على سبيل التقديم
2009الكصبة والطير ديوان زجلي من الحجم المتوسط، صدر في طبعته الأولى سنة
عن مطبعة تريفة بمدينة بركان، يضم بين دفتيه ثمانية وثلاثين نصا زجليا ما بين الطويل والقصير والمتوسط، توزعت على طول الفضاء الورقي للكتاب البالغ ستا وتسعين صفحة. تعود حقوق تأليف الديوان وطبعه للمبدع أحمد اليعقوبي سليل مدينة بركان، وشقيق أحد اكبر صناع القصيدة البدوية المرحوم الشيخ علي التينساني صاحب رائعة " لوكان الباسبور عندي" في نسختها الأولى تأليفا وأداء
يعد ديوان "الكصبة والطير" إحياء لتراث شفهي أصيل، ومواصلة للمسير الإبداعي الذي شق طريقه شيوخ المنطقة : المرحومان الشيخ علي التينساني و الشيخ محمد اليونسي ، و الشيخ أحمد ليو اللؤلؤة المتبقية من هذا العقد... الذين أكدوا أحقية هذا الموروث الثقافي في الدراسة والعناية باعتباره أدبا يمثل ذاكرة أمة. لقد اقتفى الشاعر أحمد اليعقوبي أثر هؤلاء جميعهم، ونهل من معينهم الثر في إبداع نصوص ديوانه خصوصا ما تعلق منها بالجانب الإيقاعي، مع لمسة واضحة - طبعا – للشاعر على المستويين الموضوعي واللفظي اللذين أبدى فيهما تأثرا واضحا بالظاهرة الغيوانية، فكان الجمع بين تراث المشيخة بالمنطقة الشرقية من المغرب، والظاهرة الغيوانية التي تلألأ نجمها داخل المغرب وخارجه سنوات السبعين أهم سمات هذا الديوان عتبة العنونة
إن أول ما يستوقف المتصفح لهذا الديوان هو عنوانه "الكصبة والطير" وهو عنوان استقى الشاعر ألفاظه من قاموس عامي شعبي، مما استوجب وضعه في دائرة الضوء تفاديا لكل تعويم مصطلحي يمكن أن يزيغ بالقارئ عن الفهم الصحيح؛ لان اللفظ حينما يتعلق بلغة الزجل العامية يخضع للمتحكمات الجغرافية، فنجد مصطلحات خاصة ليس لها استعمال إلا داخل فضاء جغرافي محدود وإن استعملت خارجه فهي تفيد معان أخرى مغايرة
لقد كان الشاعر أكثر نباهة لهذا الأمر وهو ينسج خيوط هذه العتبة، فكان أن جعل اللفظين المركبين للعنوان أقرب إلى الفصحى. ف " الكصبة" تعني القصبة وأما "الطير" فهو الطائر، غير أن هذا الوضوح اللفظي لا ينبغي أن يحجب نظر القارئ عن طلب عمق المعنى و تبين بعد الدلالة، أو يثنيه عن إثارة بعض الأسئلة المفصلية
فعن أي قصبة يتحدث الشاعر؟ وأي طائر يقصد؟ وما الخبر المفترض لهذا الابتداء المركب تركيبا عطفيا؟...تلكم هي مجموع الأسئلة المنهجية التي بإمكانها أن تسبر أغوار هذا العنوان وتميط عنه الحجب
يمكن التمييز بين نوعين اثنين من العناوين: عناوين موضٌحة للمتن، بمعنى أن المتن يقرأ في ضوئها، وأخرى لا تتكشف إلا بعد النزول إلى عمق النص، ولعل عنوان "الكصبة والطير" من النوع الثاني، إذ إننا نجده مجتثا من أولى قصائد الديوان الموسومة ب "طير يا طيري" وفيها يقول الشاعر
الكصبة والطير أو يا صحاب العود * يفاجيو همومي يا صحاب الراي 1
وفي هذا البيت نضع الإصبع على الخبر الذي غيب في العنوان وهو قوله: (يفاجيو اهمومي) ولعل إسناد تنفيس الكرب والترويح عن النفس إلى القصبة، يقتضي أن تكون قصبة من نوع خاص، قصبة تطرب و تلهم و تبعد الأشجان، إنها آلة موسيقية هوائية خاصة بالشرق المغربي والغرب الجزائري منها: الخماسي والرباعي والثلاثي. ويتضح هذا المعنى أكثر في قوله
كصب يا كصاب وانغم بالميزان) 2)
و "الكصاب" هو العازف على آلة القصبة، يطلب منه الشاعر أن يعزف "كَصبْ"باتقان ومهارة محترما بذلك الوزن باعتباره جوهر القول في القصيدة البدوية. ولاشك في أن هذا الأمر الطلبي في كلمتي "كصب" و "انغم" لم يرد اعتباطا وإنما يتغيا الشاعر من خلاله وخز ذاكرتنا وتنبيهنا إلى الأصوات الرديئة المحسوبة على التراث المحليء المدعمة طبعا من قبل السماسرة والتي أساءت إلى ما هو أصيل، فأصبحت صورته السائدة، وهو براء منها
أما "الطير" فلا إخاله إلا شيطان الشاعر وملهم قوافيه ومحرك خياله الشعري أو هو تلك الأنا الشعرية الطليقة المتحررة من القيود والسابحة في سماء النغم الأصيل والكلمة الملتزمة، وهذا ما نستجلبه من قوله
ارفعني يا صاح حتى نلحك لطيار) 3 )
تجليات البيبليوغرافيا في الديوان
لم يعد الحديث عن أهمية البيبليوغرافيا - في نظري - ذا جدوى، ولم يعد الدرس البيبليوغرافي المغربي في حاجة لمن ينافح عنه، فكثير ممن أداروا وجوههم لها، وجدوا أنفسهم مدفوعين إلى بابها، يستجدون نفعها ويطلبون نداها. كما أن البحث البيبليوغرافي لم يعد مقصورا على ذوي الاختصاص من البيبليوغرافيين، ولم يبق حبيس المصنفات البيبليوغرافية، وإنما تعداها إلى مؤلفات أخرى لم تأخذ على عاتقها هذا الهم، و ربما لم تييت له نية البحث، فكان أن وجدناها حاضرة في مؤلفات مسرحية من قبيل : الحركة المسرحية بطنجة لرضوان احدادو، و الجركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة لمصطفى رمضاني ، و المسرح الهاوي بفاس للمهدي الودغيري ...هذا فضلا عما توليه البحوث الأكاديمية وغبرها من أهمية قصوى للجانب البيبليوغرافي فتخصص له حيزا مهما من صفحاتها، تذيل به تآليفها. وقد انتقلت عدوى البيبليوغرافيا إلى الإبداع كما نجد في ديوان "الكصبة والطير" الذي احتفى بالدرس البيبليوغرافي المغربي على طريقته الخاصة، وذلك في إحدى أطول قصائده الموسومة ب "نْواور أبركان" وهي قصيدة تعتبر قمة في النضج سواء من حيث النظم أم اللفظ أم المعنى. ويظهر من خلال الهامش المحيل على العنوان أن الأمر يتعلق بنوع خاص من البيبليوغرافيا وهي البيبليوغرافيا الإقليمية، إذ إن الشاعر تصدى لكل مثقفي المدينة وفنانيها على اختلاف تخصصاتهم ومجالات إبداعاتهم منهم من مايزال قلمه سيالا ومنهم من لاقى ربه، يقول : ("نواور أبركان" نص زجلي يتضمن أسماء ينحدر أصحابها من جهة أبركان وهم من المثقفين والمبدعين الذين لهم اهتمامات في مختلف مناحي المعرفة: اقتصاد، فكر، أدب، فن، سينما، فولكلور... بعضهم له إصدارات، وبعضهم له أعمال مازالت لم تطبع بعد... 4
استهل الشاعر نصه الزجلي هذا بمقدمة طويلة قبل أن يصل إلى الجانب البيبليوغرافي الذي يشكل متنها، تغنى فيها ببهاء إقليم بركان معقل قبائل بني يزناسن المجاهدة، وما يزخر به من مكونات طبيعية روعة في الجمال، فهو يجمع بين السهل والجبل والبحر، وهي مكونات جعلت من هذا الإقليم فسيفساء طبيعيا من الحسن الأخاذ، حسن وجد فيه الشاعر مرتعا خصبا للإلهام والإبداع، كما حدد الشاعر في هذه المقدمة أهداف هذا التأليف ودواعيه التي لخصها في رد الاعتبار للمثقف المحلي وإخراجه من دائرة الظل، وهو بذلك ينكر على القائمين على الشأن الثقافي المحلي إهمالهم لمثقفي الإقليم في الملتقيات الثقافية، وربما ازدراؤهم والاستخفاف بهم عملا بالمثل المشهور" مطرب الحي لا يطرب" غير أن الشاعر كان له نظر آخر فدعا إلى تصحيح المفاهيم وإعادة النطر في المقومات يقول
نَشْرَبْ ونْزِيدْ نْصَبْ اكْرَهْنِي وَلا حَبْ كَصَابي يَطْرَبْ
الحومة والدشرة
كَالوا ما يطرب نكَول أنا يطرب كَصّابي يطرب
الحومة والدشرة
هنا ولهيهْ يَطربْ لْهيهْ وَ هْنَا يطرب والله إِلَى يَطرب
الداخٌلْ وُ بَرٌا 5
لقد كانت قصيدة "نواور أبركان" توثيقية لذاكرة المدينة الثقافية بكل المقاييس، فتم تسجيل أسماء كاملة وعلى سبيل التصريح مثل: اسم المسرحي والفنان التشكيلي عبد الحفيظ مديوني الذي قال فيه
مديوني حفيظ نور وعين فْ غيض صافي ماه يفيض
فهامة وشوارة 6
وأقلام أخرى اكتفى بذكر اسمها العائلي فقط، كما هو شأن المبدع والمنظر والمخرج المسرحي عبد الكريم برشيد الذي أشار إليه الشاعر بقوله
أستاذنا برشيد حكيم واللي يْريد به يَدّي ويـِفيد
كِ اللْويز ذْخيرة 7
وأسماء أخرى جاء ذكرها على سبيل التلميح وما تقتضيه الضرورة الشعرية مومئا كذلك إلى بنات أفكارها، وهذا نموذج من الأبيات التي نظمها الشاعر في حق القاص والروائي محمد العتروس بمناسبة إصدار مجموعته القصصية قطط تلوك الكلام
مْحَمدْ زاد كتابْ على مشاوشْ لدرابْ نْصَبْ لعقل وْصَابْ
تمضغْ فَ الهَدْرة 8
ورفعا لكل لبس بإمكانه أن يعتري هذه الأسماء، خص الشاعر كل مثقف جاء ذكره في الديوان بهامش يشير فيه إلى الاسم كاملا مع ذكر مجال تخصصه وهذا مثال قوله في المبدع ملوكي سعيد: (ملوكي سعيد: شاعر وروائي باللغة الفرنسية) 9
وبهذا يكون ديوان الكصبة والطير بالإضافة إلى إغنائه للمكتبة المغربية والتجارب الزجلية قد قدم خدمة جليلة للثقافة المغربية والمحلية على وجه الخصوص وذلك من خلال تعريفه بعدد كبير من الأقلام النشيطة لا سيما تلك التي حالت إكراهات الطبع دون إخراج تآليفها إلى حيز الوجود أو تلك التي غيبها القدر المحتوم و ووريت أسماؤها وإبداعاتهاء إن قصدا أو عن غير قصدء الثرى مع جثامينها، ويبقى الغائب الأكبر عن هذه البيبليوغرافيا هو التعريف بأعمال هؤلاء المثقفين، وهذا ليس عيبا يسيء للديوان أو يصيبه بشائبة؛ لأن الأمر لا يتعلق بكتاب نقدي أو مصنف بيبليوغرافي متخصص، يمكنه أن يتسلح بمناهج في الدراسة والبحث، وإنما نحن أمام إبداع له شروطه وخصوصياته، نبهنا إلى ذاكرة مدينة طالها النسيان وبسط لنا أرضية للبحث علينا استكمالها
الأدب المغربي داخل الديوان
يتم الاقتصار هاهنا على الإبداع المغربي بأجناسه الأربعة المطبوع بين دفتي كتاب و بمختلف لغاته، فنستجلي من عمق الديوان ومن بين الأسماء الكثيرة تلك التي سخرت أقلامها للإبداع الأدبي، مضيفين إليها ما دبجته أناملها من تآليف
الشعراء
أحمد عزيزي - همّ الدنيا (زجل)2008
أحمد اليعقوبي - الكصبة والطير (زجل) 2009
ثريا أحناش - مرايا عشتار 2010
الحسين خضراوي - ديوان الأنين - صدر في أربعة أجزاء
ج3 - 2009
حسن رزوقي - أوراق مصلوب اشتهى العشق 2010
رشيد اليزناسني - الغرام في عصر الظلام 1994
عبد الرحمان بوعلي
أسفار داخل الوطن 1977
الولد الدائري 1984
وردة للزمن المستحيل 1984
ديوان المغرب الشرقي 1995
تحولات يوسف المغربي 2003
الأناشيد والمراثي يليه مدن الرماد 2004
عبد العزيز أبو شيار- أوتار النزيف 2010
محمد مكتوب
تصريحات 1984
قارئة الكف 1991
محمد ميلود غرافي
حرائق العشق 2002
أمضغها علكا أسود 2009
يوسف الطاهري - يا ما غدا العيد (زجل) 2010
القاصون
الجيلالي عشي - عصا موسى 2009
الحسن بنمونة - مطعم اللحم البشري يرحب بكم 2009
محمد العتروس
هذا القادم 1994
رائحة رجل يحترق 1998
عناقيد الحزن 2002
هلوسات 2002
قطط تلوك الكلام 2009
مصطفى شعبان - وردة الشاعر2008
الروائيون
عبد الكريم برشيد - غابة الاشارات 1999
عبد المالك المومني - الجناح الهيمان بنبع ركَادة الوسنان 1996
محمد العتروس - أوراق الرماد 2010
مصطفى شعبان
أمواج الروح 1998
مرايا 2008
Mellouki said
- la transe
- Les dernier mirages
المسرحيون
عبد الحفيظ مديوني - الورشة 2007
عبد الكريم برشيد
عطيل والخيل والبارود - سالف لونجة 1977
امرؤ القيس في باريس (1982)ط 2 و ط3 - 1997
اسمع يا عبد السمع 1987
عرس الأطلس 1988
مرافعات الولد الفصيح 1995
الدجال والقيامة 1999
الحكواتي الأخير 2004
ابن الرومي في مدن الصفيح 2005
يا ليل يا عين ( موال مسرحي ) 2006
مصطفى رمضاني
بني قردون 2007
أطفال البسوس 2010
وهذه الأسماء لا تمثل كل الأقلام المبدعة في هذا المجال، فقد أغفل الشاعر مبدعين آخرين أسهموا بدورهم في النهوض بالأدب المغربي محليا ووطنيا من مثل المرحوم الشاعر قدور الورطاسي صاحب ديوان الحدائق... وآخرون ما يزالون يضخون دماء التجديد في أدبنا المغربي نذكر على سبيل المثال لا الحصر الروائي الواعد عبد الباسط الزخنيني صاحب روايتي الأشقياء و روح شردتها الرياح الفائرة بجائزة القناة الثانية للإبداع الأدبي، وقد نبه الشاعر إلى هذا الأمر في آخر بيت من هذه القصيدة التوثيقية راجيا الصفح ممن لم يذكر اسمه؛ لأن الأمر ينفلت عن إرادته يقول:
و التوقيع احمد يَسْمَحْ لُه يَقْصَدْ الى نْسى شي حدْ
العالَمْ بِهْ ادْرى 10
*********
الهوامش من واحد إلى عشرة
الكصبة و الطير...- أحمد اليعقوبي- مطبعة تريفة- بركان- 2009-ص:8
المرجع نفسه والصفحة نفسها
المرجع نفسه والصفحة نفسها
المرجع نفسه – ص: 35
المرجع نفسه – ص:38-39
المرجع نفسه – ص:42
المرجع نفسه – ص: 42
المرجع نفسه – ص: 44
المرجع نفسه – ص: 43
المرجع نفسه – ص: 54
ذ. محمد رحو