28/02/2013

أين أنت؟




 1

حبيبتي أين أنت؟
لقد طلع النهار
وسطعت الشمس  في الجوار 
سنابل القمح انتشت
وضحك الجلنار

2

حبيبتي أين أنت؟
تشتاق  لطلعتك السنابل
فتميل حين تميلين
وتغني لمقدمك البلابل
 و يصيخ السمع  النرجس والياسمين

3

حبيبتي
يا بوصلة مساري
يا خزان أحلامي وأسراري
 كيف ألملم فيك انتشاري
وأبرأ من لوعتي وانشطاري

4

حبيبتي
مثل رضيع  أرى أيقونة الرغبة
ينبوع  حليب  وحنان
 يرضي فؤادي ويسكن عقلي  
فأشرب الورد نبيذا
 و أنهل من الأقحوان
 تغمر الفرحة  حقلي 
أموت شهيدا في مملكة العشق
 بسيفك ـ لا غيرـ أشتهي قتلي

5

حبيبتي
حبيبتي
 أنت مملكة الماء
فلملمي عطشي وكل  جنوني
وخذي جسدي قربانا
أنت نبع الضوء يخترق الروح
يصهرني 
لأليق بتفاصيل عشقك 
وأتوج ربانا 
يعرف كل خرائط اليم
ويغرق في جرعة ماء 

6

حبيبتي
أرِيدُ  عشقا  عميقا
لا سريعا ... لا صريعا
بلا شَهْقَة فيه
ولا بوح  رتيب  
عشقا صَامِتاً بلا نحيب
ولا كلام مهيب
بلا لوعة عند الشروق 
ولا زفرة  عند المغيب 
أرِيدُ عشقا يليقُ بشاعرٍ يعشق الحَياة 
وحين تناديه يجيب

7

حبيبتي
ما افتقدت ثقتي بالعشق ولا بالكلمات
لكن تنقصني بوصلة أحدّ من عينيك
و من نصل السيوف
لأسافر فيك ثانية
حيث التوق يمسّ حوافّ البصر
والحبر يملأ جوف البحر
و القراطيس لا تسود 
ولا تشبع من نهم الحروف
تحاصرني الكلمات
تحاصرني الخطوط والدوائر
تختبئ بين قلبي و ثيابي  
يرقص الغيم فوق الروابي 
سيكون محصول القمح وفيرا
ستكون ابتسامتك أجمل
وستغفرين غيابـي
...

بركان 15/10/2012

الحسن رزّوقي

27/02/2013

رواية "مرايا" الـــعتــــــبات المــــتناســــلــــة


مرايا
 رواية
مصطفى شعبان
 لوحة الغلاف : محمد سعود
مطبعة تريفة ¤ بركان
 ط 1 ـ 2008



رواية "مرايا هي الإصدار الثاني للروائي والقاص مصطفى شعبان الذي تزامن مع إصداره مجموعته القصصية "وردة الشاعر"، الأديب المغربي المقيم في باريس نشر روايته الأولى "أمواج الروح" سنة 1998 وقد لقيت أعماله نجاحا واستحسانا من لدن العديد من النقاد والباحثين.

تقف الرواية عند محطات اجتماعية عدة، من الزواج المختلط إلى نزاع الهويات مرورا بتقاطع الثقافات، وكلها تمتح من المحرك الرئيس لهذه التفاعلات، ألا وهي الهجرة التي تشكل التيمة الأساس لعموم النص.

لعل الكثافة الإغترابية التي تطبع النص هي الباعث الأساس لجعل "مريا" نصا موازيا لكل ما يضطلع به السردُ الذي يواجهنا، إذ العتبة مبتدأ يضيع خبره في ثنايا النص والذي يولّد البحثُ عنه حيرةً تسكن القارئ كلما جال في فجاج الصفحات. هي مرايا لأنها مرآة واحدة لا يعتورها الصدأ رغم عمليات الكشط التي تركت بصمات العديد من الشخصيات التي تسكن كيانا واحدا حتى استحالت المرآة-الأم مرايا متعددة. ووقوفا عند قول جيرار جينت:"علينا أن نحذر العتبات"1 نخوض غمار النص حتى نتبين مدى تلاؤم النص والنص الموازي.

