15/11/2012

رابطة الشعراء الشباب بوجدة : سنة جديدة


 بمضي سنة على تأسيسها تحيي رابطة الشعراء الشباب بوجدة حفلاً إبداعيّاً، تستعرض فيه حصيلة سنتها  الأولى ، في الثامن عشر من نونبر  2012، ابتداءً  من الساعة الثانية مساءً، في مقر مؤسسة مولاي سليمان، الكائن بدرب السانية المتفرع عن شارع عبد الرحمن احجيرة 

فهنيئاً لرابطة الشعراء الشباب، متمنّين لها النجاح في مسعاها الإبداعيّ النبيل

12/11/2012

دم الميت ـ قراءة في رواية : المطرودون لمعمّر بختاوي



" دم الميت "
       قراءة في رواية ـ المطرودون ـ لمؤلفها الدكتور "معمر بختاوي"





في الثلاثينات من القرن الماضي، سيهاجر الجـد بنهـدي إلى الجزائر، - القطر الشقيق لبلده المغرب – كما فعل ذلك قبلـه وبعده الآلاف من المغاربـة  الذين حملوا سواعدهم وخبراتهم، وتجاربهم وتجارتهم، وأموالهم، وكلما لهم من أحلام، ودموع وآلام وطموح وأفراح  وجاءوا بها إلى الجزائر ليساهموا إلى جانب إخوانهم في بناء الأساس المتين ورفع الأركان من البيت الغربي للوطن الكبير،  لا فرق بين البلدين، أرض مشتركـة وتاريخ مشترك. اختلط العرق بالعرق والدم بالدم، وانصهر الجميع، نساء ورجالا وشيبا وأطفالا في نسيج اجتماعي فريد29، تزوج المغربي بالجزائريـة وصاهر الجزائري المغربي وصار الأطفال يدخلون البيوت كما لو كانت بيتا واحدا لأسرة واحدة... يلبون طلبات الأمهات ثم ينخرطون في اللعب44 ، فهم ليسوا أنصاف مخلوقات، ليسوا أنصاف جزائريين ولا أنصاف مغاربـة، إنهم جزائريون بالكامل ومغاربـة بالكامل في الوقت نفسـه، فبين المغاربـة والجزائريين لم تكن توجد نصف جنسيـة وإنما جنسيـة كاملـة هي جنسيـة الوطنين معا، لعب الأطفال في الأزقـة نفسها، أكلوا الخبز نفسـه دون أن يسألوا أي الأمهات طهتـه، وكتبوا أسماءهم على جذوع الأشجار، ثم صاروا كبارا، الشبان، يطيلـون الشارب والشابات ينظـرن من خلف النوافـذ  لعرسان الغد .. عرسان أو فرسان بلا بطاقـة هويـة غير هويـة المكـان.
          في الثلاثينات من القرن الماضي، اصطحب الجد "بنهدي" أولاده الأربعـة (ثلاثـة بنين وبنت واحدة) إلى الجزائر63، حط الرحال بوهران وشمر على ساعديـه وحنجرتـه ليطرد الفضول ويدق أوتاد الاستقرار في بيت متواضع يكتريـه مع الجيران .. جد عصبي وصعب المراس، لكن الجدة في المقابل كانت حنونا ومتسامحـة، سهلـة وديعـة، يقصدها الناس من القرى المجاورة لتمريض الأطفال وتقديم المشورات ... حتى لقبت ب "لالـة شافيـة"63
ولما صدح نداء الثورة، تجند الأبناء الثلاثـة والأخت للدفاع عن البلد الذي صار بلدهم، البلد الذي كان حتى قبل أن يهاجروا إليه بلدهم، -هكذا كانوا يعتقدون .. أو هكذا كان قبل أن يستولى على البلد مسـاخ الذاكرة ونسـاخ التاريخ ومصـاصو الأرزاق والدمـاء– احتلوه، هم الذين لم يفعلوا شيئـا من أجل تحريره واستحوذوا على ذاكرة الآخرين.
الأبناء، كانوا يقاتلون المستعمر في الجبال ، والابنة كانت تهرب الأسلحـة للمجاهدين في سلال الخضر أو تمرر أوراق الخرائط والخطط للمحاربين داخل خبـزة كبيرة64 .. فكما كانت تفعل نساء المغرب من أجل استقلال المغرب فعلت المغربيـات من أجل استقلال الجزائر، ضحين بأنفسهن وبأبنائهن وإخوانهـن..
          وسقط الأبناء تباعا كجياد أصيلـة، سقطوا شهداء الواجب كما سقط أهلهم على أرض المغرب شهداء الواجب .. هؤلاء وأولئك المغاربـة .. هنا وهناك استجابوا لنداء الوطـن، وسقطوا فداء له، سقطوا من أجل الحريـة والكرامـة وعزة الوطن، لم يمتزج الدم المغربي والجزائري بالزواج والمصاهرة فقط، ولكن أيضا امتزج بالشهادة حين سقط المغاربـة إلى جانب الجزائريين برصاص المستعمر في ساحـة الشرف. مات المغاربـة من أجل أن تحيا الجزائر يوم كانت "بلاد العرب أوطاني*..."
          استشهـد الأبناء الثلاثـة، ومات الجد .. وماتت الجدة.. كانت الحرب قد انتهت، فتزوجت البنت المغربيـة بشاب مغربي وانتقلت للعيش معه في بيت جديد إلى جوار جيران جدد.. صارت المرأة أما فتكفلت برعايـة الصغيرين " حميد وسعيد " وصار الرجل  أبا فهاجر إلى شمال فرنسا ليعمل في مناجم الفحم64 ويعيل أسرتـه الجديدة.       
          عمي عبد السلام وخالتي سعيدة .. الجزائريان .. كانا الأقرب إلى قلب الأسرة المغربيـة.. وجميلـة ابنتهما ستكون الأقرب إلى قلب سعيد.
..  سعيد المغربي وجميلـة الجزائريـة سينشئان في البيت نفسـه يلعبان معا .. يحبـان بعضهما، يحبـان كليهما، يغرقان في الحب الطفولي البريء .. عروس وجدت فارسهـا إلى جانبها.. دونما حاجـة لكثير أحلام. عروس وعريس منذوران لبعضهما تقول الأسرتان .. ويحلمان أحلاما عاديـة .. جدا .. كما يحلم الشباب في المغرب أو في الجزائر.
هو الآن في السنـة الثالثـة فلسفـة... جامعـة وهران.
وهي في السنـة أولى حقوق14.
يحلمان بالزواج ودفئ الاستقرار .. أحلام على مقاس شابيـن متعقليـن.
 تفضي جميلـة بأحلامهـا للخالـة زليخـة (أم سعيد) حماتها المقبلة حين ترافقها لزيارة قبر الزوج (والد سعيـد) الذي مات مختنقـا في مناجم الفحم شمال فرنسـا فحملوه في صندوق إلى الجزائر ودفنوه في المقبرة وسط المدينـة .. مدينـة وهران 29..
ويفضي سعيد بأسراره لصديقـه مصطفى ليزناسني .. الموظـف الأعزب الذي يقاسمـه هو – مغربيتـه – ويقاسم جميلـة جزائريتها، فمصطفى من أب مغربي وأم جزائريـة21، لكن .. حتى ذلك الوقت .. ما كان أحد يهتم بمن هو المغربي مائـة في المائـة ومن هو ثلث مغربي أو ربع جزائري أو نصف نصف .. لم يذهب أحـد إلى المقبرة ليعزل عظام الموتى المغاربـة عن عظام إخوتهم الجزائرييـن.. لم تكن بعد مختبرات الحقد قد اخترعت شيئا اسمه الدم الخالص والجنس الأصيل.. لأن الدمـاء كانت مشتركـة..
-         دمـاء الحياة بالنسبـة للذين ساهموا في بناء الجزائر.
-         ودمـاء الشهادة بالنسبـة للذين سقطوا فداء لها.
-         دمـاء الحياة .
   حياة عاديـة تمامـا .. لشابيـن يحبـان بعضهما.
الأم المغربيـة تنظر بعيـن الرضا لنجاح ابنها وتنتظـر أن ترى له البنيـن والبنات.
 والأم الجزائريـة تنظر بعيـن الارتيـاح لنجـاح ابنتها وتنتظـر أن تهدهـد أحفادهـا.
 أما الصديق مصطفى ليزناسني فيتابـع الأخبار ويلتقط الأسرار و "يحلم أن يعيش ويسافر، ويتعرف على الدنيـا، ثم يتزوج، وينجب أولادا يكبرون ويتوزعـون على هذه الأرض. ويعيش في طمأنينـة"78.
كانت هذه الحال بالنسبـة لما يزيد عن 43 ألف أسرة مغربيـة تعيش في الجزائـر.
أسر من أم مغربيـة وأب مغربي، أو من أب جزائري وأم مغربيـة أو أم جزائريـة وأب مغربي، فقراء وأغنياء، تجار وأصحاب أموال صناع وحرفيـون وفلاحـون. أمازيغ وعرب. متعلمـون وأميـون، نساء ورجال وأطفال وشباب، مسنـون، عجزه  ورضع ، مرضى، حوامـل. ما يزيد عن 300 ألف من المغاربـة.
لا شيء كان ينبئ بأن هذه الحياة العاديـة جدا، والمستقرة كما يجب أن يكون الاستقرار، ستنقلب إلى جحيم وألسنـة نار تلتهم الأجساد والأحاسيس والمشاعر وخشب السقـوف وأشجار الحدائق وأزهارها.
لا شيء كان ينبئهم بمصير كذلك المصير الذي وجدوا أنفسهم أمامه بلا سابق إنذار ولا سابق إنتظار.
لكنها دائما السياقات الكبرى للتحولات التاريخيـة التي تخترق العالم فتفك ارتباطات وتحل أحلافا وتقيم جدارات ومعسكرات .. ثم تجري قضاءها ومقاديرها على المستضعفين أفرادا وجماعات عن غير سابق تفكير أو تصميم من هؤلاء.
هكذا وجدت 43 ألف أسرة مغربيـة - تعيش فوق التراب الجزائري - نفسها تتلقى الضربات الموجعـة.. ضربات الغدر والإهانـة.. فاستسلمت للموجـة العابثـة بالأرواح والأرزاق والكرامـة الإنسانيـة. استسلمت للموجـة العاتيـة وهي تدفعهـا بجنون الحقـد والانتقام إلى الارتطام بصخرة واقع لم تكن مهيأة له بالمرة .. واقع لم يكن متوقعـا.
لم تكن أي واحدة من تلك الأسر ال 43 ألفـا ولا كان أي واحد من أولئك المغاربـة 300 ألف منذورا لكي يصير بطلا لحدث نظائره في التاريخ تعد على رؤوس الأصابع.
أبطال ليس لهم من البطولـة غير بطولـة الضحيـة التي ترضخ للأمر الواقع راضيـة بقدرها، لأن جلادها لم تبـق له أية صفـة تجمعـه بالإنسان، وأفقده حقده الأعمى كل شعور أو إحساس بالأخوة .. وبالعروبـة.. وبالإنسانيـة25.
مصير أو قدر فرضتـه النزوات الشخصيـة والعناد حين يصبح العناد والنزوات سيدان يمليان على أصحاب القرار الاختيـارات السياسيـة مهما كانت مكلفـة وباهضـة الثمن .. باهضـة الثمـن بالنسبـة لضحاياهم. فقـد شاء الحاكمون في "المراديـة" أن ينتقمـوا من كل المغاربـة الموجوديـن في الجزائر، وينغصوا عليهم فرحـة استرجاع الصحراء من يـد الإسبـان، وفرحـة العيـد11 .. لقد استكثروا على المغاربـة أن يفرحوا لفرح وطنهم وأن يحتفلوا بسنـة نبيهم، فقرروا بلا سابق إنذار طردهم. ذلك الطرد المهيـن.
 مصير هؤلاء المغاربـة يرسم أكثر من علامـة تعجب واستغراب واستفهام فوق رأس كل من ساهم في القرار أو نفذه أو تواطأ بسكوتـه أو صمتـه من  المسؤولين في الجزائر، كما أنه يزيل كل لبس أو إبهام حول نواياهم تجاه المغاربـة( نحن في1975) .. فالعلاقـة بين القطرين واحدة من أغرب وأعقـد علاقات الجوار. إذ كل شيء يجمع القطرين الشقيقين، الأرض والسماء والتاريخ واللغات والماء والدماء ... وكل شيء يفرقهما. فمع الاستقلال اختار المغرب اللبيراليـة وقرر المتنفذون في الجزائر الاشتراكيـة. وأعطى المغرب الأولويـة للري والفلاحـة وفرضت الجزائر التصنيع من أجل إنشاء بروليتاريا على مقاس العالم الثالث، واختار المغرب التعدد وأصرت الجزائر على أنه لا صوت يعلو فوق الحزب الواحد ومال المغرب للغرب ومالت الجزائر للشرق واختار المغرب قيم الانفتاح والتسامح والاختلاف وانتهجت الجزائر أسلوب التشدد والرأي الواحد.
وفي المحصلـة : نجح المغرب بفضل تضحيات أبنائه في أن يتغير ويتبدل ويتحول ويتقدم . لقد تغير العالم وتغير المغرب. ولكن السلطات العليا في الجزائر بقيت منفصلـة على عصرها، متصلبـة في موقفها لا تريد لصورة الجار أن تتغير في عينيها، لقد جمدت الصورة وحنطت التاريخ وتوقفت به عند لحظـة تعلم هي وحدها  سر اختيارها...... وتوقيتها، وأصبحت هذه الحال عائقـا نفسيـا يستحيل معه أن تقبل إلى جوارها بمغرب متحرر وناجح ومنفتح على العصر، لقد جعلت من إعاقاتها النفسيـة وهي كثيرة، عوائق فعليـة في وجـه تكامل القطريـن. وهكذا فبعد شهر واحد فقط على تحرير المغرب لأقاليمـه الجنوبيـة وفي 18 دجنبر من سنـة 1975 أقدمت السلطات الجزائريـة على طرد ما يزيد على 43 ألف أسرة مغربيـة تعيش بشكل قانوني داخل التراب الجزائري، ولأن الانتقام كان أعمى وأهوج فقد انتظرت عيد الأضحى لتشرع في التهجير، لقد ضحت بهذه الأسر على مذبح حقد أسود وبلا معنى، ساخرة من دم لا يمكنـه أن يصير ماء ومن ملح وطعام مشترك، ومنتهجـة  في ذلك أسلوبا قل نظيره في التاريخ، ولعلـه واحدة من التطبيقات العمليـة لدروس المعلم الروسي الكبير في حروب التهجير والترحيل ضد القوميات والأقليات والمختلفيـن.
لقد مرت الآن 37 سنـة على هذا الحدث المفصلي في تاريخ العلاقـة بين القطرين، والتراجيدي في انعكاساتـه وآثاره الاجتماعيـة والنفسيـة على الأسر التي اصطلت بناره الهوجاء.
مات خلق كثير منذ ذاك .. وولد خلق كثير.
فهل طوى النسيان هذه الواقعـة الأليمـة، وضمد جراح ضحاياها15.
 بعد 37 سنـة على هذه المأسـاة، يصدر الكاتب الملتزم والمتألق معمر بختاوي روايتـه / الوثيقـة / الشهادة / "المطرودون"
وليس ما كُتب في هذا التقديم غير قبسات من عوالم وأجواء هذا العمل الإبداعي القيم في ذاته وغايته . ف "المطرودون" روايـة / شهادة تخيلية/شاهدة على المأساة. ولهذا الإصدار ولا شك وفي هذا الوقت بالذات، علاقـة بواجب الاعتراف بتضحيات جيل بكاملـه، وبواجب حفظ الذاكرة27.
إنها بالمعنى السالف وثيقـة أدبية وشهادة إدانـة يعلنها المؤلف على الملأ.
على ظهر الغلاف يشهر المؤلف صورتـه وسيرتـه وروايته مؤكدا على أنها : "تحكي قصـة ثلاثـة وأربعين ألف أسرة مغربيـة طردت من الجزائر إلى وطنها الأم. في ظروف أشبـه بكابوس مرعب من طرف الحكومـة الجزائريـة، على إثر قيام المغرب، بمسيرة إلى صحرائـه الجنوبيـة.
أسر مزق أوصالها هذا الطرد، وانفصلت عراها، توجـه نصف العائلات إلى ما وراء الحدود .. وبقي نصفها هناك يعاني التمزق والضياع حتى يومنا هذا.
رحلت هذه الأسر بعدما اعتقدت بأنها في أرضها، جردوها من ممتلكاتها، وقالوا لها عودي من حيث أتيت".
43 ألف أسرة، ما يزيد عن 300 ألف مغربي، هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون لمأساة الطرد التي تحكي عنها الروايـة، تماما مثلما أن 350 ألف مواطن مغربي هم الأبطال الفعليون للمسيرة التي حررت الصحراء، المغرب كان يحرر والجزائر كانت تهجر وتلك هي مفارقـة التباس الحق بالباطل، مفارقـة تربص الجار بالدار.
300 ألف مغربي مهجر،  يتكلم باسمهم سعيد بنهدي المولود بالتراب الجزائري من أم هربت السلاح للمجاهدين وأب مات اختناقا في مناجم الفحم الفرنسيـة29 ليزدهر الاقتصاد الجزائري وأخوال دفعـوا دماءهـم وأرواحهـم فداء للجزائر.
يتكلم سعيد بنهدي بلسان السارد وينظر إلى الأحداث بعين الشاهد فيروي ما عاشه ورآه بقلب يعتصره الألم وعين تتدفق بالدمـوع. هو، و300 ألف مغربي كانوا يحيون حياة عاديـة، كل واحد منصرف إلى ما هو فيه من شأن.. خاص.. فجأة، أصبح / أصبحوا غرباء، مطاردين في وطن ساهم الآباء في بنائـه، وحملت الأمهات السلاح خفيـة من أجل تحريره :
 "قدمت أسرتي خمسـة شهداء، قضوا نحبهم على أرض الجزائر"85
  تقول سيدة مغربيـة.
دم خمسـة شهداء لم يشفع لها في البقاء.. لم يشفع لها في إكمال رحلـة العمر إلى جوار قبور أهلها على الأقل.
"بوه .. بوه .. على ولدي اللي مات من أجلكم يا الكلاب الغدارين .. يا المجرمين.. يا نكاريـن الخير .."71
تقول امرأة مسنـة، وقد رموا بها في الشاحنـة كبضاعـة فاسدة.
 ولا شك أن نار الغل والغيض كانت تستعر في صدور أهل "المراديـة" حين كانت أخبار المسيرة تتواتر مرفوعـة إلى الأعلى بالحناجر التي كانت تلهب الحماس على الدوام مغنيـة "العيون عيني .. والساقيـة الحمرا ليا .. والواد وادي ..* "
لقد تحول المغاربـة فجأة إلى رهائـن في أيدي السلطات الجزائريـة، وإذ استحال عليها إعاقـة المسيرة فقد حولت غضبها إلى انتقام أسود من الإخوة الضيوف / الذين لم يكونوا يملكون حيلـة لصد انتقام الغدر، انتقام الجبناء.
كل القرارات تصدر باسم سلطات عليا، وكل الجبناء والتافهين الذين تحولوا إلى آلات تزرع الرعب بالليل والنهار في القرى. والمدن والأحياء والبيوت، كانوا يختفون وراء عبارة واحدة، إنها أوامر السلطات العليا، .. بأمر من السلطات العليا اضطهد المغاربـة، واغتصبت بناتهم وأمهاتهم وصودرت أموالهم وبيوتهم وأمتعتهم ومدخراتهم. باسم السلطات العليا، قطعت أرحامهم وأوصالهم وأواصرهم واجتثوا من الجذور ... باسم سلطات عليا لا أحد يسميها أو يفصح عمن يختفي وراءها44 والجميع يعرف من تكون ...
فهل يمكن بعد كل ما حصل أن يتسع القلب للصفح ؟.
يقول سعيـد بنهدي قبل أن يشرع في الحكي.
-         "كم يكفي من الوقت لأستفيق من هذا الحلم الكابوس ؟
-         وكم يكفي من الدموع لغسل هذا العار ؟
-         وكم يكفي من المحبـة لتطهير النفوس ؟
-         وكم يكفي من الوقت لنسيان الجراح ؟"15 .
ثم يفتح الأبواب والنوافذ على مصارعها لتدخل الحكايـة / المأساة كل البيوت، فينقلنا إلى الأجواء الحيـة التي عاشها رفقـة والدتـه زليخـة وأخيـه الأصغر حميـد، ورفقـة صديقـه الأعزب مصطفى ليزناسني، و الجارين عمي عبد السلام والخالـة سعيدة وابنتهما عروس المستقبل  "يوم كان له مستقبل" ...  ... جميل،
جميلـة تحضر بين ثنايا الحكايـة وفي كل طياتها ... كحلم جميل.
وكما هُو الشأن بالنسبـة للأحلام .. يستيقظ سعيد فيطير الحلم من بين عينيـه ويديـه، وتداهمـه كوابيسُ ضباع وغربان وأفاع وعقارب، ونحيب ونعيق ونبـاح وعواء حيواناتِ وآلاتِ الدهس والرفس والركل والكسر تدوس الأحلام والذكريات وتعض بأنيابها على أصابع وقلوب الأطفال والرضع والعجائز والمرضى..
ينقلنا بنهـدي لنعيش اللحظات السوداء لهذا الطرد الأسود، يصف (الما قبل) و(الما بعد) التهجير، و(الما بينهما) من حمم البركان الأعمى التي اندلقت على الرؤوس.
يصف قافلـة الذل وهي تسوقهم إلى الحدود كمتلاشيات ما عاد الإخوة المفترضون / الأعداء الفعليـون يرغبون فيها11.
هؤلاء الذين اتخذوا القرار، ليسوا أبناء الأمير عبد القادر ولا هم رفاق ولا إخوة جميلـة بوحريد80 .. هؤلاء من فصيلـة أخرى .. أما الذين حرروا الجزائر فلم يعد لهم مكان في الجزائر.. أو لهم فقط الحسرات التي تقطع الأكباد وبقايـا الذكريات .. لهم ركن قصي من رقعـة الوطن ليس أكبر من رقعـة "ضامـة" يتحلقـون حولها ليعضوا على أصابع الندم30.
-         "اتفـو .. على الوقت"
 يقول  السي الخضر
-         أيام العز راحت مع أصحابها .. وبقيت أيام الخنز"31
يرد عليـه السارجان عيسى ..
-         "اتفـو على الجميع"... يتابع السي الخضر
-                      كل هذا من أجل ماذا ؟ أنا نادم على المشاركـة في تلك الحرب التي تسمى تحريرا .. تحرير ماذا ؟ .. ولأجل من .. ماذا ربحنا من تلك الحرب غير الموت .. وأطراف من خشب .. وأجسام مثقوبـة بالرصاص."32
السي الخضر الذي خاض حربين .. الأولى إلى جانب فرنسا والثانيـة ضد فرنسا .. يحاكم حرب التحرير، أو لعلـه يحاكم جبهـة التحرير، بشكل واضح وصريح.. من  أجل ماذا حارب الجزائريون ؟ .. ويجيب مؤكدا ومستنكرا ومدينـا :
-         من أجل أن يأتي الجنرالات ويتربعـوا على الكراسي الوثيـرة بكروشهـم ومؤخراتهم العريضـة"33.
سعيد بنهدي .. يسمع ويرى ..
سعيد بنهدي يقدم شهادتـه..فيتكلم بلسـان المغاربـة والجزائريين، بلسان المغاربـة الجزائريين عن مشاهد العار والخسـة والحقارة.
        يقـول سعيد بنهدي :
        "بدأ البوليس والدرك والجيش بترحيل الناس عبر أفواج، وفي حراسـة مشددة، ومن لم ينصع للأوامـر ضرب بعنف وقسوة"33
        يقـول سعيد بنهدي :
        "علا صوت النسـوه .. وتمسكـن بكل شيء .. بالأرض بالصخـور.. بجذوع الأشجار .. ولكن الأيدي كانت تهوي تحت ضربات رجال الشرطـة والجيش .. المتعطشين للركل والرفس بأحذيتهم الغليظـة"33.
        يقـول سعيد بنهدي :
        "انتشـر رجال الشرطـة عبر بيوت القريـة ... داهموا البيـوت" 34... "سنعـد حتى ثلاثـة ونكسر الأبـواب" ... كانوا يقولون.
        يقـول سعيد بنهدي :
"توجـه الرجل الطويـل إلى الحجرة التي توجد فيها المرأتان ..
خذ الأم واترك لي الفتـاة ..."35... قال.
        يقـول سعيد بنهدي :
"في جميع المدن والقرى كان رجال الشرطـة يجوبـون الأحيـاء والأزقـة ليلا ونهارا، ليزرعـوا الرعب في الغرباء .. وكانوا يخرجونهم من بيوتهـم كما يخرج الأنـام من قبورهم يوم الحشر .. أو كما تساق الأنعام من الإسطبلات للذبح"52..
        يقـول سعيد بنهدي :
"صرخت الفتاة، والتصقت بالحائط كورقـة إعلان، رفعت ركبتها تدافع عن نفسهـا، فأمسكها وأسقطها أرضا ............ خارت قواها ..... استسلمت للوحش الأدمي ..35"
        يقـول سعيد بنهدي :
"كان رجال الشرطـة والدرك يتحركـون بجنون، ويبحثـون في كل مكان، يقتحمـون الدكاكيـن، والمحلات التي يمتلكها المغاربـة، ويأخذون منهم المفاتيح .. يقفلـون الأبواب ويدفعـون أصحابها إلى الخارج39.
        يقـول سعيد بنهدي :
"وقف الأطفال متباكيـن، مندهشين .. تائهيـن .. حيارى .. ينظرون تـارة إلى اليميـن وتـارة إلى الشمال .. أينحازون إلى آبائهم أم إلى أمهاتهم ؟ ..40"
        يقـول سعيد بنهدي :
“ بعدما أوقف رجال الشرطة والدرك الجميع في صفين منعوا المغاربة من العودة إلى منازلهم أو أخذ أي شيء .فمنهم من أخرج في ملابس النوم.ومنهم من كان يتهيأ للصلاة . ومنهم من كان على مائدة العشاء.....
قال رئيسهم/ كبيرهم
ـ كما دخلتم هذا البلد فقراء .تخرجون فقراء
وقالت القلوب التي في الصدور
ـ هكذا حكمت الطغمة الطاغية".40
يقـول سعيد بنهدي :
"نقلنـا إلى مكان مجهـول، وحشرنـا مع عدد من إخواننا المغاربـة دون أكل ولا شرب، في مكان واطئ السقف، قليل التهويـة بلا إنارة تقريبا، شبيـه بزنازن القرون الوسطى، وآخرون حشروا في سجون مهجـورة، كان المستعمر يعذب فيها الثـوار أثناء حرب التحرير57"
        يقـول سعيد بنهدي :
"لم أصدق أني أخرج من هذا البلد كما أخرج إخواننا الفلسطينيـون من أرضهم عام النكبـة 75"
ويقـول :
"كان المطردون يشكلـون موكبـا جنائزيـا .. وخيل إلي أني أساق إلى مشنقـة، قضاتهـا أبالسـة .. ومحامـوها شياطيـن مردة 76" .
ويقـول .. ويقـول .. ولا يتوقف عن القول.
سعيد بنهدي يسمع ويرى ..
سعيد بنهدي شاهد عيـان يتكلم بلسـان المغاربـة في الجزائر، يلعـن من أصدر الأوامـر بالطرد ويفضح من طبق التعليمـات الحمقاء.. وينقلـنا لنعيش معه/معهم اللحظـات السوداء لهذا الطرد الأسـود، يصف (الما قبل) و(الما بعد) التهجـير، ويصف رحلـة الجحيم في الليل البهيم، الذي خان فيه الجار الدم والملح وكشر عن أنيـاب الغدر58.
ثلاث لحظـات شديدة القوة.. شديدة القسوة، تنفطر لها القلـوب وتتفجر الأوردة..
ثلاث لحظـات من التعذيب السـادي لمواطنيـن  مغاربة عزل ..
        مواطنون كانوا يظنون أنفسهـم في بلدهم وبين أهليهم لاعتقادهم بأن كل "بلاد العرب أوطاني*».. فإذا بهم مجرد غربـاء، رغم توفرهم على كل الوثائق القانونيـة التي تعطيهـم مشروعيـة الوجـود فوق تلك الأرض وداخل تلك البيـوت وبتلك الأحيـاء وتلك المـدن والقرى، لقد أصبحوا يعيشون كمهاجرين سرييـن يخشـون ضوء النهار .. يتجنبـون الأماكن العامـة ويهربـون من سيارات الشرطـة22، يتكلمـون همسـا .. أو بغمـزات العيـون .. هكذا صاروا حين أخذت الإشارات تتواتر عن قرب الترحيـل.
ترقـب و توتـر، قلق الما بين التصديق والتكذيب واليأس والرجاء. شك  فيما يقـال واستغراب لما قد يحصل .. أحقـا يمكن للأخ أن يطرد أخاه53؟ ! أحقـا سيغادرون هذه الجدران، وهذه الأشجار وهذه الأحياء والمقاهي والهواء والبحـر، يغادرون الأمهـات والأبناء، ويغادرون الشهداء وقبـور الأجداد23 .. يغادرون الحبيبـة .. لأنها من والدين جزائريين ولأنهم مغاربـة.
هي لحظـة أشبـه ما تكون بالومضـات الجارحـة، لحظات اجتزئت من ذلك الزمـن البغيض، الذي أخرج فيه العرب من الأندلس، ورحل الفلسطينيون من حيفـا75، وسيقـت قوافل المبعدين إلى جحيم الكولاغ. وكانت فيه الغيسطابـو تملأ الشاحنـات ببني آدم لتقودهم إلى حتفهـم مرغميـن غير مباليـة ببكاء أو جوع أو عجز أو صراخ66.
قد تبدو المقارنـة غير موضوعيـة. خاصـة بين تواريخ وأزمنـة مختلفـة ومتباعدة، في الدلالـة والعمق والامتداد .. ولكن تجربـة الألم واحدة، وتجربـة الاقتلاع من الجذور واحدة، وتجربـة العزلـة في مواجهـة الضواري والوحوش الأدميـة واحدة. هي التجربـة نفسها رغم اختلاف الزمـن والظروف، بالمقدار نفسـه، والوقع نفسـه .. والألم العظيم أيضا.
        لحظات تختزل عشرات السنوات من أحقاد حولت صفحـة سماء الأخوة الصافيـة إلى شظايا راجمـات تتساقط على ضحايا لم يعد لهم سقف يحمي الرؤوس ولا أرض تمشي فوقهـا الأقدام والأحلام.
        دوهمت البيـوت وأخرج الناس من ديارهم يوم عيد النحر، تركوا الأضحيات معلقـة55، وتركوا الدور خاليـة في بلد ساهموا في تحريره، ذنبهم أنهم شاركوا وطنهم فرحـة استرجاع الصحراء فوجد الجار في فرحهم ما ينكأ جراحا قديمـة ويوقظ آلاما وإعاقـات وأعطاب نفسيـة لن تلتئم أبد الدهـر( نحن دائما في 1975)
        فما أقسى أحكام الجغرافيـا.
        إذ يمكن أن نغير كل شيء إلا الجغرافيـا.. لأن الأرض تبقى دائما في مكانها .. ولا يمكن لأي شعب أن يحمل أرضـه على ظهره ويرحل مبتعدا عن جار لا يرعى حرمـة الجوار والتاريخ المشترك.
        تكاد تكون هذه بعض تأملات سعيد بنهدي في الوقائع التي وجد نفسـه أسير مجرياتها .. وإن لم يكن يجهر بها، فهي في كل ثنيـة من ثنـايا المشاهد التي يعلن فيها إذانتـه لفضيحـة الطرد. لقـد أحسن الكاتب المبدع معمـر بختاوي فعلا الاختيـار، حين وزع الحكايـة على هذه اللحظـات الثلاث، إذ أنه بذلك التقط المفاصل الأساسيـة لهذا الحدث الصادم.
        قلق ما قبل التهجيـر – جحيم التهجيـر – خيبـة المهجريـن تلك الخيبـة الباردة، التي جعلتهم يتعلقـون بكل الوجـوه.. ويعلقـون الأمل على أي حل .. حسب حظ كل أسرة منهم.
        يقـول سعيد بنهدي :
        "نسينـا كما ينسى المتاع الرخيص في بيت مهجـور، والمحظوظون منا وجدوا عملا في أدنى السلالم، أو اشتغلوا حراسا ليليين .. والقليل منهم حاز على عمل وسكن وظيفي في المدارس التعليميـة أو الشبيبـة والرياضـة أو التعاون الوطني.. والحاصلـون منهم على شهادات تخندقوا مع جيوش العاطليـن"87.
        سيـذوق سعيـد مرارة أن يكون الإنسـان من لا مكان، بلا هويـة ولا أرض، هو الذي كان بأرضيـن وجنسيتيـن. فهناك قيل له أنت .. من هناك، وهنا يقال له أنت من هناك وليس هناك هنا .. ولا هنا هناك .، فلا أنت من هنا ولا أنت من هناك .. ففي الجزائر كان مهاجرا من المغرب وهو في المغرب مهاجر من الجزائر.
        يقـول سعيـد :
-         "سألني مصطفى ..
-         هل كتب على جباهنا أننا مهاجرون ؟
أجبتـه
-         كتب عليـنا الطرد من بلد .. والتشرد في بلادنا"88
لحظات سوداء ..تتخللها انفراجات صحو، وفجوات ضوء وهواء .. فجوات بين غمـام المحنـة وغمتها، تطل منها شمس ويطل منها قمر، فعلى الأقل قد تبتسم الشمس وقد يبتسم القمـر لهؤلاء المهجرين قصرا بعد أن كشر العسس والحرس على أنيابهم وحرموهم الماء والهواء والسجائر والكلام ... شحنوهم كما تشحن البهائم والقـوا بهم على الحدود كالمجذومين..
وإن يكن ..فعلى الأقل قد تبتسم شمس لهم ويبتسم قمر.
" جاء الناس من مدن مختلفة لاستقبال أحبائهم الذين عادوا خائبين مدمرين...يائسين وفي عيونهم اشتياق ولوعة إلى معانقة إخوانهم وأحبتهم الذين لم يروهم منذ زمن طويل.."82
يقول سعيد:
"وجدنا الشاي والخبز الساخن في انتظارنا..."82
فليكن ...ف " ريحة البلاد وكأس شاي مع الأحباب " شمس تدفئ القلوب وقمر يرحب بالعائدين.
-----------------------------------------------
  حاشيـة على القراءة :
        سعيـد بنهدي : سيجد عملا في إحدى الإعداديـات الحرة بوجـدة. يتشبث سعيد بحلم العودة .. فيبعث الرسائل إلى جميلـة يسألهـا عن البيت ....
 لعلـه بعد 37 سنـة لا يزال يحتفظ بمفتاح البيت..
-         أيتها المرأة المتلهفـة. بعد 37 سنـة من الفراق كيف هو طعم الكلمات على شفاهك الظامئـة.
مصطفى اليزناسني : كان يحمل الجزائر كلها بين جوانحـه  قيل ابتلعته  رمال الصحراء و قيل ابتلعته أمواج البحر .. لا أحد يعرف ..
 لعلـه الآن في وهران يتذكر الأيام الخوالي ويراقب أطفال الجيران يلعبـون لعبـة الجمركي والمهاجر..69
الشريـف : كان يملك أكبر متجر للمجوهرات بوهران .. ظن بأن السلطات الجزائريـة ستوقره أو توفره .. رغم ما قيل له من أن "هؤلاء لا يعرفون فقيرا ولا وزيرا .. إنهم كالكلاب المسعـورة تعض كل الأيادي" 53
"سحبـوه من المتجر، رفسـوه وركلوه .. وألقـوا به عند الحدود ... هنـاك بقي .. لا يعرف أين" 43 ....................................................
"وجده حراس الحدود ميتـا، وثيابـه ملطخـة بالدماء "52 .
 دم الشريف .. دم الميت.
جميلـة : قد تكون الآن تجاوزت الخمسين  .. إن كانت بعد على قيـد الحياة. أو لعلها التحقـت بسعيد إن لم يكن هو الذي التحق بها.. وقد تكون تزوجت بعد أن طال انتظارها وشقاؤها بالذكريـات.. كل سنـة تأتي إلى نفس المكان، تنزع أوراق زهرة أيامهـا و تسأله :
– تحبني – لا تحبني – تحبني – لا تحبني.
 وتتخيله إلى جانبها ينزع أوراق زهرة العمر ويجيبها:
– تحبني – لا تحبني – تحبني – لا تحبني
43 ألف أسـرة : طردتهم السلطات الجزائرية  في 18 دجنبر 1975 شهرا واحدا فقط بعد تنظيـم المسيرة الخضراء .. يوم عيد الأضحى.
           ذبحـوا أضحياتهم وتركوها معلقـة.
                    وبنوا دورهم وتركوها خاليـة.

--------------------------------------
الهوامـش :
 *  هذه القراءة تتعلق بالحدث وسياقه التاريخي.
* الأرقام في متن القراءة تحيل على صفحات الرواية.
* كتب عدد الأسر وعدد المغاربة المهجرين من الجزائر بسبب استرجاع المغرب للصحراء بالأرقام وليس بالحروف قصد لفت النظر.علما بأن الأرقام الحقيقية هي أكثر بكثير مما ذكر في الرواية وفي القراءة.
1.    دم الميــت : عنوان كتاب باللغة الفرنسية " لمقران سالم " يتناول المأساة نفسها والمؤلف يقتبس إحدى عباراتـه ليقدم بها الفصل الأول من الراويـة، وكذلك يفعل بالنسبـة لبقيـة الفصول .. إذ يقدم لكل واحد منها بشهادة عن المأساة .. لصحافيين أو سياسيين أو شهـود عاشوا التجربـة.. شهادات قويـة ومؤثرة.
2.    المطـردون : روايـة : الطبعـة الأولى 2012- لوحـة الغلاف الفنان العربي محمد سعـود. مطبعـة Rabat – Net  ، عدد الصفحات 96.وهي في حدود علمي العمل الإبداعي الأول الذي يتناول حدث طرد المغاربة من الجزائر باللغة العربية.
معمـر بختـاوي::- من مواليد مدينة بركان حيث تلقى تعليمه الابتدائي،انتقل الى مدينة وجدة لإتمام دراسته الاعدادية والثانوية .ـ خريج المركز التربوي الجهوي بوجدة 1982/ ـ خريج المدرسة العليا للأساتذة بفاس 1992/ ـ حاصل على شهادة استكمال الدروس،1995 كلية الآداب بفاس/ـ حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث والمعاصر. كلية الآداب بوجدة 2003.
     صدر له:   رواية "أطفال الليل"( دار التوحيدي بالرباط 2010)
         دلالة الخطاب في المسرح الهاوي (منشورات "كلمات" 2011)
       المارد ، مجموعة قصصية (منشورات "كلمات"2011)
       رواية "المطرودون"..2012
 بلاد العرب أوطاني : هو نشيد عربي يتغنى بالوطنيّة القومية العربيّة و يمتدح الوحدة نظم كلماته الأستاذ فخري البارودي و لحَّنَ موسيقاه الأخوان فليفل:
بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدان ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا ولا ديـنٌ يفـرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغـسَّانٍ وعـدنانِ
لنا مدنيّةُ سَـلفَـتْ سنُحييها وإنْ دُثرَتْ ولو في وجهنا وقفتْ دهاةُ الإنسِ و الجانِ
فهبوا يا بني قومي إلى العـلياءِ بالعلمِ و غنوا يا بني أمّي بلادُ العُربِ أوطاني


 بقلم :   جمال الدين حريفي


09/11/2012

تحليل قصة الطفلة نور لمحمد مباركي من مجموعة وطن الخبز الأسود




تعتبر القصة في العصر الحديث خير وسيلة للتعبير عن مجموعة من التفاعلات والقضايا المطروحة في المجتمع، والقصة لغةً الحديث والخبر، واصطلاحاً فنّ أدبيّ يهيمن عليه الخطاب السردي، ويتميز بوحدة الموضوع والانطباع والتركيز والتكثيف. وقد انتشرت بانتشار الصحف في عصرنا وأغرت الشباب والمتأدّبين بكتابتها مع أنها من أصعب الأنواع الأدبية وأحوجها إلى الخبرة والثقافة والدقة والتركيز... ومن أبرز روادها الغربيين موباسان وتشيخوف. أما العرب عبد الكريم غلاب، ومحمود تيمور، وصاحب هذه القصة القاص المغربي محمد مباركي، أستاذ مادة الاجتماعيات في ثانوية إسلي التأهيلية بوجدة، ومن أعماله السردية المجموعة القصصية "وطن الخبز الأسود"، ورواية "جدار". فإلى أي حد عكس النص العناصر الأساسية للفن القصصي؟ وما الوسائل الفنية التي اعتمدها الكاتب في القصة ؟ وما مدى حضور الاتجاه الواقعي فيها؟
انطلاقا من المشيرات الدالة، يتضح لنا أن النص اجتماعي، فالعنوان يشير إلى طفلة اسمها نور، ولا بد أنها موجودة في المجتمع. ثم البداية التي تشير إلى وجود مراسم الدفن وشدة معاناة شخص لفقدانه رفيقة العمر.
أما النهاية فتشير إلى استسلام هذا الشخص للقضاء والقدر واتخاذه الطفلة نور عزاءً له، لأنها تحمل كل مواصفات الفقيدة. ومن هنا فجميع المؤشرات توضح أن النص ذو طابع اجتماعي و يندرج ضمن فن القصة القصيرة.
تجسد هذه القصة حركية النثر العربي المعاصر وتمثل خصائص الفن القصصي وسماته، وأوّلها يتجلى في المتن الحكائي، حيث استهل الكاتب قصته بإبراز معاناة شخص على فقدان رفيقة العمر، حيث يشير إلى مراسم الدفن وإلى أجواء التعازي والحزن التي تغلب على القصة و بكاء البطل بحرقة حتى صار بكاؤه عويلا سمعه كل الناس، لكنه رغم هذا رضي بقضاء الله وقدره ثم عاد إلى المنزل وبدأ يسترجع معاناة الفقيدة التى كانت مصابة بمرض خبيث، حيث لم تنفع معه الأدوية المحلية ولا المستوردة، لأن المرض كان أقوى لم تستطع هَزْمَه، رغم رحلتها الطويلة إلى المستشفيات العامة والخاصة. حتى العاملون بهذه
المستشفيات هم شياطين القسوة إلا قليل منهم، ورغم محاولة الأهل والأبناء التخفيف عنه لكن أيامه أصبحت ظلمة حالكة، تساوى فيها النهار مع الليل، ليجد في الأخير عزاءه الوحيد في الطفلة "نور" التي تحمل كل مواصفات الفقيدة.
أما النموذج العاملي فقد زاوج الكاتب بين القوى الفاعلة المتكونة من الشخصيات بداية من الأب الذي فقد زوجته، وأبرز سماته في النص: حزين وكئيب ومتحسر على فقدان زوجته. والطفلة نور: التي تجسد الأمل والنور، وهما العزاء الوحيد للأب. ثم العاملون بالمشفى: شياطين القسوة. والفقيدة: ومن سماتها المعاناة من المرض، والخشوع والخضوع لله، والاستسلام للموت. ثم الأخت والأبناء: الذين يسعون إلى التخفيف عن الأب. ثم القوى الطبيعية مثل السماء المُلبّدة بالغيوم، والظلمة الحالكة، والصخر… كما نجد بعض الأحاسيس كالحزن، والكآبة، والحقد، والحسرة، والحب، والأمل.إضافة إلى بعض القيم والأنساق الفكرية المتمثلة في الأمل و الرضى بقضاء الله وقدره خاصّة.
أما البنية العاملية فيمكن تحديدها وفقا للترسيمة الآتية :
المرسل إليه :وفاة رفيقة العمر
 الموضوع :شدة المعاناة واتخاذ نور أملا
المرسل إليه :السارد/ المتلقي/ المجتمع
العامل المساعد: الطفلة نور / الأهل / الأبناء
الذات :السارد / البطل
العامل المعاكس : المرض الخبيث / المستشفيات / شياطين القسوة
وقد قامت البنية العاملية في القصة بوظيفة جوهرية تجلت في بيان نوع العلاقات بين محتلف الأطراف في النص، وذلك على المستوى الأفقي: (المُرسِل- المُرسَل إليه) و(العامل المساعد- العامل المعاكس)، وعلى المستوى العمودي: (الموضوع- الذات). كما أنها أضفت أثرا جماليا ظهر في تأكيد أفق انتظار المتلقي.
لننتقل في الخطوة الآتية إلى الحوار الذي حضر بنوعية الداخلي والخارجي، مع هيمنة واضحة للأول، فالحوار الداخلي حضر بقوة داخل القصة ويظهر من خلال حوار البطل مع ذاته. أما الحوار الخارجي فتجسد في حوار البطل مع المعزين رغم أن ردّه كان همهمات فقط، وفي حواره مع الأهل والأبناء عند إخبارهم له بأن الحياة مستمرة. وقد كان لهذا الحوار بنوعيه الداخلي والخارجي وظيفة هامّة في تفعيل الأحداث، إضافة إلى أنه كشف عن الصراع النفسي الحاد للشخصيات وبخاصة شخصية الأب الذي يعيش تأزماً واضطراباً نفسيين.
بالنسبة للفضاء المكاني نجد أولا المقبرة وهو المكان الذي تمت فيه مراسم الدفن والقبر، وهو يمثل مكانا موحشا بالنسبة للبطل، لأن الموت سرق منه زوجته وهي موضوعة هناك. ثم نجد المنزل وهو الفضاء الذي فيه كل الذكريات المظلمة للفقيدة، إذ إنّها تكبدت فيه أشد المعاناة، وكذلك بالنسبة للزوج. ثم تجد المستشفيات والمصحات وهي مكان للعلاج الذي للأسف لم ينفع الزوجة هنا، وهو مكان يضم شياطين القسوة، شياطين لا رحمة فيهم.
أما غرفة النوم فغالبا ما تدل على فضاء حميم، لكن غرفة الفقيدة في القصة كانت على العكس من ذلك، حيث إنها صورت جميع أشكال معاناتها. وأما بخصوص الفضاء الزمني فقد تنوع في القصة بين زمن سرديٍّ يتميز بتوظيف الاسترجاع الذي يظهر في استرجاع البطل لمعاناة زوجته وصراعها المرير مع المرض، وهذا الاسترجاع يهدف إلى خرق أفق انتظار المتلقي حيث خلخل الكاتب تسلسل الأحداث المنطقي، وزمن فزيائيّ حضر من خلال المؤشرات الآتية: الليل- النهار- السماء- ظلمة حالكة. وزمن آخر نفسي جسد ذات البطل وكشف عن الحالات النفسية التي اعترتها.
يحكي القاص محمد مباركي أحداث القصة وفق منظور سردي مترابط، وباستثمار الخطاطة السردية يمكن تقطيع النص إلى المقاطع والمتواليات الآتية : الوضعية الأولية (وضعية الانطلاق والبداية) ترصد معاناة البطل و تضعنا أمام مراسم الدفن. الوضعية الوسطى: (سيرورات الحدث) والتي تشمل ثلاثة مكونات: العنصر المخل وهو المرض الخبيث الذي أصاب الفقيدة، ثم تطورات الحدث: استرجاع الزوج لمعاناة زوجته، وعنصر الا نفراج: محاولة الأهل والأبناء التخفيف عنه. وأخيرا (الوضعية النهائية) اتخاد البطل الطفلة نور عزاء له وأملا، وقد ساهمت الخطاطة السردية في مساعدة المتلقي على فهم العناصر الضرورية للقصة وتأويلها، وأما أثرها الجمالي فيظهر في الإيهام بالواقعية من خلال التركيز على أحداث واقعية. وأما فيما يخص الرؤية السردية فهي رؤية من الخلف؛ لأن السارد عالم بكل شيء، وضمير السرد هو ضمير الغائب، وأشكال الوصف جمع الكاتب بين السرد والوصف . أما السارد فقد قام بوظيفتين: الأولى سردية، وتظهر من خلال سرد الأحداث وفق منظور سردي، والثانية اجتماعية تظهر في تعاطفه مع الفقيدة، ونبذه للواقع السلبي الذي يمثله شياطين القسوة.
بالنسبة لهذه القصة فهي ابتدأت بوضعية مضطربة، واستمر الاضطراب في الوسط مع بعض التغيرات، وانتهت بنهاية ليست سعيدة، ولكنها مستقرة. بينما قصة "دم و دخان" ابتدأت بوضعية مضطربة، وتغيرت في الوسط، وانتهت بنفس النهاية.
في الأخير يمكن القول إن هذه القصة "الطفلة نور" للقاص المغربي محمد مباركي قد توفرت على تقنيات سردية متنوعة من متن حكائي صَوّر مشكلا اجتماعيا مؤرّقاً، وحوار داخلي وخارجي ساهم في توضيح ملامح الشخصيات وتطور الحدث، وزمن ومكان أطَّرا أحداث القصة تأطيراً مناسبا، وخطاطة سردية محكمة. كما أن هذه القصة جسدت الاتجاه الواقعي بقوة، حيث كان له حضور لافت. أما الكاتب فقد استطاع تبليغ مقصديته بشكل واضح، وبالتالي استطاع أن يمثل فن القصة أحسن تمثيل وهو نموذج واضح لرواد هذا الفن بكل المقاييس.

                                                                                                           إنجاز:  فاطمة الزهراء مرزوقي




محمد مباركي ¤ لقطة من بركان

05/11/2012

عدد جديد من دوريّة ديهيا الثقافية



صدر، من مدينة بركان، عدد دوريّة ديهيا الثقافية المزدوج الثاني والثالث : ربيع وصيف 2012،  متضمّنا مقالات متعلّقة بالنقد الأدبي والمسرح والتشكيل والتاريخ، ونصوصاً إبداعيّة قصصيّة وشعرية، بعضها مترجم؛ كما تضمّن العدد حوارين أدبيين، فضلاً عن أخبار الإصدارات والأنشطة الثقافية المحليّة
و مدوّنة البستان الشرقي تتمنى التوفيق للإخوان القائمين على إصدار هذه المجلّة الثقافية 
القيّمة من مدينة زراعيّة صغيرة



15/10/2012

مقهى لاميرابيل الأدبية تحتفي بشعراء من مدينة بركان



أمس الأحد 14 أكتوبر 2012، ابتداءً من الرابعة والنصف مساءً، أقامت مقهى لاميرابيل الأدبيّة أمسية شعريّة بهيجة أحياها شعراء من مدينة بركان ... ومدوّنة البستان الشرقي تشكر الأصدقاء القائمين على تنشيط لاميرابيل ثقافيّاً وإبداعياً، وتحيّيهم بحرارة، كما تنقل لزوارها تقريراً موجزاً، عن تلك الأمسية، أعدّه، مشكوراً، الأستاذ عيسى حمّوتي، ونشره على صفحة المقهى الأدبي، على موقع التواصل الاجتماعي : فايس بوك



حظي المقهى الأدبي خلال هذا المساء بشرف استقبال عنادل من مدينة بركان في أمسية شعرية رائعة.. حضرها ثلّة من خيرة أبناء الجهة، باحثين ومبدعين، نذكر منهم الأساتذة : محمد علي  الربّاوي، مولاي أحمد الكامون، ويحيى بزغود... ومما نفح الأمسية قيمة إضافية، حضور الشاعر الكبير: محمد الرويسي

ألقى كلمة الافتتاح الأستاذ محمد العرجوني رحب فيها بالحضور مشاركين و ضيوفاً وحاضرين،  ذكّر بمولد "الصالون الأدبي وجدة" ودعا إلى الانخراط فيه.

نشط الأمسية الأستاذ والفنان المسرحي عبد الحفيظ مديوني، في البداية  نوّه بالمقهى الأدبي وما يبذله أعضاؤه من مجهود خدمة للثقافة، وبعد أن أحال الكلمة لآلة العود ، التي حاور أوتارها الفنان عبد الحفيظ الخلوفي، وكشفت عن أنغام شنفت الآذان، أحال المكرفون للحرف الرشيق، والصوت الرقيق، لتتغى الشاعرة ثريا أحناش على إيقاع يترجم اغتراباً وضياعاً صفق لها الحاضرون.

 خلَفَها على المنصة الزجال جمال الخلاّدي، الذي أبى الليلة إلاّ أن يقرأ قصيدتين فصيحتين نقل الحاضرين على متن القطار من وجدة إلى البيضاء، وتغنّى بمراكش الحمراء، كانت رحلة سياحية ممتعة.

أما الشاعر الحسن رزّوقي، فجعل الحاضرين يقفون مرتين متتاليتين، الأولى ترحّماً على روح أخيه تغمّده الله برحمته، والثانية تبجيلاً للمعلم

بعد ذلك دخل الشاعر الشاب عبد الله لحسايني، وكان قد نادى عليه المنشط من قبل، شنف أسماع الحاضرين بثلاث قصائد وكان فيها يزناسنيّاً بامتياز، جمع فيها بين الإيقاع المضبوط والموضوع الآسر

عاد مرة ثانية الفنان عبد الحفيظ الخلوفي في فاصل موسيقي سمعنا فيه  نحيباً لآلة العود

نودي على الشاعر عبد العزيز أبو شيار، ليلقي قصائده وينوب عن الشاعر حسين خضراوي الذي أبى إلا  أن يصل شعره ولو بغير صوته ما دام قد تعذر عنه الحضور (نتمى أن يكون المانع من الحضور شكراً) من إبداعه ألقى قصيدتي : عازفة الكمان     وزهور المواجع، وعن زميله ألقى : حبيبي رسول الله و لاخير في ذهب لا نستفيد منه.

وفي الختام ، قام الأستاذ رشيد قدوري وألقى كلمة في حق الشاعر الضيف: محمد الرويسي، الذي ألقى قصيدتين الأولى تغنى فيها بإعجابه بمدينة وجدة، أما الثانية فسبّح فيها في عوالم مختلفة ...

لم يفت الفنان الأستاذ يحيى الدخيسي أن ينوّه بالحضور رابطاً نجاح أنشطة المقهى بحضورهم، وبمساهماتهم، كما أعلم بما تبقى من أنشطة مسطّرة في برنامج الشهر نهاية هذا الشهر والشهر المقبل.

أملي أن أكون في مستوى تغطية الحدث، وشكراً

عيسى حمّوتي



10/10/2012

شعراء من بركان في لاميرابيل



يستضيف المقهى الأدبي في وجدة – لاميرابيل، الكائن قبالة كلية العلوم 
الأحد 14 أكتوبر على الساعة الرابعة والنصف مساء
أول مجموعة من شعراء بركان لإحياء
الأمسية الشعرية الخامسة للمقهى
يشارك في الأمسية كل من 
ثريا أحناش، خضراوي الحسين، عبد العزيز أبو شيار، الحسن رزوقي، جمال قادة، عبد الله لحسايني، محمد لبيب الزياني
ينشط الأمسية المسرحيّ و التشكيليّ البركانيّ
ذ. عبد الحفيظ مديوني
و يرافق الشعراء العازف على العود، البركانيّ
عبد الحفيظ الخلوفي

ومدوّنة البستان الشرقي تحيّي الأصدقاء المشرفين على لاميرابيل على هذه المبادرة الثقافيّة المحمودة ... ولهم منّا التحيّة والتقدير

06/09/2012

الفقيه الجديد


  كنـا مصطفين و بين أيدينا ألواحنا كالدروع، واقفين على حصر دبغتها السنــون و كثرة القعود فأمست كظهر حمار مدبور.
  كنـا صفين مرصوصين متقابلين يتقدمنا قيـم الجامع المسن. لقد كنا أشبه بجنود قلقين تنتظرهم مهمة خطيرة. عيوننا متجهة صوب الطريق المغبرة التي تكاد تكون بلا نهاية في هذه الأرض الجرداء المترامية الأطراف.
  عند الفجر أيقظني أبي و قال: اليوم سيحـل سيدكم الجديد.
  أخذت لوحتي و قطعة صلصال و قلما ثقفته بكل ما أملك من مهارة فصار كالرمح المسنون. و اتجهت نحو الجامع و النوم يغالب جفنيّ.
  أحسست بهبات النسيم البارد تتسرب من بين ثقوب جلبابي و تقضي على ما تبقى في جسدي من كسل و نعاس. و في غبش الصباح رأيت رفاقي كقطيع أشباح ينحدرون نحو المسجد.
  عند وصولنا شرع أربعة غلمان غلاظ شداد يمدون الحصر، التي توارثها الطلبة جيلا بعد جيل ، على مساحة الفناء الخارجي للجامع.
  كانت الحصر بلون الأرض الرمادية المتشققة، حتى أني صرت أرى الأرض كلها مغطاة بالحصر، فكنت أحك عيني لأتأكد مما رأيت، فلا أرى سوى التراب كأنه الرماد.
  حشرت بين الطلبة في أحد الصفين، فصفعتني رائحة البول من جانب
 و لما أدرت وجهي إلى الجانب الآخر لفحتني رائحة الروث و الضروع. همست لمن يقف على شمالي:
-        اجعل لأحلامك الشاردة راعيا.
  و همست في أذن من يقف على يميني:
-        أما زلت تنام في الزريبة؟
  نظر قيم الجامع إلى الصفين نظرة القائد وسط ساحة الحرب. و سارع بحزم و صرامة إلى تقويم القامات المعوجة، و خفض الرؤوس الشامخة، و تسوية الصدور الناتئة.
  بـت أقرأ في وجوه رفاقي علامات الحيرة و الاستغراب، لأننا لم نألف مثل هذا الاستقبال لأسيادنا السابقين. اغتنمت اقتراب أحد الغلمان الشداد فسألته:
-         لماذا كـل هذه الفوضى؟ 
تفحصني مليا. و لما فطن إلى ما يحمله سؤالي من حيرة، أجابني بكل يقين:
-        إن سيدنا الجديد من الزاوية.
  تظاهرت بالفهم، بينما ارتسمت في ذهني علامة استفهام كبيرة عن معنى الزاوية. فكل أسيادنا السابقين كانوا يحفظون القرآن و يلتهمون الطعام،
 و لا يختلفون إلاّ من حيث أسلوبهم في استعمال العصا و اختيار أنواعها. فهل معنى الزاوية أسلوب جديد في استعمال العصا؟
  و أخيرا وصل سيدنا الجديد على بغلته الشهباء بعد أن أعيانا الوقوف. توقف في مواجهة الصفين ثم جال ببصره بين الوجوه، و كاد أن يسمع لدقات القلوب رنين في صدور الطلبة. عندئذ انفلت ضراط من البغلة قبل أن يتبعه انفلات قدر مهم من الروث. فسارع أحد الغلمان الغلاظ إلى جمعه بيده و هو يوشك أن يعثر بجلبابه، و وضعه بعيدا عند شجرة صبار مجوفة.
  ترجل سيدنا عن ظهر بغلته بوقار مدروس. انحنى قيم الجامع لتقبيل يديه، فمدها له بلامبالاة متكلفة و نظره مسدد إلينا.
 لا تختلف هيئته كثيرا عن هيئة الأسياد السابقين. قامة قصيرة. بطن منتفخ. وجنتان تفشيان عن كثرة الحضور للولائم و الدعوات. بيد أنه يمتاز بلحيته الخفيفة التي تنم عن العناية البالغة التي يوليها لها. و قد جعلني هذا أغير ما رسخ في ذهني من اقتران صورة الأسياد بكثافة اللحى و طولها.
  أخـذ سيدنا الجديد يمد يده ذات اليمين و ذات الشمال ليقبلها الطلبة بخوف يمازجه الإجلال. و بدا أن سيدنا يستمتع بالتقبيل، فصار يتفنن في تقليب يده لمزيد من الاستمتاع و التلذذ.
  و بالرغم من تسارع دقات قلبي، و إحساسي بالمرارة في حلقي توشك أن تصيبني بالغثيان، كــدت أن أضحك لمرأى غلام فارع الطول و هو ينحني كشجرة صفصاف قصمتها ريح عاتية، ليمرغ شفتيه في كف الفقيه.
  شعرت بجسمي الضئيل ينكمش و يزداد ضآلة و صغارا. انسحبت خلسة من الصف ثـم وقفت خلف بقايا حائط منهار أتابع مشهد التقبيل. لقد سبق لي أن قبلت يد أحد الأسياد السابقين، فاصّاعدت من ذلك التقبيل معدتي بسبب رائحة حامضة مقرفة اخترقت أنفي كالسهم المسموم. سأعرف عندما أكتشف بلوغي جنس تلك الرائحة.
  دخلت مع الداخلين و بي خوف و هيبة من أن يفتضح أمري. و فجأة أحسست بيد خشنة تمسك بكتفي بشدة. سألني قيم المسجد بصوت يمتلئ بالوعيد: أين اختفيت؟
أجبته متلعثما: كانت بي حاجة قضيتها.
-        ألم تجد حاجتك وقتا غير هذا؟
 جلست مع الجالسين على الحصير البارد محتميا بلوحتي.  جلس سيدنا على المصطبة العليا متربعا على فروة خروف  ناصعة البياض كثيفة الصوف. و دونه جلس الفتيان الأربعة الشداد الغلاظ.
  تـلا الفقيه بعض الآيات فإذا هي مليئة باللحن و التحريف. ارتبت أولا في ما حفظته من الذكر. و لكني لما استرجعت ما اختزنته و رددته طوال سنين،
 و استظهرته سرا تأكدت مما لاحظت حد اليقين. نظرت يمينا ثم نظرت شمالا فإذا الرفاق مسمرون في أماكنهم كالأوتاد و أبصارهم شاخصة إلى الفقيه الذي أتانا من الزاوية. استبد بي القلــق و هاجت نفسي لقول الحق
، فهذه آيات تمسخ في فم الفقيه. انتظرت لحظة أن يتجرأ غيري ممن هم أقدم و أحفظ مني على تصويب هذه الزلات، و لكني لم أتلق سوى صمت أعمق من الموت.
  تأبطت لوحتي و وقفت مستقيما كالعمود مصححا ما سمعت من لحن
و تحريف، فلم أكد أتـــم قولي حتى شعرت بنفسي مطروحا على الأرض خارج المسجد.
  اندهش أبي لما رآني واقفا جنبه في الحقل. رويت له ما جرى. تأملني لحظة ثم ابتسم ابتسامة عريضة. و قال لي: ها هو ذا المحراث بجنبك اعتبره قلمك. و ها هي ذي الأرض أمامك اعتبرها لوحتك، فخـط عليها ما تشاء مما ينفع الناس و ينفعك.

                                  
       بركان. الخميس 24 يناير 2002 




الجيلالي عشي



عصا موسى


الطبعة الأولى 2009
شركة مطابع الأنوار المغاربية وجدة
رقم الإيداع القانوني: 0508/2009



19/08/2012

المرأة ـ القصيدة في ديوان" لو نبهني الحب" للشاعر الطيب هلو


وأنا أقرأ ديوان شاعرنا الطيب هلو الذي وسمه بعنوان "لو نبهني الحب" أحسست وكأني أدخل حدائق أحلام ورؤى جميلة متلونة بألوان رحلة لمؤنث يمتلك الشاعر وجدانه وذاته الفحولية لتذوب في جسد شبقي مشتهٍ، إذ تعتبر المرأة محور اهتمام شاعرنا، وهي تشكل كل بناء لمعمار قصائده التي يأخذ فيها شاعرنا بناصية الشعر الغزلي الرقيق امتلك فيه هوية المؤنث وأخرجها من حدود أبعادها الجنسية، سواء كانت هذه القصائد حقيقية أو تجربة متخيلة، فما زالت المرأة/الحلم ملهمة للشاعر، شاغلة الحيز الأعظم من وجدانه. وحضور المرأة في قصائد شاعرنا يرتكز على ثنائية المرأة ــ القصيدة، حيث مارس فيها خياله الغني الحافل بالمجازات والصور الآخاذة، معلنا في كثير من قصائده أنه ماض في رحلته الدونجوانية الطويلة إلى أبعد مدى، ليثور على الطلل البالي ويكسر الطابوهات المعهودة في الشعر الغزلي القديم، باعتبار هذا الغزل المحتشم العذري في نظره أصبح متجاوزا (ص 27) وعلى اعتبار أن غزله بالمرأة ينمو وفق منطق داخلي مشحون بالعواطف الجياشة ولأن حياتنا الإلكترونية السيليكونية المكهربة أكثر شحنا للعواطف من شمس التلاع ووهج الصحراء التي كان يعيش فيها قيس وبالتالي يشكل شعره خصوبة رمزية في الممارسات الإنسانية، يمنحه الإحساس بالتحول واكتشاف الذات من خلال الحب والعشق.
ولعل حقيقة الشعر أو التجربة الشعرية عند الطيب هلو كنسق لا يمكن أن ننظر إليه بمعزل عن الإطار الاجتماعي والثقافي الذي تتبلور معالمه يوما على صدر يوم من خلال تطور السيرورة الشعرية لديه (4 دواوين) ما يشكل رصيدا وتراكما شعريا هاما من خلال التطور التكنولوجي (الإنترنيت) وهذا الفيض من المعلومات المختلفة ومنها الشعر على وجه الخصوص..
كل ذلك أتاح لشاعرنا ذلك التفاعل مع المرأة وذلك الفيض من المشاعر والشوق الشبقي إلى الأنثى الذي ينسكب عبر قصائده الجميلة، هروبا من المباشرية لينسج مكانه عالما آخر يختبئ فيه وراء صور شعرية فنية أنيقة، ووراء رداء الشوق ولوعة البعد ومناجاة من يحب. فإن كان لامرئ القيس فاطمته ولطرفة خولته وانزار قباني بلقيسه، فإن شاعرنا الطيب هلو لا يبوح باسمها ولا يفرد إحدى بنات حواء بالعشق والحب، ولكن تسكن وجدانه امرأة مجهولة المعالم، نساء في واحدة يجري وراءها إى أبعد مدى، وتظل روحه عطشى إليها، وكلما زاد لهيب الشوق للحبيب، شع الشعر وانسابت قصائده الغرامية حبرا يدمي أوراقه في مملكة الهوى، وما نسجله كملاحظة هامة في ديوان "لو نبهني الحب" أن الشاعر الطيب هلو يريد أن يكسر رتابة الصورة المعهودة في الشعر الغزلي العربي المليء بالآهات وأنات البعد وبالوقوف على الأطلال، ربما ليرسم لنفسه مذهبا غزليا مميزا ويشق طريقا غير الطريق التي شقها من سبقوه من العذريين الأقدمين، وهذا ما ستحدثنا عنه دواوينه المقبلة. ربما ! ربما قصائد أكثر إيروتيكية مادام تسونامي الإعلام والأنترنيت الأنثوي المفاتني يجرف أعيننا وآذاننا بالذي يجوز والذي لا يجوز (ص25)
والشاعر أيضا ريشة في يد الشعور الذي يعتمل في عمقه الإنساني فيرسم ألوانا وعبارات من ذلته المفعمة بغزل فياض يحيى فيه مع المرأة الحبيبة متحررا من قيود المكان والزمان ليعيش لذته الغامرة ولحظته الشبوق، وليس غريبا أن يتعرض كل شاعر للنقد حين يتناول موضوع المرأة في مجتمع عربي يعتبر فيه الشعر من المقدسات. وإذا كان شاعرنا يثور على الغزل العذري القديم محاربا الأطلال والخيمة، كافرا بالقيود المكبلة له، فإنه هو نفسه لا يجرؤ على الاختراق، فقصائده ما زالت لم تخرج عن عباءة التلميح إلى غلالة التصريح، فإن اخترق احترق. وحبيبته لا تحمل اسما غير للاّ أو ياء المخاطبة أو كاف الخطاب أو نداأت: يا امرأة ـ يا غرامي... تنم عن حلم جميل يعيش الشاعر أحداثه ولا يحب هو أن نوقظه منه، وهذا ما نستنتجه من خلال العنوان، ف(لو) أداة امتناع الشرط، وهذا الامتناع هو سر البوح بمكنون الشاعر، وإنه لم يصدّر عنوانه ب(إن) أو (إذا) مثلا، لأن (لو) تفتح أمام الشاعر متاهات من الخيال البهي ليركب أجنحة الرؤى من خلال نفسه الظامئة للعشق، وهو يطارد وهما أو خيط دخان. والخوض في غمار الحب عنده مغامرة لا تنتهي أحداثها العاطفية، ويستحيل أن تنتهي مادام أنه لم يدرك ولم يحقق بغيته، فإن استفاق شاعرنا وانتبه من غفوته وأحلامه ووصل إلى ما يريد كف عن التغريد وعلى حد قول جبران في مواكبه:
لا يسعد الناس إلا في تشوقهم إلى النبع فإن صاروا به فتروا
وما السعادة في الدنيا سوى شبح يرجى فإن صار جسما مله البشر
يقول شاعرنا الطيب هلو (ص 10)
لو نبهني الحب أني سأعود لعشقك ثانية
ألقيت مفاتيحي ....
وهل كان الطيب هلو غافلا فعلا حتى ينبهه الحب؟ وأي افتتان أشد من العشق" وأي حمى أشد حرارة من القصيدة حين تزورك ليلا
تغازل حماك .. بلا خجل
تغضب منك حبيبتك السكرى بأنوثتها
تسحب من بنك القلب رصيد محبتها (ص37)
ونخلص إلى أن تجربة شاعرنا الطيب هلو مهما كبرت أو صغرت فهي تجربة إنسانية، بل هي تجربة العالم كله، وضرب من الخطأ حين نعتبر تجربة الشاعر جزئية أو ذاتية، أو من برزخ آخر. فالشاعر جزء من مجتمع وتاريخ وموروثات ثقافية نفسية. فكل كلمة يكتبها على قرطاسه نظنها صغيرة أحيانا، تأخذ حجم الكون كله. ولذلك فخصوصيات الشاعر بمجرد اصطدامها بالورق تتعدى ذاتها لتصبح فضيحة يقرأها العالم، وحتى في حالة العشق الشخصي يكون الشاعر أكثر كونية. فشاعرنا إذن قد شق طريقة نحو الغزل كما يؤكد الشاعر نزار قباني في حوار صحفي قائلا:" النوم في عيون النساء أكثر طمأنينة من النوم بين الأسلاك الشائكة (...) وأنا شاعر يرفض أن يلعب لعبة الحب خلف الكواليس، لذلك نقلت سريري إلى الهواء الطلق، وتجارة العطر أربح من تجارة الخل، والفرق بين القصيدة قبل وبعد انتقالها إلى الورق هو الفرق بين القبلة والشفة، وبين الطعنة والخنجر، بين السكر والنبيذ."
ومن أهم الملاحظات التي نسجلها في هذا الديوان:
1 ـ التداخل بين المرأة والقصيدة في بناء قصائده جلها، إن لم نقل كلها: ومن أمثلتها
ـ إني تركت على سرير قصيدتي/ وجع الكمان وعطر قافية مضت/ تنساب مثل حرير غانية (ص16)
ـ إني رأيتك في مرايا الحبر ... (ص15)

ـ فارحل عن خرير مياهنا واترك قصيدك وحده (ص18)
2 ـ توظيف الموروث الشعري توظيفا جميلا في قصائده:
قصيدة " ماذا لو أهديتك ذاكرة المتنبي؟" نموذجا في أسلوب جذاب شيق، إضافة إلى قصيدة " تعويذة العاشق الأندلسي"التي يسترجع فيها حضارة العرب في الاندلس وعلاقة ابن زيدون بولادة لينفخ فيها من روحه الشاعرية الماتحة منروح العصر .
3 ـ اقتباسه من شعراء مثل نزار قباني في قارئة الفنجان (خيوط دخان) وأمل دنقل في قصيدته المعروفة "لا تصالح" (ص49) في قوله:
أمل ينوح على دواوين الهزيمة ..لا تصالح ..
4 ـ توظيف النص القرآني: ولا يفلح الساحر حيث أتى" وتحويره في قوله: لا يفلح الشاعر حيث أتى.
5 ـ توظيف لغة العصر التكنولوجية (الفيسبوك ـ سأغلق هذا البريد ـ عاشقة إلكترونية)..
حينما قرأت الديوان ثلاث مرات تصورت صديقي الشاعر الطيب هلو معانقا امرأة جميلة يحلم بها، لم يدر ما طيب العناق على الهوى حتى ترفق ساعده الأيمن فطواها، وبيسراه قصيدته ولو خيروه بين القصيدة والمرأة ماذا كان سيختار؟ سيحتار بين الماء والنار. فللقصيدة كما للمرأة جمالها وقلبها وإحساسها وعطرها في لغتها وصورها وبلاغتها التي تزين جسدها وتصنع جمالها ونضارتها وألقها، وتذكي عواطفها، وهكذا يتبلور هذا التداخل والتمازج في نغم جميل ....وانسجام عجيب بين عطر الحرف وعطر المرأة، جمال الصورة وجمال الحلم بالوصل، جاءت قصائده تنساب دفقاتها شلالات من الأحاسيس الإنسانية الكامنة في وجدانه سمفونية مبهرة مستلهمة من وجع الكمان (قصيدة تجليات في مرايا الحبر)..
فإن كان الشاعر الكبير نزار قباني مؤسس جمهورية المرأة في الشعر الحديث، فلم لا يكون لهذه الجمهورية مجدد أو مؤسس آخر؟ شاعرنا سماها مملكة وهو مصر على حماية سرها(قصيدة سأحمي سر مملكتي ص 33) وإني لأرى مقومات الغزل عنده يمتلك ناصيتها، وشعره لغة ومفرداتها في عيني المرأة رسائل، وكل رسالة حروفها في القلب لا تجف محابرها، يعتصر القصيدة في زجاجة من المجاز الجميل الأنيق، وأبجديتها بحار لا سواحل لها ولا مرافئ ولا بدايات ولا نهايات، يتجلى جمالها عبر مرايا حبر يرتاب من قلق السحاب، يكتب تعويذة عاشق أندلسي يحمي بأحلامه سر مملكته الحالمة، يحفظ ذاكرة المعلم المتنبي، ينهل من محابر وجدانه الذائب في الحرف مكسرا مخالب الصمت ليصدح بحب امرأة حتى انتهاء الرؤى حيث عنب الهوى/ القصيد لا ينازعه أحد كأسه التي صنع نبيذها بيده، من عنبه الخاص، وسيبقى شريدا كما يطيب له، مصوبا أخطاءه في تقويم الحب، مدافعا عن المرأة الضحية عبر " أوراق جثة في حرب الجسد" رافضا وكافرا بأصنام وقيود الماضي، مترقبا بريد عاشقة إلكترونية ليعتصر حبر أقلامه في حاسوبه.
كل هذه القصائد الإثنتين والعشرين صاغها شاعرنا في أساليب بلاغية جميلة لا تغرق في الغموض، مستعملا استعارات وكنايات موظفا لغته الرصينة والأنيقة في إخراج الصورة ذات ألوان وإيحاأت تنضح عاطفة، وكأن قصائده عرائس ترقص على إيقاع الخليل في حلل بديعة.
بوركت شاعرنا وأقول في الختام إذا كان الساحر لا يفلح حيث أتى فربما يفلح الشاعر حيث أتى، عكس ما قلتَ ...وسنسألك أيها الشاعر الطيب عن ديوان جديد قائلين: متى؟ متى؟ وستجيب أنت: هذا ديوان جديد قد أتى. وسنحتفي بتوقيعه مرة أخرى وأدعو الحضور الكريم إلى قراءة الديوان، سيجدون فيه متعة القصيدة المعطرة بعاطفة الحب، الناعمة كحرير النساء، الممتعة كالحلم الجميل. إنها متعة ما بعدها متعة


عبد العزيز أبو شيار

بركان : 08 غشت 2012

ذ. عبد العزيز أبو شيار، بعدسة حميد عوّاج