أمسك آلة التصوير وأرسلها على كتفه ، قابضا حزامها بفخر وخيلاء .يمشي بتؤدة وهو يشعر بثقلها على جنبه الأيسر . لم تكن تؤلمه
مر بمقهى الليل والنهار في كبرياء . كان هناك أناس يجلسون لينتظروا شيئا ما : امرأة أو صديقاً . ومر على بائع السجائر فاشترى سيجارة . وفكر في أن يتناول أكلة البيض . سيلتهمها التهاما ويقف قبالة المرآة متأملا وجهه الذي ينز عرقاً والآلة لا تفارق كتفه
في الضفة المقابلة للمقهى شجرة ذهبت عنها أوراقها ، وبقيت أغصانها مذعورة تكاد تصل إلى نافذة البنت التي يحبها العسكري
العسكري أخذ إجازات كثيرة ، وجلس طوال اليوم يرقب البنت التي صارت تشبه عوداً من تلك العيدان المذعورة . اشترى الكأس والزجاجة ثم نزل إلى البحر يبغي الأمان الأمان . هناك شرب وبكى ، وبكى وشرب ، والليل باسط أهواله ، والبحر باسط أمواجه حتى أخذته غفوة ، فابتلت ثيابه وعاد خائباً لا يلوي على شيء .قال إن عليه أن يلقط صورة للشجرة الخلية من الأغصان دون أن يصيب النافذة فيعطيها العسكري الذي سيذهب عقله . وقف جنبها وقرّب العدسة إلى عينه اليمنى ثم أغمض عينه اليسرى . وأمال رأسه إلى خلف حتى آلمه عنقه . رآه أطفال فتحلقوا حوله يتطلعون إلى أعلى الشجرة . ولما أطلت البنت المصابة بالكآبة بصقت . والريح طيّرت بصقتها فتناثرت في الهواء . وعندها أبعد الآلة عن عينه اليمنى . صاح العسكري : حرام يا بنت
ولما رأى ما حدث قال في نفسه
( البنت لا تحب أحدا )
وعزم على أن يريح نفسه من عذاب بنت حزينة
ـ ألم تجد غير هذه الشجرة ؟
ـ من ؟
(لحظة صمت)
صورة من أسفل . سيبدو كل شيء مقلوباً . وأمال رأسه ثانية . رفع الآلة إلى أعلى ، ثم حط العدسة على عينه اليمنى ببطء شديد . البنت تبدو مثل عصفور حط على الغصن . مثل نهر جف وسمكة في قعره تحتضر في ذعر . ظن العسكري أنه لا محالة ساقط فجرى إليه . وقف خلفه وشد وسطه بكلتا يديه . عندها صاح المصور : هذه أجمل صورة ألقطها .آه ، ما أجملها ، ما أجملها
في نهاية الطريق كان الشرطي يلعن
ـ هذا ممنوع..ممنوع
وانفتح باب ، فخرجت منه امرأة . ناولته زجاجة ماء ، فطفق يعبه عبّاً دون أن تفارق
عيناه ساقيها المعروقين
الحسن بنمونة
الداخلة 1994
**
القاص الحسن بنمونة
الدار البيضاء 21.06.2010
© Yamal
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire