الصورة تأبى أن تكتمل
طفل يتدلى كقرد مشاكس من جذع شجرة تين، رجلاه معلقتان في الأعلى ورأسه إلى الأسفل، ويداه متدليتان
طفلة في الركن الأقصى من حوش البيت، تفترش " الهيدورة " وتصنع من القصب عروستها، وحين تستوي قامتها تخيط لها ملابس الزفاف
امرأة تتجمل ولا تترجل
امرأة أخرى تترجل ولا تتجمل
رجل معوله على كتفه، وابتسامته ملء السماء والأرض
رجل آخر يجلس فوق صندوق فارغ من الخشب المنخور، معرض لشمس الهجير، يرتشف من كأس شايه الأسود، ويأكل إصبعه من الغيظ فينبت له إصبع آخر وآخر. الصغار يلقبونه : بوستة
الصورة تأبى أن تكتمل
رجل يبحث عن ماء الحياة في الباطن. يخرج عود زيتون معقوف من جرابه، يصوبه نحو الأرض شبه شاقولي، ويسير ميلاً أو ميلين. وحين يرتجف العود، ترتجف أوداجه، ويصرخ من شدة الفرح
ماااااااء.. مااااااااء.. ماااااااااء
ينتبه الرجال إلى المأمأة، يبحثون عن الخرفان في الجوار فلا يجدون غير رجل يحفر.. يحفر، لينبجس في المكان ينبوع ماء عذب، يروي به العطش، وتجري ساقية، وتبرعم دالية
الصورة تأبى أن تكتمل
رجل يحرث الأرض بالخنجر، يخدشها، يلكزها بعصاه، يزرع الحقد و لا يجني غير الحصى و الكلاب
الحصى في الحقول و الحصى في العقول
و الكلاب .. كلاب كثيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة تملأ الكون نبــــــــــــــــــــــــــــــــاحا
الصورة تأبى أن تكتمل
رجل يجري في يديه الخير، و في عينيه و تحت الأقدام، يغرس نخلة، و زيتونة و كرمة. يجلس قرب نار المجمر في صقيع الشتاء البارد، يلتف من حوله الصغار، يعلمهم الفرق بين العصا وبين ألف الابتداء، والفرق بين الأرض وبين السماء، ويعلمهم سر الطين وسر الماء، وسر النار وسر الهواء، ثم ينشد أغنية أمازيغية قديمة، أغنية سرمدية
و رجل آخر، لا يلتف حوله الصغار، يسب هذا و يطرش الثاني، و يبصق على ذاك ثم يركل ذلك في مؤخرته
يكره أن يرى حقل جاره يبرعم أو صغاره و هم يلعبون الغميضة بجانب الصبار، أو زوجته الجميلة و هي تنشر الغسيل. يكره البشر و الشجر و المطر
الصورة تأبى أن تكتمل
ُيلمح في البرق ظل رجل يستل خنجره من الحزام، يتسلل في هدوء، و في هدوء يقطع أوصال الدالية و النخلة و الزيتونة
ُيلمح في البرق ظل رجل آخر يحس بالنصل في ظهره كالموت الزؤام. يلتقط آخر أنفاسه، يلتفت خلفه َيلمح، في ضوء البرق الوجه العبوس. يبتسم. يقول
الحمد لله ثم يـــــ
ــســــ
ـــــقــــ
ــــط
الصورة تأبى أن تكتمل
يلطم الوجه العبوس وجهه. عينان باسمتان لا تبرحان الذاكرة المنخرمة، صورة الضحية دائما تطارد قاتلها. تتداعى الصور أمامه، ترتجف يداه، تنتفخ أوداجه، يختنق، ينفلت الخنجر من بين أصابعه ثم يتداعى مع الجسد المتداعي حين يصعقه البرق، و هو يصرخ في ظلام الليل
أواااه... ثم يــ
ــســــ
ـــــقــــ
ــــط
الصورة اكتملت
قبران، واحد عرشت على ضفافه دالية و نخلة و ظلّلته زيتونة مباركة، و آخر أثقله الحصى و بالت عليه الكلاب
وطفل و طفلة يتوسدان حجر امرأة جميلة تطحن القمح و تغني لهما أغنية أمازيغية قديمة، أغنية قديمة، تعلمهما سرّ الطين وسرّ الماء، وسرّ النار وسرّ الهواء، وتحكي عن النبع و الحقل و الدالية وعن النخلة والتينة والزيتونة و تذكرهما بأن من يزرع الحقد لا يحصد غير الريح و الحصى والـــ ـ ـ ـ ــ ـ ـــكــــــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلاب
بركان 21/06/2005
باريس 29/07/2005
محمد العتروس ©
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire