03/11/2011

فن التعايش... مع الآخرين


© Yamal


في حجرة للدرس
تخضع لتغيرات الزمن والعادات والأمزجة دون إرادة أو ريد منها.... تشعر ستائرها المسموكة المخضوبة بالأتحم والأرمد، بظلم الزمان وقسوته وصعبوبه....وتعالج سبورتها السوداء البيضاء مع زميلها الطبشور قضايا إنسانية باتت من الماضي السحيق

في هذه الحجرة الحافلة بالآلام و الأسقام، قالت "ن" وهي تقف أمام تلميذاتها :

- العالم يدور في فلك أفيح، رحراح، غير محدود ونحن مازلنا ندور في أفلاك ضيقة مبعثرة مثل الأوراق السوداء الفارغة المعاني، نرفض الالتحاق بالفلك الأرحب، الأثجل، ويأبى الفلك الأفيح بشدة أن يضمنا إليه، خوفا منا، أو ربما خوفا علينا

نظرت إليها التلميذات بعيون حائرة، وبرؤوس تسكنها أسئلة كثيرة، وعويصة، لم تجد حظا في عهذنا هذا للوصول إلى جواب شاف.

في تلك الثواني المعدودة، اقتحمت إحدى الأفاعي المكان مدرعة بكل نظرات الاستهزاء القاتلة، وبكل الكلمات المسمومة اللاذعة، فتوجهت بكل كيانها الخبيث إلى "ن" قائلة بصوت مرتفع:

- إذن، أنت المعلمة الجديدة...؟

ارتكزت "ن" في نقطتها ساكوتة، تتأمل بباصرتها تلك الحية العظيمة التي انتهكت حرمة المجلس...ثم نطقت:

- نعم، أنا مدرسة فن التعايش...مع الآخرين، ما المشكلة...؟

- آه.. قلت تعايش..مدرسة فن التعايش، أي تعايش تتحدثين عنه

في تلك اللحظات السوداء مثل سواد العالم الآن، ضحك الكل من تلك الحية الخبيثة، فاكتنفها نوع من الخجل والقلق، و تغيرت ملامحها من لون إلى لون وحل بفضاء الحجرة السكون الرهيب والمخيف، كما ساد ضباب كثيف، فلم يعد أحد من الحاضرين يرى شيئا داخل المكان

بعد مرور هنيهة من الزمن، لمح الجميع "ن" تلملم أدواتها من فوق المكتب المتأزم وهي تردد:

- أفا لواقع تلهى عن ناقه بصير، واحتفل بمن ليس له مسكة.

- ماذا..؟

- نعم، كل من لا يرتفع بمطامح البشرية، ويتركها مسيبة بين قطبي الحقيقة والخيال، يستمع إليه، ويكترث به، ويكون له من الرعيا ما لايتصوره المرء، لأنه...لأنه ببساطة يتواصل مع البشر ولا يتعايش معهم... فهو يتقن فن العصوف... و لا يعلم شيئا عن فن الخلوص

بعد سماع الحية هذه الكلمات، انصرفت مع حراسها من الحجرة مهرولة، مندهشة، وهي تهسهس نفسها بألفاظ غير مفهومة، بينما قالت "ن" لتلميذاتها الحائرات:

- لا أريد الانضمام إلى القدر الخاص بطهي الحلزون، لذلك كان هذا أول موعد بيننا وآخر لقاء.


 
 فاطمة الزهراء بنبراهيم

3 commentaires:

  1. هنيئا لك بهذا النص الأنيق الذي تشم منه رائحة الإنسانة القاصة .احتفلي بانسانيتك ودعي اللغة تتدفق بانسياب لتروي عطش روحك بلا تحفظ ولا تكلف
    ع العربي .

    RépondreSupprimer
  2. اسلوب مميز تابعي

    د.بنبراهيم

    RépondreSupprimer
  3. نتمنى المزيد من الإبداع والتألق

    أحمد بلكاسم

    RépondreSupprimer