مطلع الرواية يجعلنا نتحسس في ذاكرتنا أماكن عدة كان لها حضور صارخ في الرواية المهجرية: حديقة لكسمبورغ، شارع سان ميشال.. إنها الأماكن نفسها لكن بعدسة جديدة، عدسة تجرد الأحيزة من جمودها، تتفاعل معها، تحملها وزرها ساعة الانتكاسة " يبصق على مكان اللقاء" ص10. " فالمكان في حركة أخذ وعطاء مع الشخصيات الروائية وأحداثها يتوجه بوجهتها، ويرتبط بحركتها. ويقدم بما يدفع بأحداثها إلى الأمام"2 . ولذلك تطورَ السردُ في صيرورته للبحث عن الهوية التي ضاعت حينا والتي يُخشى على ضياعها حينا آخر، فالشبح الذي يتهددها ليس إلا المسرح الذي أُرغمتْ على العيش فيه وهو ضفة الشمال عموما." تذوب الخصوصية. تتلاشى في ضفة الغالب مع الزمن"ص39. أماكن- كما استهوت الجيل الراهن- استهوت الجيل الأول الذي صنع الهجرة، بهذا تثبت فاعلية سُنّة اتباع المغلوب للغالب، فهذا السي العياشي يحكي عن أيامه الأولى :"الحي اللاتيني، شارع سان ميشال، وشارع سان جيرمان، أماكن استهوتني في البداية" ص118. تتقوى العلاقة- التي تسكن الإنسانَ – بالمكان في جغرافيا المهجر، ثم تزداد هذه العلاقة حميمية عندما تلامس ربوع النشأة والصبا. إذ تكشف التفاصيل المحكية التي لا تتأتّى إلا لمن خبر المكان شبرا شبرا، ولا تنصاع إلا لمن عايش احداثها لحظة بلحظة. "خلف باب السوق توقفت عربات "الكارو" المجرورة بالبغال والحمير تنتظر المتسوقين. سائقون يرتبون الأمتعة.....بغل حرون لم ينقد للطريق، ولا يريد مفارقة المكان......صاحب العربة موزع بين الإغراء والسب"ص62، إنها عدسة مصور لا تغادر صغيرة ولا كبيرة. ثم تنتقل بنا هذه العدسة إلى عقر الدار لتضفي على المادة المحكية شمولية تجعلها تتسلل إلى وجدان القارئ " كانت جلسات المنزل والزيارات العائلية بابا لمريلين، يقربها....يغيب الحاج حمادي عن الجلسات.....ينزوي الحاج في ركن من البهو وسط عباءته الصيفية الفضفاضة" ص65.  على هذه الشاكلة نتعرف على الجنس البشري الذي يصنع الاحداث والذي تعكسه مرايا النص، إذ الحيز المكاني هو مرآة ناصعة للإنسان الذي أنتجتْهُ، وهكذا فأنتَ " إذا وصفتَ البيت فقد وصفت الإنسان"3 .

وعند استرسالنا في قراءة المتن، نلفي أنفسنا أمام سؤال الحبكة الروائية، أو التحليل النفسي الروائي على وجه الخصوص. إذ تتقمص مريلين شخصية نجاة في عملية لا يمكن عدها إلا طفرةٌ تتم على أدق المستويات. فنحن نفاجأ في أول صفحة من الفقرة الثانية-العودة وعودة العودة- بعبارة تلج بنا منطقة هلامية" هو صالح ابني قد وصل يوم السبت. تزوج فتاة أمريكية تعيش في فرنسا. أسلمت وأسميناها نجاة" ص45، نُسلّم بهذه الحقيقة ونمضي قُدُماً نمخر عباب المتن نستكشف الدوافع التي أفرزت هذا التحول، لكننا مانفتأ حتى نصطدم بما لم يكن في الحسبان، إذ نكتشف أن اسمها صار يتأرجح بين مريلين ونجاة" مكثت أستحضر ذكرياتها مسهبا إلى أن رمتني مريلين بنظرة متسائلة"ص50، إنه مازال يحتفظ باسمها الحقيقي في دخيلة نفسه، في اللاشعور، أي الذاكرة الأولى. وهذا ما أكده مارت روبير:" اللاشعور والشعور، الذاكرة الأولى والراهن" 4 ثم نجده يغالب نفسه في الحديث إليها ويناديها باسمها الذي قرره الشعور/الراهن " هذا جناح الملابس يا نجاتي"ص55 ثم يعود لينعطف ويحكي عنها ليفكر فيها باسمها " ابتهجت مريلين لفرجة السوق الذي بقيت في مسرحه"ص58. إنها الذاكرة الأولى التي تعانق اللاشعور، تأبى أن تتخلى عن سطوتها. وهو ما قرره الراوي نفسه قبل أن يكاشفنا بهذا التأرجح بين الشعور واللاشعور، بين نجاة ومريلين" إن الذاكرة لا تستجيب بسرعة للتغير، فهي تحافظ على عذرية الأشياء" ص50.

مهما تكن الزاوية التي ارتأيناها للنظر من خلالها إلى هذا المتن، فإننا لا نستطيع أن ننأى بأنفسنا عن المثلث الذي يقيدنا به النص والذي تناسل-أصلا- عن العتبة، ألا وهو مثلث"الظمأ" و"العودة وعودة العودة" و"القابلة". هذه الأثافي الثلاثة هي التي تنضج عملية السرد دون أن تسْلُب شيئا من حضور وهيمنة العنوان الرئيس. فمرايا عتبة حبلى بنوايا دلالية تتجلى باستيقاظ العديد من الكيانات في نفس صالح، حتى إنه ليتبارى النقيضان. انتكَري يبرر كل دوافع الإندماج والتأقلم، بل أحيانا الذوبان الذي يصفه بأنه " تحول طبيعي لحتمية لابد منها، قد تمنعه الآن وتوقفه، ويصير ممكنا مع الأجيال القادمة"ص198. في حين يطل حمدون ليلدغ النفس بشوكة الإنتماء وذكرى الجذور" مريلين زائرة عائدة. أي تربة تشدك انت الآن؟ " ص105. تهيم الشخصية الجوهرية بين المطرقة والسندان فتبدأ في عملية -   تحت وطأة الحيرة- شبيهة بالتحلل " يتعمق السي أنتكَري. تتسع له رقعة السكن مع الوقت أكثر فأكثر يشعر حمدون بالزحام والضيق" ص127.
ثم أخيرا نجد أنفسنا أمام الهلامية التي وعدنا بها العنوان، لنجد المرآة التي وجد صالح فيها نفسه- كخيار أخير أُجبر عليه- وهي مرآة تمسك بالعصا من الوسط ليعيش النقيضان في الكينونة الممزقة " يتعايش القديم والجديد في جوف صالح: شرق وغرب، ويسير الزمن" ص129

لقد كانت رواية "مرايا" في سردها الرصين تبعث على القلق تجاه الأجيال القادمة التي لن تصمد طويلا في مقاومتها للثقافة الدخيلة، بل ما تفتأ حتى تنصاع لها حتى في أدنى مستوياتها، إذ يعرض النص لنا أنموذجا لهذا الإنشطار" عاد ماريو/مرزوق إلى المنزل" ص154. لقد حاول مرزوق في البداية – محاولات خجولة- أن يحتفظ باسمه، إلا أن الواقع أثبت أن تأثير الوسط الإجتماعي أعتى من تأثير الوسط الأسري. تقَبَّل مرزوق الإشتقاق القلق الذي انتُزع من اسمه – من قِبَل زملائه- وأسكنه فسيح كيانه، فها هي ذي أمه تناديه"- تعال يا مرزوق؟! مرزوق لم يجب دعوة أمه" ص154.

إنه الهاجس الذي يسيطر على أفكار النص في العديد من جوانبه. هاجس قلق مرتبك يقف مشدوها مكتوف الأيدي أمام المصير الذي ينتظر الأجيال المتناسلة" النفحة التي تغذي رئتيك، تمططها. رائحة قد لا تحرك خياشيم النسل. إن الثقافة تكتسب، وكل مكتسب حين يسكن الجذر، يشد المرء للدفاع عنه مع الزمن" ص104. بهذا يكون النص لبِنة جديدة في بنيان الرواية المهجرية المغربية، إذ من خلال استنطاق الأجيال الأولى التي ذاقت مرارة الإغتراب وتجرعت توابعه، رَسَمَ التجليات التي تومض بما ستؤول إليه الأجيال القادمة في دروب الهجرة والإغتراب.

إدريس يزيدي

1/ Gérard genette Seuils , éditions du seuil, paris, p376
2/ شاهين، أسماء: جماليات المكان في روايات جبرا إبراهيم جبرا، المؤسسة العربية
للدراسات، بيروت، 2001: 17.
3/ويليك، رينيه، وأوستين وارين: نظرية الأدب، ترجمة: محيي الدين صبحي: 288.
4/ رواية الأصول وأصول الرواية.. الرواية والتحليل النفسي، مارت روبير، ترجمة وجيه أسعد، إتحاد الكتّاب العرب، دمشق، 1987 ص 43


 


24/02/2013

مرسوم زهرة


في ليلة ليلاء،
سمعت 'زهرة' بثوبها الثلاجي، جكجكة الحديد، وقعقعة السلاح، وطقطقة الحجارة، وقضقضة العظام، ودوي الطائرات، وزفير النار، فحملت المذبر، وسكبت على المدرجة هاته العبارات:
" سيدي زنبق الإيساتيك،
أخط لك هذا المرسوم من أرض دهساء،
تسقى تربتها بدماء دعاميص الجنة،
وأبناء الدهاليز،
وصبيان الكتاتيب...
وتحرق خيراتها بخيانة الأعمام والأخوال...
وتدشن بجدلية هج المنازل،
وهدم الصروح،
ونسف البروج،
ودك القصور...
يا صاحب التاج،
بعد أن اشتعلت النار،
واحتدم الجمر،
تهاوش الأهل وهم يرددون:
"دمي دمك، وهدمي هدمك"...
فلبست الأخت السلاب بدل القفطان،
وشرب الأخ من التهم ما لم يشرب،
وسجلت الأم بدموعها مشاعر الألم في
مرثية الأوجاع،
وخفف الأب هاجس الموت بأشلائه
المتناثرة هنا وهناك.
أيها المتوج،
غابت الزهور التي خلقت للشم وسط
الرماد...
واغتربت أصوات البلبل
والعندليب
والكروان
في تخمة الجراح...
ونزحت الأسماك عن المياه جبرا،
ونطقت العجماء من شدة الوصب،
وتسوس الخبز،
وتأسن الماء،
فجذع الصبي،
وسل الشيخ،
ووهن الرجل،
ونحلت المرأة...
سيدي،
سخر الباخي من حالنا،
فازدرى المقاومة،
وزيف الحقيقة،
وتطاول على الحرية،
أما آن ...."
تواقعت الأنغام، وتغايرت الألحان في تلك الليلة، و اختضرت 'زهرة' قبل أن تختم لحن مرسومها الرنان، لقد فاضت نفسها بعد أن داستها أقدام العدو وهم في طريقهم إلى تخريب الأقطار.


وجدة 28-03-2006

فاطمة الزهراء بنبراهيم

لحن الموت

لحن الموت
مجموعة قصصيّة
فاطمة الزهراء بنبراهيم
مطبعة الطالب ـ وجدة
ط 1 ـ 2013

هنيئاً للأستاذة فاطمة الزهراء بنبراهيم بصدور مجموعتها القصصية : لحن الموت

15/02/2013

لقطات من حفل توقيع ديوان : شظايا الانكسار

 من الجمهور 

الفنّان محمد بوخريص عازفاً على العود

من اليمين إلى اليسار
ذ. الزاوي، ذ. أبو شيار، الشاعرة السعدية الفضيلي، ذ. البدري، ذ. عشّي

 من اليمين إلى اليسار
عبد العزيز أبو شيار، عبد الناصر البدري، جيلالي عشّي

ذ.  جيلالي عشّي

ذ.  عبد الناصر البدري

شظايا الانكسارديوان السعدية الفضيليمطبعة تريفة ¤ بركان
ط 1 ¤ 2011

الشاعرة السعدية الفضيلي موقّعة ديوانها



لقطات من حفل توقيع ديوان : شظايا الانكسار
تنظيم جمعية الأعمال الاجتماعية لرجال التعليم ¤ بركان 
15.O2.  2013

13/02/2013

مساء اللهفة الأولى



في مساء اللهفة الأولى
يتدفق حليب اشتهائي من ثدي القمر
عشاق في ضيافة المطر المعطر بالتراب
تمتهن المدن الساحلية حراسة الضباب
تربطني الرباط برائحة الأوراق
 والأماني المتعفنة على باب البرلمان
تحرس العشاق نخلات 
تتمسك بمتراس البهجة
في كواليس السعادة المختلسة 
شظايا البوح تجلت
بعد تفجير قنبلة الحب الموقوتة
فوق سرير مفروش بأوهام ناعمة
سبية هذه الأرض .. حبلى بالجراحات
أرسم في مخيلتي جمالية البكاء
من ضحكتها الندية 
التي رطبت مزاجي
المتلاشي بالعثرات
غيبتني ابتسامتك
في عالم دخاني الدوائر
أنتمي إلى كل أنواع الغيمات
أصلي صلاة استسقاء حبك الشارد
وأقيس تفاصيل استبداد الشوق 
أبحث عن الأمن في الخوف ..في الحرف
فلا أجد غير حرب عواطفي 
تستنزف ما بقي من صبري
و تسلمني مسافات انكساري
لخيل فقدت صهوتها لبارود بددته زغاريد الرياح
وأحتمي بالحرف من الحتف
أجتاز منطقة ملغومة بالأشجان
إلى منطقة منزوعة الذكريات
وأنطفئ تباعا بوقائع يومية تافهة
أنا المولوع بتفاصيل الإغراء
أنحني أمام الغوايات 
كلما أشعلني زناد مساء اللهفة الأولى 


  عبد العزيز أبوشيار




إسهال أم إمساك؟


في عز الشتاء كانوا هم في الربيع الجديد، يثرثرون ثرثرتهم الصباحية، فناجين القهوة مملوءة ونصف مملوءة، تنصت في صمت لرشفاتهم المتلذذة لطعم البن، بينما اكتسحت جريدة يومية الطرف القصي من المائدة. النادل النشيط يترصدني بعينيه الوثابتين، حسن محصن داخل جلبابه، ضد غارات البرد القارس، يحاور   فريداً في موضوع لا يخرج عن دائرة اهتماماتهما، بينما مجيد اكتفى بمتابعة حديثهما بالتأمل في وجهيهما، إذ كلما انتهى أحدهما من طرح فكرته، حوّل هو نظره للطرف الثاني منتظرا الرد. جمال هو الآخر تحصن داخل جلبابه الصوفي، يبدو  عكس مجيد فهو لا يتابع طرفي الحوار بقدر اهتمامه بأزرار هاتفه الخلوي الذي يكاد يغطي وجهه، تلك هي عادته، فمتى  كان في المقهى التي يرتادها "الخيط السحري الويفي تجده ماسكا بنسيج الشبكة العنكبوتية شاقا عباب بحارها بكل لذة واهتمام ، من حين إلى آخر يلفت عناية الحاضرين إلى خبر عاجل أو حدث مهم علميا كان أو ثقافيا أو اجتماعيا،أو أراهم صورة بثها للتو في حسابه الفايسبوكي.
       بعدما استويت جالسا على كرسي، آتاني النادل مهرولا ملبيا حاجتي في قهوة عادية نورمال، وبعدما رشفت رشفة من فنجاني، وأمسكت برأس خيط الحوار الدائر بين حسن وفريد، أدليت بدلوي إلى جانب دلويهما. فسألت فريد:
-      أرى أن حبل سردياتك قد أمسى طويلا جدا؟
نظر إلي مبتسما، وقد وضع رزمة من الأوراق جانبا، وقبل أن يرد على سؤالي المباغت، أردفت قائلا:
-      أنت مصاب بإسهال حاد !
تعجب من سؤالي الشاذ هذا، وردّ مبتسما:
-      أنا بخير والحمد لله، معدتي وأمعائي في تمام عافيتها.
-      أقصد أنك مصاب بإسهال الكتابة !
سوى نظارتيه فوق أرنبة أنفه، وأزاح عن أذنيه سماعة الهاتف، فرد قائلا:
-      عجيب أمرك يا صديقي !
-      مم تتعجب؟
-      لفت انتباهك إسهالي في الكتابة لبضعة أيام، ولم تثر انتباهك حالة الإمساك العسيرة، 
التي عانيت منها سبع عشرة سنة؟

أحمد بلكَاسم

أحمد بلكَاسم وفريد كومار
بالربيع الجديد ¤ بركان


12/02/2013

اليباب



بين أجنحة السراب
وفي سكون الليل 
في أحلام الغياب
ـ ولدت ـ
في يدي زهرة 
وحدها كانت حقيقتي
وامتص رحيقها الزمن
كأعين الموتى 
وأحلام الشباب
يا لأسرها الخفي مثل الضباب
هي قدري
 .......
مذ جئت للأرض وأنا أغني 
أغني للفرسان
للذين أسرجوا خيلهم في الليل
ليصطادوا النجوم 
في ساحات هذا الخراب
يغسلون ما بقي من حلمهم 
بماء الزعتر والخزامى والأقحوان
يصولون يجولون
 ......

يبحثون عن الجواب 
لسؤال مال برأسه للخلف 
ونام 
ستتسع الأرض هاهنا في الغياب 
ستقبل شمس الظهيرة 
هذا التراب
وسأظل أنفخ في الصدى 
بفم مثقل بالردى 
إلى آخر نقطة في الظلال
وأغيب
...........
أغيب في السحاب

ثريّا أحنّاش

الشاعرة ثريّا أحنّاش في تكَافايت
بعدسة ج. الخلاّدي




09/02/2013

توقيع ديوان شظايا الانكسار


شظايا الانكسار
ديوان
 السعدية الفضيلي
مطبعة تريفة ¤ بركان
مطبعة تريفة ¤ بركان  ط 1 ¤ 2011



تتشرف جمعية الأعمال الاجتماعية لرجال التعليم 
بدعوتكم لحضور حفل توقيع ديوان

 شظايا الانكسار

للشاعرة السعدية الفضيلي

بمشاركة الأساتذة

عبد الناصر البدري
الجيلالي عشّي
عبد العزيز أبو شيار

 وذلك يوم الجمعة 15 فبراير 2013

على الساعة 3 و النصف بعد الزوال

 بنادي التعليم الكائن بشارع محمد الخامس أبركان 


08/02/2013

لـم أر الشـلالات مـن أعلــى الرواية بين المتن والحاشية

 لم أر الشلالات من أعلى 
رواية
محمد ميلود غرافي 

دار الغاوون ـ بيروت 

ط 1 ـ 2011


رواية " لم أر الشلالات من أعلى هي الرواية البكر للدكتور الشاعر محمد ميلود غرافي الصادرة عن 
دار الغاوون / بيروت، والتي أشاحت الخمار على كثير من الصفحات الحالكة في تاريخ المغرب: كرشق المتظاهرين بالرصاص الحي فيما يسمى بثورة الخبز سنة أربع وثمانين ،أو ما يسمى بسنين الجمر والرصاص التي جاءت في حكي الأب. ثم تاليا الهجوم بالأفكار المضللة كرؤية الملك محمد الخامس على وجه القمر. لكنه في عموم الرواية يعطي الروائي لشخصياته أبعادا عالمية، فكل العرب الذين يعيشون الغربة والاِ غتراب في باريس لا يذكرون أوطانهم إلا باسم " البلاد" التي تعني أحيانا المغرب وأحيانا أخرى الجزائر.

يطالعنا العنوان من خلال صفحة الغلاف فنشرع في قراءة الرواية محاولين سبر أغواره وما يضمره، ظنا منّا انه هذه هي العتبة الوحيدة التي تفضي بنا إلى فناء الدار. ولكننا نُفاجأ بنسخة لعقد زواج تتصدر الرواية فتتسع الهوة أكثر بيننا وبين مكونات العنوان، بل نجد أنفسنا أمام متوازيات نصية أخرى تقتضي منا أن نستظل بظلها ونحن نسيح في جنبات النص المركزي الرئيس . لكنه ما إن تبدأ عملية السرد حتى يتم تجسير هذه الهوة وتتبدى لنا العتبة أكثر حضورا " ها الشلالات تبدو الآن أقرب إلى القلب منها إلى الوادي"  ص 13. إنها تبدو أقرب إلى القلب، لكنه لم يرها بعينيه، بل بعيني قلبه، وهذه العبارة الواردة في النص هي التي تؤكد لنا بأن عتبة لنص كان لزاما علينا اعتبارها "مفتاحا أساسيا يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة قصد استنطاقها وتأويلها(1)". كما أن التشبيهات أيضا كانت تحيل أحيانا على العنوان: "كأني ارتميت على ريبيكا من عل"  ص13، ذلك العلو الذي لم يستطع أن يرى من خلاله الشلالات. ثم يتضح تاليا أن العنوان قد ترك بصمته أكثر على طريقة صياغة أسيقة الكلام - سيما في الصفحات الأولى من الرواية - إذ أن الإستعارات كانت تحيل على مكون أساسي من مكونات العنوان " وريبيكا وحدها مازالت ترتطم على صدري مثل شلالات بلاد الغال17. ثم بعد ذلك نمضي في التهام عشرات الصفحات لتطل علينا حقيقة العنوان مرفوقة بشيء من الغبش:" ريبيكا تقول إن منظر الشلالات من قمة الجبل لا مثيل له" ص63  ثم ما يلبث أن يكاشفنا بصيغة العنوان كاملة بعد أسطر معدودة ليتجه رأسا إلى تأويل المشهد كما لو أنه يعبر رؤيا:" لم أر الشلالات من أعلى. هذا أحسن. ربما لأن نصف الطريق مع ريبيكا كاف" ص63

بعد انفكاك عقدة العنوان، يظل عقد الزواج هو اللغز الذي يلهث القارئ  لفك طلاسمه وفهم العلة التي تكمن وراءه. فعلى الرغم من الضبابية التي تكتنفه إلا أنها تنجلي في الصفحات الأولى، ولكن ذِكره يأتي في سياق يفتح الباب على مصراعيه ليزج بالقارئ في حضن الغموض فيتملّكه شعور قوي بأن يسابق الصفحات حتى يحطَّ هذا العبء عن كاهله. " وعقد زواج أبي وأمي وأنا وكل هذه الضوضاء في صدري وهذا الحكي خرافة ليس إلا" ص15. عقد الزواج خرافة بالمفهوم السيولوجي للكلمة،  إرث تناقلته الأجيال. وتموقع كلمة خرافة في مستهل الرواية  على هذا النحو، جعلتنا نتكهن أن كل ما سنطلع عليه محض سراب. وها هي الأم تنتظر ابنها حتى يكبر فتنبش عن ذلك الإرث: " مدت إلي أمي بعقد زواجها. قالت اقرأ هذا الكاغد!"  ص83. ذلك الميثاق الغليظ استاحال إلى ورقة. مجرد ورقة / كاغد. على الرغم من أميتها إلا أن إحساسا ما راودها عن خلل يشوب هذا العقد، وهو الخلل نفسه الذي دفع الراوي/ الابن إلى أن يصفه ـ ضمن ما وصف ـ بالخرافة:" وجه أمي أبيض ناصع..وجميل كوجه أم وليس به وشم" ص84. إنها الملامح التي تخالف ما جاء في العقد. ولعلها العقدة التي سكنت الابن/الراوي فأخذ على عاتقه ألا يكون عقد الزواج إلا على وجهه الأصح وهو ما كان يصر عليه في علاقته مع ريبيكا، ولذلك قالت له: " أنت تعطي قيمة كبيرة لعقد الزواج" ص106.
  
إن كان وصف عقد الرزواج بالخرافة قد هز القارئ، فإن وصف عملية الحكي ذاتها بالخرافة قد زلزلته زلزالا شديدا. " وهذا الحكي خرافة ليس إلا" ص15. أكل الذي كنا نرفل فيه على مدار النص خرافة ليس إلا؟ والخرافة وحدها هي التي أوحت بكتابة هذا النص؟ والخرافة هي الأسمال التي نأتزر بها حتى تنتهي لعبة لحكي؟ تظل هذه الأسئلة عالقة على مدار أكثر من مائة صفحة حتى تلقي الرواية بين أيدينا بالعبارة التي تعدل الميزان:" ليست الخرافة دوما من إنتاج الخيال"ص134. وماذا غير الخيال إلا الواقع؟ إنه الواقع بسيماته الخرافية!

في الرواية مقاطع تحيلنا على الحقبة الزمنية التي تعتمل فيها الأحداث المهجرية إذ يصور صخب الحياة الباريسية، وهو ما يجعل الوافد عليها يغادرها منهك القوى متعبا غاية التعب." يا إلهي! عشرة منبهات ترن على التوالي كل صباح!" ص52  ثم يلي بعد ذلك مشاهد ترسم للقارئ ما تزامن مع هذه الحقبة الزمنية من تغيرات على مستوى الحياة الإجتماعية." يدخنون ويشربون على أنغام دحمان الحراش.....ثم تسمعني أغنيتي المفضلة كاين ربي وكاين ربي بصوت المازوني"ص121 إن بارات باريس "تبلدتْ". 


هذه الإحترافية في الكتابة السردية  لا أراها تنجم عن المخاض الأول. إذ لابد ـ وهذا أغلب ظنتي ـ أن تكون للكاتب أسقاط في الحقل الروائي استمد منها هذا العنفوان السردي والدربة الروائية. فالعلاقة الحميمية التي يشهد لها الوجود بين الابن والأب تتسلل إلى تقنيات السرد في هذا العمل الذي بين أيدينا. ففي عملية الحكي التي يتزعمها الابن ـ صاحب المستوى الجامعي ـ  بلغة مرموزة حينا  ومباشرة أحيانا أخرى، يوازيها سرد الأب بلغة دانية واضحة يجعل منها حاشية موازية لمتن الابن المتسلسل. وهذا ما نلمسه في غير ما موضع، فمثلا عندما ينتهي الابن من الحديث عن المسجد في باريس " كان أبّا عباس يمقت الداخلين إلى المسجد للصلاة. يقول هؤلاء كفار. لو كانوا مسلمين فعلا لتوضأوا في بيوتهم وتركونا ننام حتى الصباح " ص48  بعد هذه الفقرة مباشرة يستأنف الراوي/الأب الحديث عن نفس البقعة-المسجد في الجزائر، وكلاهما يعاني" أتذكر أسوأ أيام حياتي بهذا المسجد" ص49.

تأوي الرواية في طياتها  حالات نفسية مرتبكة كحالة كريم الذي خرج من السجن وجعل يردد آيات قرآنية بصوت صاخب ويتعامل مع البخور، ثم حالة أمقران الذي تاب في شهر رمضان وجعل يزعج الناس بأسئلته عن مواقيت الصلاة لينتهي أخيرا
إلى البار والعهر. مثل هذه الإشارات تميط اللثام عن حالات القلق والإرتباك التي تسكن علاقة الفرد المغترب بين الجواني-الروحاني والبراني-الواقعي. إنها وطأة الإغتراب بثقلها الرمادي...إنها قبضة الإغتراب التي لا تشد إلا على الإنسان المغترب.
الرواية غنية في احاديثها عن اهوال الغربة والاغتراب تحتاج منا الى وقفات تأملية واسعة لإماطاة اللثام على بعضٍ من جوانبها ولعل التقديم البسيط – مقال صحفي -لهذا العمل لتقديمه للقارئ لايتسع للوقوف اكثر.

 وعموما تشكل رواية "لم ار الشلات من أعلى" إضافة للرواية المغربية المهجرية المكتوبة باللغة العربية فتغني السرد المغربي لتنضاف إلى أسماء المبدعين المهجرين أمثال:   مصطفى شعبان وعلي أفيلال ومحمد التيطواني. فهذه النخبة التي أخذت على عاتقها فضح واقع الهجرة والاغتراب . نجد أن أعمالهم  تؤرخ لجيل من المبدعين المهجرين من النخبة التي لم تجد سوى الكتابة ملاذا تبث فيه خوالج صدرها ولِتعزف من خلاله سمفونية الحزن تارة ،والحنين تارة إلى الوطن.

بذلك تسجل رواية "لم ار الشلات من أعلى"  حضورها المتميز بتشويق القارئ ومتعته عبر لغة سلسة وفضح مواطن الاختلال في عوالم المهجر ومرحلة من تاريخنا .إنها تفضح واقعا لتبني افقا مشرقا  هي رسالة الادب التي لا تعرف اليأس وتفتح الامل لغد أفضل.


(1)محمد مفتاح، دبنامية النص، تنظير و إنجاز، المركز الثقافي العربي، بيروت/لبنان، ط2، 1990، ص.72



  إدريس يزيدي
 شاعر مغربي مقيم في بلجيكا.


07/02/2013

عشرين يونيو

جاء الغفر 
ثبّت نقاط تفتيش بين بداية الزقاق و آخره 
أحرق لامية جرير قبل الفجر
خلع أبواب المواثيق
و كل أبيات الشعر 
شرّع حالات حصارْ
أخرس ألسنة القوم 
و ألّف بين نباح كلاب ضالة
و صفارات الإنذارْ
كي لا أشرب قهوة أمي في موعدها
و أتخيل حوريتي تطل خلف جدارْ
قاد أشجار اللوز إلى محرقة النارْ 
ملأ ترابا و حصى كلُّ الآبارْ 
شرّدَ مناجل أهلي في كل الأمصارْ 
جرد الحقول من خضرتها 
و لوى أعناق الأزهارْ
فلا جرن اليوم و لا فرن يغذيني
أطفأ ضوء شموع الأكواخ 
و أحال قُرانا ركاما من أحجارْ؟
بدّل ريش لقالقنا البيض
وألبسها ثوب حداد 
اجتثّ أشجار العرعارْ
ألقى أغصانها طعما للمنشارْ
صنع منها دفوفا تقرع في ساحة جامع الفنا
تحكي مآسينا 
تُـــبكي مآقينا
ليل نهارْ
.... 

 2

وأنا الشاهد الحزين
اقرأ لـَوْحي 
أنظر خلف حدود البحر
حدود الرمل 
أحاصر وحدي
بحار العلقم 
بقطرة من شهد 
أثني الجموع عن الهروب صوب المنفى 
أنا المحاصر بين الجذب و الأنين 
و أرى مطرا يهطل حولي
لا يغسل حزني الدفين 
رصاصا ينهمر
أوراقاً تَسّاقَطُ من شجر التين
أثوابَ إخوتي فوق حبل غسيل
طائرات ورقية لا يسوقها طيار
أحلام جيل تَسّاقَطُ
بين صعود الجدار المكين
و السقوط في الكمين


بركان 24/01/2013

الحسن رزوقي