28/11/2011

ألطاف الروح

© yamal
أخاف عليك من إبصار طرفي  ¤  و أُعرض عن ملامسة بكفّي
و أرفض أن أصادفك بشخصي  ¤  و أرجو أن أراك حين أغفي
فقلبي إنْ تأخذْني سناتٌ  ¤  عن الوصل مسجون و منفي
حديث الروح أرحم فيك إلفاً  ¤  من الجسد السقيم ألف ألف
إذا ألقاك في دربي فريداً  ¤  فذاك اليوم سفك دمي و حتفي
عرضت قضيتي للحاكمين طراً  ¤  و لا قاضٍ يفصل في مَلفّي
فأمر العشق فيه الفصل صعبٌ  ¤  و ما زالت قضاياه برفّ
و لن ينجو بساحته جريحٌ  ¤  و قد ولّى منهزماً بخلف
أرى القوم أمام العشق صرعى  ¤  فذا قيسٌ و ذا روميو بصفّي
رأيتُ الله في كنه الجمال  ¤  و أدعوه ليشملني بلطف

عبد العزيز أبو شيار

بركان : 27.11.2011

25/11/2011

وصية المرحوم


اصطحبني أحد الإخوة في زيارة قصيرة لأحد أقربائه، يسكن بيتا صغيرا يكتريه فوق سطح بناية متهالكة.. وجدنا صحبته ثلة من أصدقائه، يدخنون "المصيبة" ويشربون الشاي المنعنع.. لاحظتهم يتغامزون عليّ، لكوني لم أشاركهم احتفاليتهم.. رأيتهم يحلقون بخيالاتهم فوق السحاب، ويقولون كلاما غريبا أشبه بالكلام المرموز، ويضحكون لأتفه فلتات اللسان.. كان كبيرهم كهلا، يرفل في عباءة فضفاضة، ويعتمر طاقية مراكشية، أرخاها على هامته.. لم ينل منه تدخين "المصيبة" شيئا.. كلما تكلم، أنصتوا إليه باهتمام بالغ.. سمعته يحكي بعض المستملحات اللاذعة.. لم أذكر منها إلا واحدة.. قال:

اشترى جدي لأبي حمارا قصيرا وقويا.. كان يحمل عليه سلعة متنوعة من بعض الأواني القصديرية ومرايا يدوية وحليّ رخيصة وحناء وعطور وغسول وعلب مرهّم الياسمين.. يجوب بسلعته البوادي.. يبيعها أو يقايضها بالبيض والدجاج والسمن والعسل، ليبيعها بعد ذلك في السوق.. كان يعيش مستور الحال من هذه التجارة.. وكان يعتبر حماره العنصر الأساسي في نجاحها.. كان يكرمه بالشعير والبرسيم..

لكن الحمار نفق فجأة.. لبط بقوائمه لحظة، وشخر شخرة طويلة وأخيرة..

 
ولمّا كان الحمار عزيزا على قلب جدي دفنه في مقبرة الآدميين.. طار بالخبر إلى القائد أحد الذين حضروا مراسيم الدفن.. أمر القائد رجاله بالقبض على جدي.. فقبضوا عليه ونكلوا به.. جرجروه إلى دار القيادة.. وقف المسكين أمام القائد طالبا الأمان. ردّ عليه القائد ساخطا:

- لماذا دفنت جثة حمارك في مقبرة الآدميين، وأنت تعرف أن فيها الكبير والصغير، والغني والفقير، والشريف والمشروف، والقوي والضعيف، والعالم والجاهل؟

- يا سيدي القائد!! أعطني الأمان، وأقول لك لماذا فعلت ذلك.

- أعطيناك الأمان. تكلم!
- ترك حماري وصية قبل نفوقه.
- ها ها .. حمارك ترك وصية ؟! آخر الزمان هذا.. وماذا قال في وصيته؟!
- أوصاني فيها أن أوزع " تركته " نصفين.
قاطعه القائد :
- وترك تركة أيضا ؟؟
- أجل يا سيدي القائد.
- هاها.. وكم قدرها ؟؟
- أربع مئة ريال ذهبي.
- ماذا قلت؟ أربع مئة ريال ذهبي؟ هذه ثروة.
- أوصى بنصفها الأول، تجهيز جنازته...
قاطعه القائد:
- ونصفها الثاني؟
- أعطيه لكم يا سيدي القائد.
نهض القائد من مكانه ملدوغا، وسأل جدي:
- أعد.. أعد ماذا قال المرحوم؟.

ذ. محمد مباركي / وجدة / المغرب

06 /01/2011

03/11/2011

فن التعايش... مع الآخرين


© Yamal


في حجرة للدرس
تخضع لتغيرات الزمن والعادات والأمزجة دون إرادة أو ريد منها.... تشعر ستائرها المسموكة المخضوبة بالأتحم والأرمد، بظلم الزمان وقسوته وصعبوبه....وتعالج سبورتها السوداء البيضاء مع زميلها الطبشور قضايا إنسانية باتت من الماضي السحيق

في هذه الحجرة الحافلة بالآلام و الأسقام، قالت "ن" وهي تقف أمام تلميذاتها :

- العالم يدور في فلك أفيح، رحراح، غير محدود ونحن مازلنا ندور في أفلاك ضيقة مبعثرة مثل الأوراق السوداء الفارغة المعاني، نرفض الالتحاق بالفلك الأرحب، الأثجل، ويأبى الفلك الأفيح بشدة أن يضمنا إليه، خوفا منا، أو ربما خوفا علينا

نظرت إليها التلميذات بعيون حائرة، وبرؤوس تسكنها أسئلة كثيرة، وعويصة، لم تجد حظا في عهذنا هذا للوصول إلى جواب شاف.

في تلك الثواني المعدودة، اقتحمت إحدى الأفاعي المكان مدرعة بكل نظرات الاستهزاء القاتلة، وبكل الكلمات المسمومة اللاذعة، فتوجهت بكل كيانها الخبيث إلى "ن" قائلة بصوت مرتفع:

- إذن، أنت المعلمة الجديدة...؟

ارتكزت "ن" في نقطتها ساكوتة، تتأمل بباصرتها تلك الحية العظيمة التي انتهكت حرمة المجلس...ثم نطقت:

- نعم، أنا مدرسة فن التعايش...مع الآخرين، ما المشكلة...؟

- آه.. قلت تعايش..مدرسة فن التعايش، أي تعايش تتحدثين عنه

في تلك اللحظات السوداء مثل سواد العالم الآن، ضحك الكل من تلك الحية الخبيثة، فاكتنفها نوع من الخجل والقلق، و تغيرت ملامحها من لون إلى لون وحل بفضاء الحجرة السكون الرهيب والمخيف، كما ساد ضباب كثيف، فلم يعد أحد من الحاضرين يرى شيئا داخل المكان

بعد مرور هنيهة من الزمن، لمح الجميع "ن" تلملم أدواتها من فوق المكتب المتأزم وهي تردد:

- أفا لواقع تلهى عن ناقه بصير، واحتفل بمن ليس له مسكة.

- ماذا..؟

- نعم، كل من لا يرتفع بمطامح البشرية، ويتركها مسيبة بين قطبي الحقيقة والخيال، يستمع إليه، ويكترث به، ويكون له من الرعيا ما لايتصوره المرء، لأنه...لأنه ببساطة يتواصل مع البشر ولا يتعايش معهم... فهو يتقن فن العصوف... و لا يعلم شيئا عن فن الخلوص

بعد سماع الحية هذه الكلمات، انصرفت مع حراسها من الحجرة مهرولة، مندهشة، وهي تهسهس نفسها بألفاظ غير مفهومة، بينما قالت "ن" لتلميذاتها الحائرات:

- لا أريد الانضمام إلى القدر الخاص بطهي الحلزون، لذلك كان هذا أول موعد بيننا وآخر لقاء.


 
 فاطمة الزهراء بنبراهيم