16/11/2010

كلمة لابد منها




باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

وبعد

ففي مستهل هذه الشهادة أود أن أحيي الحضور الكريم تحية إبداعية ملؤها المحبة و الاحترام، وأقدر فيهم الرغبة في تلبية الدعوة لحضور هذا الحفل الأدبي، كما أود أن أشكر جزيل الشكر، الإخوان في جمعية أبركان للثقافة والتراث ، الذين لم يألوا جهدا في إنجاح مثل هذه التظاهرات الثقافية، التي تشرّف مدينة بركان، وتخرجها من تحت جناح العتمة، لتبوئها مكاناً تحت الشمس، وأشكر الأستاذ حسن المزوني ، والأستاذ عبد الكريم بومعزة ، لتفضلهما بإنجاز مداخلتيهما حول هذا الإصدار، كما أشكر الصديق جمال قادة بتفضله  بدور التقديم. والأخ الزجال أحمد يعقوبي الذي فاجائني بهذه القراءة الإبداعية للمجموعة والتي أثمرت قصيدة جميلة جدّاً فمرحباً بالجميع متدخلين ومستمعين

وأنا تلميذ، في الصف الخامس ابتدائي، كنت أتابع معلم اللغة العربية، وهو يتحدث إلينا بلغة فصيحة، لاسيما في حصة التاريخ؛ حيث كان يسرد علينا الأحداث، والوقائع، دونما تلعثم أو توقف، فكلامه كان يبقى مسترسلاً من بداية الحصة حتى نهايتها، وعندما ينتهي من الدرس، كنت أقول في نفسي لو كنت مكانه لسجّلت ما قلته في كتاب، أو في صحيفة

لما انتقلت إلى الإعدادي، تحيّينت هذه الفرصة، حيث أخذت أقرأ بعض الجرائد الوطنية وبعض الكتب التي يسمح لي جيبي الصغير باقتنائها، مثل مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي، خاصة العبرات والنظرات، وقرأت أيضا لجبران خليل جبران، النبي ، دمعة وابتسامة، الأجنحة المتكسرة. وبعد القراءة كنت أقوم بمحاكاة الكاتب في بضعة أسطر. إذ سرعان ما كانت تنفد ذخيرتي من الكلام الفصيح، فأتوقف عن الكتابة كي لا أدع الكلام الدارج يهجم على ما أبدعت أو بالأحرى حاكيت

في الإعدادي، كنت أتشوّق إلى الحصة التي يعيد فيها إلينا أستاذ اللغة العربية، أوراق الإنشاء، مذيّلة بملاحظاته، وبالعلامة المستحقة، لا أستطيع وصف مشاعري حين أرى بعض الملاحظات المحبطة، قد اختفت من ورقتي، من قبيل : أسلوب ركيك، تكرار، خطأ تعبيري. ولما ولجت السلك الثانوي، واخترت الأدب  وجهة لا مناص منها، بعد أن أخفقت كل محاولاتي في التوجه إلى شعبة العلوم بسبب النقص، لا بل الضعف الفظيع في مستواي في مادة الرياضيات، والتي كانت حجرة عثرة في السير في هذا المنحى، والأدهى والأمر من ذلك أنها كانت تلتهم جلّ العلامات التي كنت أحصل عليها في المواد الأدبية، مما تولد عنه كره شديد لهذه المادة و لمادة الرياضة أيضا لا لشيء سوى لأنها  تشاطرها نفس الحروف، وبالرغم من ذلك كله، فلقد كنت أغبط رواد شعبة العلوم، لأن عدتهم كانت تقتصر في غالب الأحيان، على قلم ودفترين على الأكثر، ولا تسمع منهم إلا الإيكس والإيكراك، في حين كان زملاؤهم في شعبة الآداب، يبدون لي مثقلين بعبء المحافظ المحشوة بالكتب الكثيرة، وأفواههم لا تيأس من ترديد، أسماء أشخاص كثيرين، مثل امرئ القيس، النابغة الذبياني، الأعشى، عنترة، الشنفرى، تأبط شرا، البحتري، أبي تمام، المتنبي،أبي نواس، الجاحظ، المعري، طه حسين، العقاد، أحمد شوقي، ميخائيل نعيمة، المختار السوسي، غسان كنفاني، عبد الكريم غلاب، الشابي. وبطبيعة الحال بعض الأسماء كانت تأتي متزامنة مع أسماء أخرى، كالمعلقات، الحماسة، البخلاء، سوس العالمة، عائد إلى حيفا، وغيرها من الأسماء والعناوين، التي بقدر ما كانت تثير فيّ الرهبة بقدر ما كانت تحفزني لاقتحام عوالمها والتيه في مجاهلها، لمعرفة أسرارها

في المرحلة الثانوية، اتضحت لي الصورة عن الأدب والأدباء والمدارس الأدبية، ورغم ميلي الشديد لقراءة القصص والروايات، فلقد استمالني الشعر إليه لا سيما الشعر الرومانسي، و كنت كلما قرأت قصيدة لشاعر، من رواد هذا الصنف من الشعر تجدني مشدوها إلى ما قرأت وفي الوقت ذاته أحنو على صاحب القصيدة و أرق لحاله، مقاسما إياه أفراحه وأتراحه، وشيئا فشيئا صرت أحاكيه في قوله و نظمه

وهكذا تجرأت ذات مساء خريفي حزين، بإحدى غرف الحي الجامعي بوجدة، بحمل قلم وورقة، فرسمت بعض الحروف و رصصت بعض الكلمات، على صفحة عصماء، ووضعتها في ظرف رسالة، ثم أودعتها صندوق البريد لتجد نفسها في شارع لبريهي   بالرباط العاصمة، حيث تحل ضيفة على " ناشئة الأدب " البرنامج الإذاعي الشهير، الذي كان يقدمه المرحوم وجيه فهمي صلاح ، رفقة بعض الإعلاميين المغاربة المتميزين، ويشاء القدر أن أستمع ذات مساء ربيعي جميل إلى ما نظمت من أشعار جميلة، وخواطر حلوة، وهي تُبثّ عبر أثير إذاعتنا الوطنية. بعد التنويه بالشكل والمحتوى الوجداني من لدن معد ومقدم البرنامج، الشيء الذي حفزني للقيام بمحاولة أخرى، وشاء القدر أن يبتسم لي الحظ للمرة الثانية ليكون مصير المحاولة الثانية مصير المحاولة الأولى، ترحيباً و تشجيعاً ، حينئذ آنست في نفسي القدرة على الكتابة، ولكي أكتب كان علي أن أقرأ كثيرا وكثيرا، وكنت أفضل القراءة من أجل المتعة والاستمتاع، أكثر من القراءة لتهيئ الامتحانات

في المرحلة الجامعية تعرفت أسماء أدبية كثيرة وكبيرة، مثل سهيل إدريس، حنا مينة، زكريا تامر، الطيب صالح، عبد الرحمان منيف، إدريس الخوري، إبراهيم بوعلو، محمد زفزاف، أحمد بوزفور، وغيرهم، وفي منتصف دراستي الجامعية، غيرت شراع زورقي نحو القصة، والقصة القصيرة بالخصوص، حيث أدمنت قراءة النصوص القصصية سواء المنشورة في الكتب، أو تلك المنشورة في المجلات : العربي، الدوحة، أوراق، و أقلام، وغيرها دون أن أغفل قراءة الملحقين الثقافيين الأسبوعيين، لجريدتي العلم، والاتحاد الاشتراكي

هذا ما ساعدني، وشجعني أيّما تشجيع، على خوض غمار كتابة القصة القصيرة، حيث كتبت نصا ووقعته باسم محمد زفزاف، وقرأته على أصدقائي في "العشرة" من الطلبة، فاستحسنوه وأعجبوا به، ولما أخبرتهم بأني أنا كاتب النص، شجعوني على الكتابة، وهذا، ما فعله معي أيضا زملائي في العمل، بعدما لاحظوا كتاباتي تنشر في الجرائد المحلية، كما شجعني أصدقائي في المنتدى الأدبي على إخراج ما كتبت في كتاب، وهكذا رأت النور هذه اللعنة لعنة باخوس، وتخلصت من لعنة الإهمال، بعدما ظلت مدة طويلة رهينة المحبسين :الرف واللامبالاة

أحمد بلكَاسم 






© Yamal

صور ملتقطة صباح الأحد



14.11.2010

2 commentaires: