25/11/2011

وصية المرحوم


اصطحبني أحد الإخوة في زيارة قصيرة لأحد أقربائه، يسكن بيتا صغيرا يكتريه فوق سطح بناية متهالكة.. وجدنا صحبته ثلة من أصدقائه، يدخنون "المصيبة" ويشربون الشاي المنعنع.. لاحظتهم يتغامزون عليّ، لكوني لم أشاركهم احتفاليتهم.. رأيتهم يحلقون بخيالاتهم فوق السحاب، ويقولون كلاما غريبا أشبه بالكلام المرموز، ويضحكون لأتفه فلتات اللسان.. كان كبيرهم كهلا، يرفل في عباءة فضفاضة، ويعتمر طاقية مراكشية، أرخاها على هامته.. لم ينل منه تدخين "المصيبة" شيئا.. كلما تكلم، أنصتوا إليه باهتمام بالغ.. سمعته يحكي بعض المستملحات اللاذعة.. لم أذكر منها إلا واحدة.. قال:

اشترى جدي لأبي حمارا قصيرا وقويا.. كان يحمل عليه سلعة متنوعة من بعض الأواني القصديرية ومرايا يدوية وحليّ رخيصة وحناء وعطور وغسول وعلب مرهّم الياسمين.. يجوب بسلعته البوادي.. يبيعها أو يقايضها بالبيض والدجاج والسمن والعسل، ليبيعها بعد ذلك في السوق.. كان يعيش مستور الحال من هذه التجارة.. وكان يعتبر حماره العنصر الأساسي في نجاحها.. كان يكرمه بالشعير والبرسيم..

لكن الحمار نفق فجأة.. لبط بقوائمه لحظة، وشخر شخرة طويلة وأخيرة..

 
ولمّا كان الحمار عزيزا على قلب جدي دفنه في مقبرة الآدميين.. طار بالخبر إلى القائد أحد الذين حضروا مراسيم الدفن.. أمر القائد رجاله بالقبض على جدي.. فقبضوا عليه ونكلوا به.. جرجروه إلى دار القيادة.. وقف المسكين أمام القائد طالبا الأمان. ردّ عليه القائد ساخطا:

- لماذا دفنت جثة حمارك في مقبرة الآدميين، وأنت تعرف أن فيها الكبير والصغير، والغني والفقير، والشريف والمشروف، والقوي والضعيف، والعالم والجاهل؟

- يا سيدي القائد!! أعطني الأمان، وأقول لك لماذا فعلت ذلك.

- أعطيناك الأمان. تكلم!
- ترك حماري وصية قبل نفوقه.
- ها ها .. حمارك ترك وصية ؟! آخر الزمان هذا.. وماذا قال في وصيته؟!
- أوصاني فيها أن أوزع " تركته " نصفين.
قاطعه القائد :
- وترك تركة أيضا ؟؟
- أجل يا سيدي القائد.
- هاها.. وكم قدرها ؟؟
- أربع مئة ريال ذهبي.
- ماذا قلت؟ أربع مئة ريال ذهبي؟ هذه ثروة.
- أوصى بنصفها الأول، تجهيز جنازته...
قاطعه القائد:
- ونصفها الثاني؟
- أعطيه لكم يا سيدي القائد.
نهض القائد من مكانه ملدوغا، وسأل جدي:
- أعد.. أعد ماذا قال المرحوم؟.

ذ. محمد مباركي / وجدة / المغرب

06 /01/2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire