25/03/2010

إيحاءات الزمن في ديوان" ياما غدا العيد: قصائد من زمن الرصاص" للزجال يوسف الطاهري


يا مّا غدّا العيد
زجل
لوحة الغلاف : حسن البركاني
مطبعة تريفة بركان
ط 1 * 2010


لا يختلف اثنان في كون العنوان أولى العتبات التي تواجه القارئ، والبوابة الفسيحة التي يدلف من خلالها إلى عرض المؤلفات، وهذا ليس اعتبارا للفضاء الورقي الذي يشغله، بحيث يشكل أولى العناصر التي يقع عليها بصر القارئ، وإنما اعتبارا لسلطته المنهجية في القراءة ووظيفته التعاقدية(1 ) مع المتن، فهو يؤثر في أي تأويل للنص، كما يخبر بشكل شمولي- ولو على سبيل التلميح والإشارة- عن القضايا الكبرى التي يسعى المؤلف إلى الاحتفاء بها


يأبى الشاعر منذ البداية إلا أن يسلمنا مقاليد الولوج، وأن ييسر لنا سبل التواصل مع هذا الديوان ولو على سبيل التنبؤ والافتراض تجنبا للعنت أو التيه والزيغان، ولعل أول مقلاد يضعه الشاعر بين أيدينا هو بنية الزمن التي يضطلع بها العنوان الرئيس لهذا الديوان والتي تجسدها لفظة " غدا العيد"أو ما ورد في العنوان الفرعي تصريحا " زمن الرصاص". فهذه البنية الزمنية تتيح للقارئ- بدون شك- أن يتولج في أعماق النص ويدرس العلاقة بين الدوال ومشكلات النص فيشرحه من الباطن تشريحا يكشف عن خفاياه ويبدي عن طواياه
(2 )

لقد أتاحت بنية الزمن تجزيء هذا الديوان إلى مرحلتين تاريخيتين من تاريخ المغرب
المرحلة الأولى: يمكن وسمها بزمن الاحتقان السياسي
المرحلة الثانية: اصطلحنا عليها زمن الانفراج السياسي أو ما يدعوه الساسة بالانتقال الديموقراطي

فمن المرحلة الأولى التي تمثلها القصائد الثمانية الأولى(هذي قصة على حياتي- يا ما غدا العيد- مرزوق الإرهابي- العاشق العذرى ومقدم الدوار- فراق لوطان- ليلة الحرب- حكاية من السوق- سيدي القاضي) نستجلي جانبا من سيرة الشاعر الزجال، فهذه القصائد كتبت أو بالأحرى انكتبت في ظروف خاصة عاشها الشاعر فضمنها برحاءه. لقد وجد في لغة الزجل المادة المطواعة التي تسعفه في التنفيس عن الكرب والتخفيف من المعاناة، وتسجيل لحظات تاريخية عصيبة من حياته، يحكيها في أولى قصائد الديوان"هذي قصة على حياتي" غير أنه بالرغم من الأسى والمعاناة المتجليين في القمع والقهر الممنهجين والتسلط المخزني التي زادتها الغربة اكتواء بلظى نارها، فالشاعر يأبى إلا أن يخرجنا من سوداوية اللحظة إلى إشراقة يوم جديد " غدا العيد" فبأي حال عدت ياعيد؟

كما يمكن للقارئ أن يتبين التوجه الفكري للشاعر وأن يموضعه داخل الخريطة السياسية المغربية، بالإضافة إلى تناول قضايا أخرى اجتماعية وسياسية واقتصادية أبى الشاعر إلا أن يعريها ويكشف عيوبها من مثل حقوق المرأة وذلك من خلال قوله: الفقها رسمو ليها في الخرجات

وحدة للحياة وحدة للممـــاة

و مشاكل الهجرة والمهاجرين في ديار الاستقبال، كما في قصيدة "فراق لوطان" والشاعر يتقاطع في هذه القصيدة مع "شيوخ" المنطقة( الشيخ علي التنيساني-الشيخ محمد اليونسي- الشيخ أحمد ليو) الذين أبدعوا في هذا الموضوع، وخلدوا أسماءهم في سماء القصيدة البدوية الشعبية،هذا بالإضافة إلى مشاكل أخرى من مثل غلاء الأسعار وإغراق البلاد في الديون، والبذخ والمجون لكبار رجالات الدولة على شاكلة الحاج ثابت.

تمثل المرحلة الثانية قصائد(حكا لي طير البيضاء- هذي قصة على بلادي-حكايتي مع برارج- اسمع لي يا السامع- برارج يالطير الولهان- برارج يالحاكي- برارج يالشاهد- أهوال الغربة- يامحنتي طاوعيني- القلم الخاوي)وهي قصائد تزاوج بين النقد اللاذع والسخرية السوداء بما يجري في الوطن، ذلك بأن الشاعر يجد في الديموقراطية التي تلهج بها ألسن الجهات المسؤولة شعارات جوفاء ليس إلا. ويبقى التغيير والانتقال والتحديث...مصطلحات لا تنفك تغادر قواميس اللغة؛ لأن دار لقمان ما تزال على حالها بالرغم من كل الهرج والمرج اللذين تحدثهما وسائل الإعلام الرسمية، فما تزال البحار تلفظ في كل مرة العشرات من أبنائنا، وما تزال طوابير من شبابنا من خريجي المعاهد والكليات ينتظرون حظهم في الحصول على عمل، ونظامنا التعليمي في مراتب لا يحسد عليها بالرغم من الإصلاحات والمخططات، وقصيدة "هذي قصة على بلادي" أبلغ تعبير عن كل هذا

إن الزجال وهو أحد أبناء الوطن المغتربين يأخذه الحنين إلى وطنه، فيسعى إلى معرفة كل ما يجري هناك، ويطلع على كل صغيرة وكبيرة في مدينته، فكيف السبيل إلى ذلك في زمن استؤجرت فيه الأقلام، وغدت الصحافة ووسائل الإعلام مرايا معتمة تزوق الواقع وتصبغه بالمساحيق؟

إن نباهة الشاعر قادته إلى مجالسة أحد أقدم من عمروا المدينة الذين يختزنون أسرارها والذين عايشوا أفراحها وأتراحها، إنه اللقلاق الأبيض (برارج) المرابط إن اختيار أو عن طريق الصدفة بأحد الأمكنة الاستراتيجية(*) بالمدينة حيث ضريح الولي الصالح سيدي احمد أبركان، والمستوصف، والسجن، و واد شراعة، والمقبرة، والموقف(**) و أقدم معلمة ثقافية وهي مقهى الشيوخ....فاختار هذا الكائن أن يرقب هذه الفضاءات بل وكل المدينة من أبراج عالية: مئذنة المسجد الكبير وأشجار الصفصاف العظيمة، ولا أظن أننا نجد في المدينة علوا يتجاوز قامة هذه المئذنة وهذه الأشجار التي اختارها اللقلاق مأوى له

بعد كل هذا أليس غريبا أمر هذا اللقلاق؟ أليس أولى بالتكريم والتعظيم بدل قطع أشجاره وإتلاف أوكاره؟ لقد كان الشاعر أكثر نباهة كما أسلفت الذكر، حينما أجرى حواره مع هذا الكائن الذي يمثل ذاكرة المدينة، فكثيرة هي القضايا والأخبار التي سيتم الإفصاح عنها في إحدى أطول قصائد هذا الديوان. أترك للقراء فرصة استكشافها

****
-1-
عتبات الكتابة مقاربة لميثاق المحكي الرحلي العربي – عبد النبي ذاكر- مجموعة البحث الأكاديمي في الأدب الشخصي – كلية الآداب أكادير-ط1-1998-ص:13  
-2-
- بنية الخطاب الشعري: دراسة تشريحية لقصيدة أشجان يمنية- عبد الملك مرتاض- دار الحداثة للطباعة والنشر-بيروت-1986-ص:
187
 توجد محمية طبيعية للقلاق الأبيض وسط المدينة *
 ساحة يقصدها الباحثون عن العمل في الحقول الزراعية وأوراش البناء فجر كل يوم **


محمد رحو * بركان
 

من حفل توقيع ديوان ي.الطاهري
بركان
26.02.2010

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire