر العملاق "حروف التاريخ مزّورة حين تكون بدون دماء"، قد صدقت في وطن عاش بين الخوف والرجاء؟".

مات الكاتب متأثرا بجراح النفي من وطنه القريب البعيد. كان إذا اشتدّ به الحنين لوطنه، يطلب من أحد الأصدقاء أن يحمله في سيارته إلى منعطف "بِينْ لَجْرَافْ" الحدودي، ليشاهد جزءا من وطنه من وراء الزجاج. يكتفي بالتلويح لأناس مارين في عجالة غير عابئين بتلويحه.
 
في المقبرة قال أحد أصدقائه غاضبا:
- " تبّا لهم، لم يرسلوا حتى أصغر موظفي قنصليتهم".
ردّ عليه آخر:
- " سيحتفلون بذكراه يوما، كما احتفل الأتراك ب "ناظم حكمت"، الذي مات غريبا في وطن الآخر..
علق آخر:
"ربما سيطلقون اسمه بعد قرن، على زقاق بحي فقير بمدينة "سيدي عبد الرحمن" على سبيل التشفي".

مات الكاتب وحضرت لتأبينه عدة قنوات تلفزية، أرضية منها وفضائية، إلا قناة وطنه العزيز، كانت على موعد مع خطاب السيّد الرئيس في حملته الانتخابية، تحول إلى "احْلايْقي"، أضحك فيها جمهور الأتباع بمقولة:
" قْشَاوَشْ بَخْتَ وَفْنَاجَلْ مَرْيَمْ ".

" مات الكاتب.. لم يمت الكاتب"



محمد مباركي

17/12/2009  وجدة

محمد مباركي ¤ السعيدية ¤ البحر الأبيض المتوسط


04/10/2011

تسبيحة


كعقيق النور، كرغوة عطر
و كرقصة أوتار العود، كتسبيحة طير
تتناثر حولي كلماتك

كتراتيل ملاك تهبط
من شفتيه طاقة سوسن
كشعاع صلاة بتول
تمسحني بسماتك
و ترشّ على شدوي جدول سكر

 
و أنا عصفور نسجته صلواتك
علقت غنائي كالأقراط حوالى حلم أخضر
كأن سواراً في معصم صبح معسول الأنفاس
كأن صلاة فرضتها خطواتك
و أنا عصفور نسجته صلواتك

م.ع. الرباوي

الزهور ملحق الهلال
السنة الثالثة  يونيه 1975



غلاف الزهور ملحق مجلة الهلال

السنة الثالثة يونيه 1975

ص 2



28/09/2011

السرد ومتعة القراءة


 Ibn Batouta ابن بطوطة


توطئة

هذا المقال يروم التوجه إلى الناشئة من أطفالنا وشبابنا لكي نعودهم على القراءة  والتعلم الذاتين، عن طريق المطالعة الحرة، للقصص والمسرحيات ولا سيما الروايات..
بداية سأنطلق من فكرة قرأتها في غير ما من موضع، مفادها أن القصة القصيرة جدا هي النوع السردي الذي سيسود في المستقبل، وهي التي ستحتل مكانة الصدارة، لأن الإنسان الذي يعيش في هذا العصر ليس له الوقت الكافي لقراءة رواية لطولها أولا، وثانيا ليس له النفسُ والوقت لقراءة مثل هذه النصوص الطويلة، كالملاحم والحكايات الشعبية والسير.. والرد على هذه الفكرة، هو أن الغربيين عموما أكثر تقدما وأكثر حضارة منا في الوقت الراهن، فهم ما يزالون يطبعون آلاف الروايات والقصص..؟؟ وما يزالون يقرؤون، ويتابعون كل جديد، وهذا دليل على بطلان هذه الفكرة.

1 ـ القراءة وفوائدها

 إن مسألة القراءة هي تَعلُّم وتعوُد منذ الصغر، وهي تساهم في تثقيف القارئ وإثراء عقله وعاطفته، وُتكسبه دفعات قوية إلى الإبداع والنجاح في حياته العملية. وتظل القراءة منبر إشعاع بشري. فهي تعود الطفل /القارئ على الصبر والتروي، فيبدأ هاويا، ومع الزمن يصبح مدمنا عليها..
   ومن المؤكد أن ذلك يحتاج إلى تدريب هذا القارئ المحتمل / الطفل ، حتى تتحول القراءة عنده إلى حب، ثم إلى عشق لهذا المعشوق الحيوي الموجود في  القصص والروايات.. هذا السحر الذي يكمن بين السطور والكلمات، ومن ثم تأتي الفوائد الهامة التي يحصل عليها القارئ في ما بعد. وعلى النقيض من ذلك، العلوم والمواضيع الأخرى التي تكون نتائجها في حينها أوعلى المدى القصير، كالشعر والفكاهة والعلوم الإنسانية التي تكون فوائدها أثناء تطبيقها .بينما الفائدة من القصص والروايات تأتي غالباً مع استمرار تجاربنا في الحياة.. لأننا نتعلم من حياة الآخرين، ومن التاريخ والمعرفة وعلم النفس والجغرافيا المنبثة فيها.

2 ـ تدني مستوى القراءة

 تدني مستوى التعليم في بلادنا وفي العالم العربي أصبح غير خاف على أحد، وذلك راجع إلى ضعف القراءة والنفور من التعلم الذاتي في المقام الأول، ووراء ذلك طبعا نسبة الأمية وأمور أخرى.. وفي مقدمة هذه الأمور أننا لم نعود أبناءنا، كآباء ومدرسين.. وبالأحرى كنقاد، قراءة الأنواع السردية الطويلة والمتوسطة.. ولا أظن أن تشجيع الناشئة على قراءة (.. جملة أو نصف صفحة ) هي التي تعوّد الأطفال على القراءة الجادة، وتلبي حاجتهم لهذا النشاط الذهني المهم.
 بل ينبغي أن لا نحدد لهم الكمية التي يقرؤون، ولا ما يقرؤون.. بل نترك لهم حرية الاختيار: قصة كانت أم رواية، أم مسرحية.. ونحن إذا شجعنا أطفالنا على القراءة الحرة، سنعلمهم مسؤولية الاختيار، ونربيهم على حرية ما يختارون كمقروء، ونجنبهم الكسل القرائي، بل يجب تشجيعهم على القراءة بكل أنواعها: سردية أم معرفية حتى نخلق قارئ الغد، إن كنا نؤمن بفعل القراءة في تغيير العقول والنفوس والوصول إلى الغد منشود.

3 ـ الأشكال السردية والمتعة والتشويق

الأشكال السردية من قصة قصيرة، ورواية، وقصة شعبية.. بطبيعة مميزاتها تحتوي على جملة عناصر أساسية أهمها: الحكاية، والتكثيف، والوحدة، والمفارقة، والتركيز على الجملة الفعلية.. وبعضها يستخدم الرمز والإيماء والتلميح والإيهام.. وهذه كلها تحتوي على مجموعة من الحوادث المتخيلة في حياة أناس متخيَّلين، ولكن الخيال فيها مستمد من الحياة الواقعية بأحداثها وأشخاصها، وهذا ما يجعل الأطفال يتعاطفون مع شخصيات هذه الأعمال الإبداعية، لأنها تفسر تجربة قد وقعت، أو ستقع لهم أو لغيرهم من الناس الآخرين، وهذه الأشكال السردية تساعدهم على فهم إدراكهم وأحاسيسهم ومعاناتهم..
  كما أنهم يميلون إليها تحت عامل الجذب والتشويق، وهو أساس المتعة الفنية، لذا يجب أن يكون الكاتب عارفاً بهذه المهارات التي تشد إليه القراء كانوا كبارا أم صغارا، وأن تستفيد منها أكبر شريحة من القرّاء..
ولا يمكن أن نقول بأن هذا الشكل أصعب من ذاك، أي القصة القصير جدا أصعب من الرواية مثلا، لأن الكتاب يتفاوتون من حيث القدرات، وكل واحد يبدع في المجال الذي يحبه، ويهواه ويتعاطى له، ويراه أصعب من النصوص الأخرى. ومن الممكن أن يحول قصة قصيرة جدا إلى رواية. 

4 ـ فوائد الأشكال السردية 
     
الأنواع السردية، ومن ضمنها الرواية الأدبية نوع من أنواع الفنون إذا تعاطاها الطفل لمدة زمنية تنمي أسلوبه الأدبي، وتجعل لديه ملكة الفهم السريع، وتزيد من حصيلته اللغوية، كما أنها تنمي الجانب التخيلي لديه، فهناك فرق بين من يقرأ ومن لا يقرأ، وبين أن تقرأ رواية وأن تشاهد نفس الرواية فيلما، فالأولى أن الطفل يتخيل الرواية بعقله، ويتسع مجال رؤيته ووجدانه، والثانية أن المخرج يريه ما يراه هو، ويفرض عليه ما يريد. فإذا قرأ رواية من روايات الأدباء الكبار 
سيجدهم يصفون الشخصيات والأمكنة وصفا دقيقا كأنه يشاهد الشخصية والمكان أمامه من روعة  الوصف وهنا يكمن الفن.
 ومداومة قراءة الروايات الأدبية ورديفاتها سيجد الطفل/ القارئ نفسه يستطيع الكتابة بسهولة دون تفكير  في كيفية الصياغة، وما هي الكلمات التي يفترض استخدامها، وتقوي  عنده القدرة على التعبير عن نفس الفكرة، بأكثر من أسلوب، وبكلمات متعددة.. وأقصد بتلك الروايات التي يقرأها أكثر من مرة ويشعر في كل مرة أنها مختلفة عن المرة السابقة.
   والمهم من كل هذا، هو أن على الكاتب أن يكون متمرسا بصناعته، واصلا إلى هندستها بالطرق الفنية، وهذه الطرق تستلزم عدداً من الإجراءات كمبدأ الوحدة، وتشمل وحدة الدافع، ووحدة الهدف.. وحدة الانطباع.. حتى يأتي عمله الروائي الفني مؤثرا رائقا جذابا. وليس المعوّل في هذا طول العمل الإبداعي أو قصره، وإنما المعوّل على ما يحتويه من إبداع وإنجاز جمالي وتذوق فني.
 ومن المسلمات أن ما يميز الرواية عن الأقصوصة هو أن هذه الأخيرة صغيرة الحجم، وأن من طبيعتها التركيز: فهي تدور حول حادثة أو شخصية أو عاطفة مفردة، أو مجموعة من العواطف يثيرها موقف مفرد، لذلك فهي لا تزدحم بالأحداث والشخصيات التي ترتبط بالأحداث، وتتفاعل معها كالرواية التي تعيش وتتحرك وتحتك وتتصارع فيها حيوات كثيرة، ويلتقي فيها الطفل بتجارب وأحاسيس متنوعة تغني تجاربه، وتفسر له الكثير من أسرار الحياة

5 ـ الحكاية وفعل التشويق

والحكاية تكون مهمة في الرواية والقصة، وهي من العناصر التي تشد إليها الطفل بأحداثها المنسقة، ومن المفروض أن تكون ذات ترتيب خاص، تشوق القارئ وتجذبه إليها، فيتتبعها في شغف.
ويجد الطفل في الحكاية تفصيلات وأحداثا واستطرادات، وأوصافا تغني ثروته اللغوية، وتحسن  أسلوبه، وتنمي خياله الذي يمكنه من إنماء ملكة التخيل المبدع الإيجابي. وهي لب الرواية، ولاسيما تلك التي لها طابع أدبي وفني.
 ومن العناصر الرئيسية التي تؤدي إلى رواية فنية جيدة هي:
أـ الوحدة الموضوعية، وهي الخيط الذي يشد إليه كل الأحداث بطريقة منطقية، والشخصيات المتنامية الايجابية، والصراع غير المفتعل المنطقي..

6 ـ الشخصية الروائية والتأثير في المتلقي

من المعلوم أن هناك أنواع من الروايات، الرواية الواقعية والسياسية والتاريخية والاجتماعية.. وهي جميعها تتوفر على عدد كبير من الشخصيات المتباينة من حيث الأهمية من رئيسية وثانوية، وأثناء علاقتها ينشأ بينها صراع يؤدي غالبا إلى انتصار الخير على الشر.. وفي هذه الروايات تسري الحركة والصراع جنبا إلى جنب، ويتم فيها التركيز على الجانب الاجتماعي والنفسي والجسماني لإعطائها البعد الواقعي..
وإذا كان الكاتب في الرواية الاجتماعية يكشف عن المتناقضات والسلبيات التي يعاني منها المجتمع،   وذلك بهدف نقده، وإبراز سلبياته التي تعوق تقدمه.
 أما الرواية النفسية، والتي تقل فيها الشخصيات والأحداث، فيعمد الكاتب إلى التركيز على نفسية شخصيته، ويغوص في أعماقها ليكتشف المؤثرات التي  دمغت طفولتها الأولى. وللقيام بهذه المهمة لا بُدّ للكاتب أن يتوفر على ثقافة عالية، وفهم ودراية عميقة بالنفس البشرية، ويحيط بكل شخصية من شخصياته، ويكشفها للقارئ من خلال الأحداث، ويخلع عليها الأفكار الحيوية، لأنها تجسم المعاني التي يريد الكاتب أن ينقلها إلينا. والشخصيات وهي تخوض صراعات في ما بينها، تؤدي إلى الحركة الدرامية بمفهومها الشامل، والتي تؤسس التوتر والإثارة والمفاجأة، لتنتهي في الأخير إلى مصير البطل.

7 ـ سرد الأحداث والتشويق إلى القراءة

 السرد مكون أساسي في الرواية، وهو أن يتكفل السارد بنقل الأحداث مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، أي يرويها بضمير المتكلم أو بضمير الغائب. وهو عنصر من عناصرها البنائية، لذا ينبغي أن يلائمها من حيث بقية العناصر الأخرى جميعا، وعدم تنافره معها أو إعاقته لنموها. وقد أصبح السرد من المآخذ التي يمكن أن تطلق على أي نص روائي إذا نظر إليه بعين السخط التي تبدي المساوئ دون غيرها، مع أن الرواية لا تخلو من السرد دون أن يكون سمة بارزة فيها، فالكاتب يلجأ إليه عندما تقتضي الضرورة الفنية ذلك.
و هو يشكل طريقة لعرض الأحداث وتسلسلها. وقد  يحكيها الكاتب على لسان سارد، قد يكون بطلا وقد لا يكون، وهذه الطريقة تسمى السرد أو الحكي  بأسلوب ضمير المتكلم، كما أسلفنا القول، وعيبها أن جميع الأحداث، وما ترتبط بها من شخصيات، تُحكى من وجهة نظر السارد/ الشخصية التي تسرد الرواية، وأن بعض المواقف المهمة، أو أحاسيس الشخصيات الأخرى لا يمكن تسجيلها لبعدها عن التأثير في شخصية السارد. وكثيراً ما نعتقد أن الرواية التي تروى بهذه الطريقة هي ترجمة ذاتية لكاتبها. وكلما صدقت الأحداث مع الواقع جعلتها مقنعة ومؤثرة تأثيرا فعالا.
كما أن عامل التشويق هو أساس المتعة الفنية، لذا يجب أن يكون الكاتب مسلحاً بهذه المهارة التي تشد إلى روايته أكبر شريحة من القرّاء ..

8 ـ الحبكة الجيدة:

وهو ما يسمى ببناء الرواية، وهو المجرى الذي تندفع فيه الشخصيات والحوادث حتى تبلغ الحكاية نهايتها في تسلسل طبيعي منطقي، لا يحس فيه الطفل افتعالا لحدث
أو إقحاما لشخصية.
وهناك أنواع من الحبكة: الأول يعتمد على تسلسل الحوادث تسلسلاً مرنا أخاذا،ً يشد القارئ إليه، كما نجد في روايات المغامرات ..
والثاني يعتمد على الشخصيات وما يصدر عنها من أفعال وآراء وحوارات. وتكون الأحداث في هذا النوع غير مقصودة لذاتها، بل المقصود منها تحليل هذه الشخصيات وفهمها.
 والنوع الثالث نجده في الروايات التي فيها افتعال في الموقف أو في تصميم الحبكة، ويكون الحدث فيها غير نابع من طبيعة الموقف، بقدر ما يكون ناتجا عن تدخل السارد، وهذا النوع يُعد من أسوئ الحبكات، ويؤثر ذلك سلبا على الطفل/ القارئ.

9 ـ الزمان والمكان

الزمن هو الحيز الذي تتحرك فيه الشخصيات والأحداث  وهو يتسع ويضيق تبعاً لطبيعة الأحداث وهدف الكاتب من ورائها. والزمن في الرواية الجيدة هو الذي يكون واضحا ومؤطرا للأحداث والوقائع ..  
أما المكان فهو الحيز المصاحب للزمن، وهو يشمل منطقة، أو بيئة معينة بكل ما فيها من حياة وأحياء.
وكل حادثة لا بد أن تقع في زمان ومكان محددين، ومن ثمّ ينبغي أن ترتبط بظروف وعادات خاصة بالزمان والمكان اللذين حدثت فيهما.
 فالرواية تتسع لأماكن عدة وقد تنتقل من قارة لأخرى، وتنقل معها القارئ من بيئته إلى بيئات أخرى بعيدة، يؤثثها الطفل بخياله ومشاعره.
 والرواية تمثل بالضرورة بيئة، أي مكانا، وعصرا أي زمناً; وهذان البعدان، الزمكان، قد يتسعان البعد الزمني ويستغرق عمر البطل، أو أعمار أجيال متتابعة مثلما نرى في الكثير من الروايات، مدن الملح للروائي لعبد الرحمان منيف، ورواية الحرب والسلم لتولستوي، وروايات حنا مينا وغيرها..

10 ـ الوصف و الحوار

 أما الوصف فيعد تكسيرا لرتابة السرد وإغناء وتمطيطا له أيضا، كما أنه يريح السارد من عبء الحكي، ويريح القارئ كذلك من رتابة السرد الممل، ويكفيه عناء تتبع الأحداث.
والوصف إما خارجي أم داخلي. ويختلف في الروايات حسب وجهة نظر السارد إلى شخصياته، والأزمنة والأمكنة التي يتابع منها سير الأحداث.
ولا شك أن الحوار له نفس الدور، فهو يقوم أيضا بتكسير رتابة السرد، والكشف عن مكامن الشخصيات،  وتركها تعبر عن نفسها بأسلوبها الخاص، ويقوم بدور الإيهام بواقعية الرواية أيضا. ولهذا ينبغي أن يكون مركزاً، قوي الدلالة على الشخصية، زاخراً بالانفعال المناسب للأفعال والمشاهد المختلفة، حتى تأتي المواقف مقنعة ومؤثرة.

11 ـ الفكرة بين المتعة والمعرفة

إن الروايات الجيدة هي التي تحتوي على أفكار وأحاسيس وخيال يرتفع بالطفل والقارئ عموما إلى الرقي بوجوده وكينونته، ويفتح بصيرته بالواقع من حوله وبالعالم، ويوعيه بماضيه وحاضره. وهي التي تحتوي على منظومة من القيم الإيجابية السامية، يقدمها الكاتب للأطفال/ لقرائه كوجهات نظر دون أن يفرضها عليه فرضا، وهي التي تقدم معلومات عن الطبيعة البشرية بحس عميق، وبأسلوب أدبي جميل، يكون على شكل حكاية مثيرة للاهتمام وليست مجرد أحداث عادية بدون إثارة أو تشويق أو متعة.
وما من حكاية تَروي أحداثاً إلا لتقرر فكرة يقوم عليها البناء الهندسي في العمل الإبداعي. والروائي البارع هو الذي يوصل إلينا فكرته عن طريق غير مباشر، ومن خلال سرده للأحداث، وعرضه للأفكار، وبثه للأحاسيس الإيجابية . فالأفكار لا يعلن عنها الكاتب، بل تتسرب إلى عقول الأطفال/ القراء مع تيار الأحداث.
والكاتب يقدم كل ذلك من خلال مخزونه الذي تكون من تجاربه، واحتكاكه بالناس وبالعالم، وملاحظاته العديدة التي يُجمّعُها في نفسه.. وكل ذلك يحتاج إلى موهبة تجعل من العمل الروائي عملا فنيا له قيمته الجمالية والفنية.
وعلى من يكتب للنشئ عملا أدبيا، نهمس في أذنه بأن لا يكتب إلا عما يشعر أنه قادرٌ على التعبير عنه بيسر،  ويجيد الكتابة فيه بتَمكُّن، ويحسُّ أنَّه مفتون به بشكل كبير. أما عن الشخصيات التي يبدعها ويزرع فيها الروح، فينبغي أن تتفاعل أمامنا كشخصيات حقيقة من لحم ودم، حتى إذا انتهينا من الرواية أحسسنا بتغير فينا، وأننا خرجنا من هذه القراءة على غير ما دخلناها، وبدأ إدراكنا يتسع وآفاقنا تكبر وأحلامنا تطير في الأعالي.

12 ـ خاتمة

 يستفيد الطفل من خلال قراءة الروايات لغويا وأسلوبيا كما سبق القول، ولاسيما تلك الروايات التي تتمتع بجودة عالية. ففيها يعمد الكاتب إلى التنوع في الطبقات اللغوية، ويترك لشخصياته فرصة التعبير عن نفسها بأسلوبها الخاص، مستغلا تنوع الحوار وأساليب التهجين والتنضيد، وغيرهما من الأساليب التي تتعدد في الطبقات اللغوية في النصوص الروائية والحكائية.   الأمر الذي يشرك معه القارئ/ الطفل ويثيره ويشوقه إلى المزيد من القراءة، بما أوتي من إمكانات إبداعية تؤثر فيه تأثيرا إيجابيا مفيدا، ليصبح قارئا شغوفا، يحب القراءة ويعطيها الأولوية قبل الاهتمامات لأخرى، وبذلك نحصل على جيل جديد يعشق القراءة ويحقق التغيير المنشود.


                                                    د. معمر بختاوي