10/01/2011

قراءة في ديوان أمضغها علكا أسود



 أصبح لحرائق العشق صنو يسمى "أمضغها علكا أسود" ... حينما زف لنا الشاعر محمد ميلود غرافي خبر مولوده الجديد و أفصح عن اسمه ، ذهبنا في الاِسم مذاهب شتى ولم يسعفنا بشيء سوى جملة واحدة مقتضبة 
 ستفهمون كل شيء بعد قراءة الأضمومة
 رغم أن تأويلات شتى كانت تتداولها الألسن عن مضغ(ها) العلك الأسود الذي ربما تفوح منه رائحة الحنق من تجربة عشق جديدة تركت في نفس الشاعر جرحا غائرا أبى إلا أن يحدثنا عنها بمرارة ويأس عكس الديوان الأول الذي كان فيه الشاعر مزهوا بعشقه يحكي توهج هذا العشق و يؤرخ له

ولكن كل تلك التأويلات ذهبت أدراج الرياح فاسم الديوان مستخرج من مطلع قصيدة
 C5
 التي ينبش فيها الشاعر في طفولته لينثر علينا الفوائد السبع للسنتيمات الخمس "الدورو" الذي كان أقصى ما نحلم به وأقسى على بعض القلوب أو الجيوب أن تجود به

من هنا إذن توارت صور الحنق والمرارة و اليأس التي عششت في مخيلتنا أسبوعا أو أسبوعين حتّى نزل الديوان إلى الأكشاك والمكتبات وغمرتنا صور أخرى بعد الغوص في محتوياته المليئة بالأمل والحنين لمرحلة الصبا وكل ذكرياتها الوردية

تبدد كل شيء إذن فكل تأويل أو قراءة أو نقد يجب أن ينبع من بين دفتي الأضمومة ليغني قاموسنا اللغوي بتعبيرات عذبة وصور جميلة عن الطفولة والحبيبة والغربة والوطن تترك في نفوسنا أثرا و تروي من جنائنا شجرا يعطي زهرا و شذا وثمرا كما تنبع الأنهار من جوف الجبال و تتجول بين المروج والغيطان

 ولم يعد عنوان الكتاب هو روحه وكل شيء فيه ... ولم يعد بمقدورنا أن نختزل الكتاب في مضغ العلك الأسود متى توفرت السنتيمات الخمس، بل لابد أن يتوفر للقارىء والمهتم ألفان من السنتيمات، وقليل من الوقت لحجز تذكرة و السفر عبر القصائد/ المحطات الست و العشرين و الصفحات الأربع و الستين والكلمات و الرموز والإشارات



و نأتي للسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : كيف الإمساك بتلابيب الشاعر؟

هل هي مجرد صدفة أن تمتنع القطة عن الأكل حين تمر دبابات المحتل في شوارع بغداد ص/8 ؟ هل هو امتناع يستنهض همم الخانعين أو مجرد تمنع أنثى؟

هي مثلي أو مثلك

لا تسعفها لغة أخرى

حين تعض

فالبعض لهم من العنفوان ما يكفي و يزيد و لكن لا تسعفهم اللغة فيكتبون قصائد بعضة أو صرخة أو أنين ، عكس الكثيرين الذين تسعفهم اللغة و لكن لا يعضون و يستطيبون الأكل حين تمر دبابات المحتل و فيالق الموت أيضا
(...)

 قال الشيخ و تمتم قافيتين
(...) 
التربة هذي المرة بيضاء
سرب حروف تتوزع مثل عساكر

جاء العسكر مثل جراد

جاء إمام العسكر

ألقى في وجه الشيخ حروفا تتقيأ مثل : أرى رأسا يانعة و لسانك أطول

كانت و لازالت الكتابة عموما والإبداع خصوصا زندقة و الشعر صنعة و تهمة فتحسسوا أيها الكتاب و شيوخ الكلمة رقابكم كل صباح
(...)

