02/12/2011

قراءة في لعنة باخوس


لعنة باخوس


قصص


أحمد بلكَاسم


طبع : مكتبة الطالب ¤ وجدة


2010




سيكون من نافلة الكلام الإشارة إلى المكانة الحفية التي صارت تحتلها القصة القصيرة في مشهدنا الإبداعي المعاصر بالمغرب، حيث إن لائحة كتابها ما فتئت تتسع من الجنسين معا، وجغرافية نصوصها باتت تشمل ربوع الوطن برمته، وتنوع تجربة الكتابة فيها في اضطراد مستمر.

ولعل نظرة عابرة يلقيها أحدنا على الملاحق الثقافية والمجلات الأدبية ولوائح الإصدارات القصصية كفيلة بتوكيد هذه السلطة الرمزية للقصة القصيرة وما هذه الباقة القصصية للأستاذ أحمد بلكاسم إلا واحدة منها. وقد جاءت لتبحث لها عن شهادة ميلاد بين ثريا القصة المغربية وهي تستحق ذلك بكل تأكيد.

فيما يتعلق بالعنوان

يصر النقد الأدبي المعاصر كثيرا على ضرورة الالتفات إلى عتبات النص لما تخلقه من أفق التوقع لدى المتلقي عند أول لقاء له به. ويعد العنوان أهم هذه العتبات نظرا للعلاقة القوية التي تربطه بالنص الذي يؤشر عليه ذلك لأن العنوان يوجه القارئ إلى سبيل الإمساك بمعانيه ودلالته. وبهذا المعنى، فالعنوان يتضمن النص بقدر ما يتضمن النص العنوان كذلك.

وحين البحث في عنوان المجموعة القصصية للقص أحمد بلكاسم لعنة باخوس فإننا نلفيه يؤشر على إحدى قصص المجموعة فهو إذن عنوان داخلي اختير ليكون عنوانا خارجيا وفي هذا أكثر من معنى ودلالة:

أولا لأن هذا العنوان هو عنوان آخر قصة تتضمنها المجموعة القصصية . وثانيا، لأن تجربة الكتابة في هذه القصة مغايرة لما سبقها من قصص. ثم إن انتماءها الزمني بعيد نسبيا على أزمنة كتابة باقي القصص بل متأخر عنها -2008- .

ولعل لهذه الأسباب كلها دفع القاص أحمد بهذا العنوان ليكون مؤشرا رئيسيا على التجربة كاملة .

أما من حيث دلالة العنوان فإن المتلقي يحس حين قراءته بشحنة قوية صادمة، فكلمة ’’ لعنة ’’ تحيل على الغضب والتذمر، أما لفظة ’’ باخوس ’’ فهو إله الخمر عند الرومان. فما العلاقة يا ترى بين اللعنة والخمرة؟ ولماذا اللعنة وليس النشوة التي يهيم بها السكارى؟

إن ما ييسر الاقتراب من الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها ، صورة الغلاف المرافقة للعنوان، فهي تصور طفلا متعبا غلبه النوم وبجانبه جرة مكسرة، يفترش الأرض في زاوية غرفة لم يزدها اللون البني الداكن إلا قتامة. أهو الليل الذي كانت الذات الكاتبة تخشاه؟ أم هو الغبش الذي يلف الرؤية عندها؟

بناءا على ما سبق يمكن أن نقول: إن الذات السائرة في هذه القصص عموما تحس غصة خانقة وخيبة أمل حارقة في تجارب مرت بها في رحلة العمر .

ويتأكد هذا المدلول أكثر من خلال التوغل في قراءة قصص المجموعة، إذ شواغلها لا تفارق هموم الذات الساردة. 2: من حيث التيمات.

تشتمل هذه الباقة القصصية الجديدة إحدى عشرة قصة تحمل كل واحدة منها مواصفات القصة القصيرة في الشكل كما في المضمون .

زمنيا تنتمي قصص المجموعة إلى عقد التسعينات أي ما بين 1996 و 1999 باستثناء القصة الأخيرة ’’ لعنة باخوس’’التي كتبت سنة 2008

جغرافيا تنتسب هذه الباقة القصصية إلى مدينتين مغربيتين، بركان وتازة وحين نعلم أن القاص أحمد بلكاسم عاش بين هاتين المدينتين تجربة مهنية نعرف السياق الذي كتبت فيه هذه القصص.

تيماتيا، إذا شئنا أن نرسم خريطة للموضوعات التي اشتغلت عليها هذه الباقة القصصية يمكن أن نحصرها دون تعسف في معاناة الذات الساردة عبر تجربة حياتية أهم فصولها التجربة المهنية بين مدينتي بركان وتازة.

الجوانب الفنية

إن أول ما يلفت انتباه القارئ في هذه المجموعة القصصية تقنية الوصف ، فنحن أمام قاص واصف بامتياز لا يترك سمة مميزة لشخصياته إلا أحصاها ، وسواء أوصف الأنثى أو الذكر أو أي شيء فان المشترك هو دقة التصوير ، يصف الأنثى إلى درجة يجعلك تتمنى لو أنها كانت رفيقة العمر . ويصف الذكر فيجعلك تبتسم ولو كنت فظ القلب قاسي الطبع . ويصف الأشياء حتى تقول كأنها خلقت أول مرة. ويمكن أن تمثل لذلك بهذا المقتطف من قصة ’’ الأفعى الصفراء : ’’أنامل الرجل النحيل الجسم، الطويل القامة المعقوف الشارب مثل رجل صعيدي، الحليق الذقن كموظف بنكي ، الدهني الشعر لماعه مثل جيمس بوند ، ذي العينين الغائرتين في الجمجمة كأحد قراصنة جزيرة الكنز، وذي العنق الطويل كأنبوب اختبار، تتدلى منه تفاحته الآدمية كحبة بططا،... ص9

ويلاحظ قارئ هذه الباقة القصصية شحنة شعرية تسري في نصوصها كسريان النسغ في أغصان الورد. وليس هذا غريبا ففي القصة القصيرة المعاصرة تتجاور جمالية الشعر مع جمالية السرد . وفي كل قصة جيدة شيء من الشعر، كما يقول الناقد الأدبي المغربي نجيب العوفي.

وثمة أخر أوجزها كما يلي:

لقد استطاع القاص أحمد بلكاسم أن يجعل قصصه فضاء رحبا تتفاعل معه مستويات اللغة الفصحى والعامية ومجالا يستدعي التراث الشفوي والكتابي المغربي والعربي ، كما استعان القاص بالتعبير القرآني حينا وأحيانا تأتي الآية كاملة.

كما توسل القاص بتقنيات الكتابة القصصية التجريبية كالتقطيع السردي ، وتشكيل الفضاء وتمزيق أوصال الجملة والكلمة أحيانا. ولم ينس تجريب تصوير الأحداث عجائبيا، غير أنها سرعان ما تتنزل واقعيا فتؤكد انشداد الكاتب إلى يومياته.

خاتمة

لم يكن القاص أحمد بلكاسم إلا كاتبا ، اختار عالم الهامش والمهمشين انتماء، وفضاءهم متنفسا. وهو إذ ينحاز هذا الانحياز، فهو يقف موقفا ويقدم رؤية يشفان عن وعي عميق بمعاناة الانسان المغربي، ماضيا وراهنا.

لقد صار بوسعنا بعد قراءات متعددة للمجموعة أن نقر جملة من الخصائص المميزة للكتابة الإبداعية فيها، فبرغم احترامها في أغلب النصوص لخطية السرد، فان تجربة القاص أحمد تأخذ بتقنيات التجريب القصصي المعاصر. وببراعة فنية استطاع قاصنا أن يجمع بين نقل التفاصيل اليومية والغوص في كوامن الذات، كاشفا آلامها وهمومها وطموحاتها

د. عبد الكريم بومعزة

2 commentaires:

  1. قراءة نقدية حصيفة وممتعة في آن من الدكتور عبد الكريم بومعزة كشفت اللثام عن عالم بلكاسم القصصي، مزيدا من الفحص والقراءات في مؤلفات مبدعينا
    رحو محمد

    RépondreSupprimer
  2. أصالة عن نفسي ونيابة ‘ن صديقنا الدكتورعبدالكريم بو معزة أشكر لك هذه الارتسامات الجميلة المحفزة في انتظار قراءة ثانية من جانبكم للعمل أو للقادم إن شاء الله
    مودتي أخي محمد رحو
    أحمد بلكاسم

    RépondreSupprimer