© Yamal
أحمد بلكَاسم ¤ راس الماء ¤ 15.01.2011
تحيّةً إلى أبناء مدينتنا الذين يصرّون على الحضور الإبداعي، و لا يرتكزون في ذلك إلاّ إلى مواهبهم و جيوبهم؛ هؤلاء الذين إذا تفحّص المتفحّص أعمالهم أنبأته عن جيل السبعينيّات و ما بعدها، و عمّا عاناه اجتماعياً، و ثقافياً، و عن تصوّراته الثقافية و تمثّلاته الاجتماعية . و من صانعي الجمال أولئك : أحمد بلكَاسم ، الذي نحتفي به اليوم، و بمجموعته القصصيّة الأولى، التي اصطفى لها لعنة باخوس عنوانا. هذه الأضمومة السردية المتفرّدة رؤيةً و بناءً، يذكّرني نسقها التعبيري، و شكلها الحكائي، و أجواؤها الطريفة بالأديب عزيز نيسين التركيّ الشهير، و بأحمد فارس الشدياق صاحب الساق على الساق
نصوص مستمدّة من معين الحياة الذي لا ينضب، أسلوبها ساخر ساحر، مبدعها كالكتاب يؤنس و لا يملّ ، إلى السخرية لا إلى الهزل ميّال . و الومضات التاليات، المقتبسات من رسائل بعثها إلى أحد الخلاّن، على ذلك خير دليل . متحسّراً على ريعان الشباب قال
آه، يا عزيزي ! لقد مضت تلك الأيام مسرعةً كابتسامة الأطفال البريئة، و ربّما كانت أشبه بتلك الدجاجة التي اشتريناها، أيام زيارتنا لتازة الغرّاء، فأضحت كالصريم؛ و إنّك تذكر أوطيل الحمام الشعبي، و نحن نصارع البقّ في ليل بطيء الكواكب، و إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب، هذه العبارة كنّا نردّدها تنبيهاً لمن تسوّل له نفسه النيل من البويرسة التي كنّا نحتفظ بشيء منها معنا
و مخبراً عن نتائج ما يعزّ فيه المرء أو يهان، يراعه بما يلي سال
هيه يا خنّاس ! ماذا عساه يكون فعل بك الوسواس، و قد ظهرت نتائج الامتحانات، و أذهلت عقول الطلبة و الناس، و لم يفرح بها سوى الأواكس ! لعلك على علم بنتائج شعبة التاريخ و الجغرافيا المثيرة للدهشة و الاستغراب . و قس على ذلك نتائج شعبة اللغة الإنجليزية و ... فكيف إذن تريد أن تكون نتائج شعبتك، التي أنت حامل لوائها، يا فارس زمانه، يا من استفاد من فلسفة شاعره المعرّي الموغلة في الزهد و التقشّف و البساطة و التعفّف ؟ ... أجل، أجب يا رائد البنيوية و محطّم أسطورة الأساطير تاريخ الفكر و المنطق و السيميائيات، يا آكل التراث أكلا لمّا، و محبّاً للراحة حبّاً جمّا ؟
غير أنّ ساخرنا إذ جدّ الجدّ قال
و أمّا بالنسبة لموضوع بحثي، إذا كنت تتذكّر، فيتناول قضية الموت من خلال قصيدة الرثاء في العصر الأموي : الخوارج و الشيعة نموذجاً، و المدخل عالجت فيه القضية قضية الموت في شعر مرحلة ما قبل الإسلام . و الفصل الأول تطرّقت فيه للقضية في عصر بني أميّة، و بالخصوص عند الخوارج و الشيعة . و أمّا الفصل الثاني و الأخير ففيه دراسة فنيّة لقصيدة الرثاء عند كلتا الفرقتين، و قراءة في قصيدة الرثاء الذاتي : مالك بن الريب نموذجاً ... الموضوع يبدو لي واضحاً سهلاً، و لكن مّا نعرف للويل ! على أيّة حال فأنا مقتنعُ تمام الاقتناع
و كفى بهذه المقتطفات من رسائل القرن الماضي، التي شتّان بينها و بين إيميلات الراهن، كفى بها مؤشّراتٍ دالاّتٍ على نزعة السخرية لدى أديبنا الموهوب . و إنّ الأدب كما قال ماريو باركَاس يوسا ، هو أفضل ما تمّ اختراعه للوقاية من التعاسة . و إذا كنت لا أملك من الجِمال ما أهديه لصديقي أحمد فإنّي أهديه، من بكائية مالك بن الريب، بيتين لا يخفى على الأريب مغزاهما
تذكّرت من يبكي عليّ فلم أجدْ ¤ سوى السيف و الرمح الردينيّ باكيا
و أشقر خنذيذٍ يجرّ عنانــهُ ¤ إلى الماء لم يترك له الدهر ساقيا
...
أكتفي بهذه الإضاءات الخارجنصيّة، مختتماً كلمتي التقديمية
فهنيئاً، أيها المبدع المقتدر
و دمت للأقارب و الأصدقاء و الإبداع
جمال الخلاّدي ©