حان القطف.... ص/60

تستبد بنا الحيرة ويستعصي علينا الفهم كيف يبتاع الوهراني من البركاني سيارة في تولوز؟ (ص/ 60 ) كيف يلتقي المغربي و الجزائري في فرنسا و تلغى الحدود في تولوز؟ بينما تقف نفس الحدود سدا منيعا أمام الأشقاء وتمنعهم من الاِلتقاء والبناء وتبادل السلع والخدمات ؟ وحين تسعل الزرقاء / السيارة يعجز صانعها عن منعها من السعال و هو مخترعها ويعلم كل تفاصيل جسدها ويعمل في ظروف جد مريحة بينما يستطيع زنجي قادم من أدغال أفريقيا لا أوراق له أن يروضها كما روض الفهود و الأسود في بلاده قبل أن تطأ أقدامه تولوز ويكتشف العطر الباريسي

و عطر الحرية و الأنوار

أين هي الزرقاء الآن ؟

هي حتما في الغزوات الآن

تقل البنزين

إلى وجدة

البنزين شريان الحياة لكن لا عطر له ؟ والزرقاء تتكفل بمهمة نقله من المغرب الأوسط إلى المغرب الأقصى لكي تقصر المسافات وتستمر الحياة رغم إقفال الحدود من طرف إمام العسكر هناك
...
كيف استطاعت الزرقاء أن توحد الأضداد ؟

بركاني يعانق وهرانيا في تولوز والسيارة هي همزة الوصل... زنجي لا أوراق له ولا ماضيا تكنولوجيا له يستوعب تقنية إصلاح السيارات تحت المطر بينما يعجز الباريسي مخترع الآلة منذ قرنين ونيف و مصدرها عن الإلمام بأعطابها و الزرقاء هي السبب

الزرقاء هي السبب كما كانت المروحة هي السبب في تقطيع أوصال المغرب الكبير منذ قرنين ونيف بحجة نشر الأنوار والحرية والمدنية والعطرالباريسي

حدود تخترق وتمحى في واضحة النهار و تفك الزرقاء أسرارها و أزرارها كي تتجول بين ثنايا الجسد و تمنع تقطيع أوصاله شعوبا و قبائل لا تلتقي إلا في ساحات الوغى وبيانات الأمم المتحدة حول المفقودين و اللاجئين و الجرحى ...بينما يعجز الساسة عن فعل ذلك
...
نحن عهدنا السيارات مستهلكة للبنزين ، نهمة في شربه وتحويله إلى دخان و أكسدة تمنع الحياة وتنذر بمصاعب ومصائب جمة ولكن الزرقاء كالشمعة تحترق كي تستفيد السيارات الفارهات على طرفي الحدود التي تتباهى الزرقاء بدوسها بينما تجبن الأخريات في صنع ذلك...هل يتعلق الأمر حقا بآلة خرساء جامدة ؟ أم بزرقاء على شاكلة زرقاء اليمامة حاولت أن تنبه قومها و تنذرهم قبل فوات الأوان ولكنهم بغبائهم لم يستفيدوا من أقوالها و أفعالها...؟



© الحسن رزوقي

5 commentaires:

  1. رويت يا سي حسن من زلال.. ولكن لم تزدنا نحن إلا ضمأ

    RépondreSupprimer
  2. شكرا للاستاذ المبدع حسن رزوقي الذي فتح شهيتنا لقراءة ديوان صديقنا الشاعر ميلود غرافي من جديد
    مودتي الخالصة للشاعرين المبدعين حسن وميلود
    أحمد بلكاسم

    RépondreSupprimer
  3. سيدي الحسن شكرا على مقالك الجميل وشكرا للأخ جمال الحريص على خدمة ثقافة المنطقة. علمت بأنك أصدرت مجموعتك الشعرية. سأقتنيها فور عودتي إلى بركان هذا الصيف إن شاء الله.
    الميلود

    RépondreSupprimer