19/06/2011

مآثري التي لا تحصى





أنا الآن موظف متقاعد. يعجبني تصفح ألبوم الصور التي تؤرخ لمآثري المجيدة. لي أربعة أولاد وزوجة مطيعة، إن كنتم ترون أن ما يحدث في الحلم واقع. هرمنا

صورة بالأبيض والأسود تعود إلى ما مضى من الزمن الكالح، وهي تمثل هذا العبد الضعيف وأمي وأبي وإخوتي

نبدو كبدو رحّل، حلّوا حديثاً بمنطقة نائية . سيعانون شظف العيش. كلاّ، كنّا من الطبقة المتوسطة لأن أبي كان يشتغل حارس سيارات فارهة قبالة محطة القطار

الصورة الثانية تمثل منظراً طبيعيّاً في أدغال إفريقيا . أنا وأبي شمّرنا عن سواعدنا بحثاً عن الديناصور. ألا تراه خلفنا ؟  إنه قادم نحونا ليبلعنا دفعة واحدة.  من التقط هذه الصورة العجيبة ؟  في الواقع نسيت من أنجز تلك المهمة .  أبي يقول إنها أمي، أما أنا فأكاد أجزم أنها لو كانت لها لكانت الصورة معتمة، والأمر واضح لأن عينيها كانتا مصابتين بالرمد

في الصورة الثالثة تغير وضعنا الاجتماعي.  فأبي صار حارس سيارات أجرة . إنه واقف جنب واحدة منها، مبتسماً، معتدّاً بنفسه وما أكثر اعتداده بها. هي في الواقع ابتسامة مزيفة على غرار ما يفعل الناس كلهم

في الصورة الرابعة، أنا في المدرسة وسط جمع من التلاميذ الأغبياء. أنا كنت أذكاهم، وإن كنت لا أستطيع فهم لماذا أتلقى كمّاً من اللكمات في كل يوم.  كان عصر لكمات وعض وتخميش وضرب بالأرجل والقبضات الحديدية، ولكنه كان عصراً جميلاً

في الصورة الخامسة، أنا قبالة السينما.  كنت مغرماً بالأفلام الهندية.  يروقني البكاء والعويل داخل قاعة امتلأت بروائح آدمية منفرة . لا يعدو أن يكون الأمر ترويحاً عن النفس المكلومة. أنت ترى بوضوح البطل وهو يوجه مسدسه إلى الشرير المحبوب. كان فيلماً رائعاً لم ينزل إعلانه من فوق مدة تقارب الشهرين. وعلى أي حال يمكن لك أن تسأل أمك عنه

في هذه الصورة، أنا حارس سيارات أجرة قبالة محطة القطار.  ورثت العمل عن أبي بعد وفاته. ألا ترى أنني من الطبقة المتوسطة ؟  ربطة العنق، والبذلة السوداء والقميص الأبيض، هي عدة العمل.  لا أنكر أنّ صديقاً وفيّاً أقرضني إيّاها ، وهو بالمناسبة مساعدي في حراسة شمال المحطة ومن يقوم بمهمة التأريخ لمآثري.  بارك الله فيه وفي ذرّيته، آمين

 

الحسن بنمونة

 
بركان : 11 يونيو 2011

© Yamal

1 commentaire:

  1. أشكر الصديق المبدع المقتدرالحسن بنمونة على تفضلّه بإرسال هذا النصّ الجميل، و على الإذن بالنشر

    RépondreSupprimer