19/12/2011

خطفوا رزقي




خرج شاب شاحب اللون هزيلا....من منزل قديم في حي عتيق تسكنه الأشباح والأوهام والأحلام الزائفة...فنشأ يمشي مشية الحلزون الذاهل... لا يعرف أي مسلك يسلكه، و لا أي درب هو أجدى للمرور منه ... إنه يمشي ... يمشي... يمشي فقط ... إلى أين؟ لا أحد يدري.

بعد مروره بأزقة وشوارع ثقيلة بالمآسي المختلفة...طفق يتصفح وجوه الغادين والرائحين إلى المدارس والكليات والمعاهد ... وهو يقول :

- مساكين ... مساكين لا يزالون عبيد الأوهام وأسرى المطامح غير المقبولة ... ويحهم   لا يدرون أن موعدهم مع الدروب الخاوية وليس مع الوظائف العالية...

انزوى الشاب بعد أن اشتد به التعب في ركن من أركان الدروب الضيقة، وفي نفسه كآبة تختلف عن كآبة الآخرين، فإذا به يسمع صوتا يقول له :

- أنت حزين ... يا أخ ... هل آلمك أحد؟
- الحياة نفسها ... آه ... الحياة نفسها...
- ما بك؟
- الأفضل ألا تعرف حقيقة تعاستي...أرجوك اتركني وشأني.
- شأنك هو شأني....البطالة...البطالة ...البطالة...أليس كذلك.
- كيف عرفت؟
- كل قسماتك تنطق بها...
صمت الشاب بعض الثواني، واصفر وجهه الهزيل، وعض على شفته السفلى، وقد بكى اليأس من عينيه، فقال:

- لقد بعلت بحملها حتى أنني لم أعد أعرف حيلة في الفرار منها...إني مثل الطير المقصوص الجناح....

- عليك بالصبر، لقد غرسها أجدادنا، وسقاها آباؤنا حتى أينعت .. فخفض من حزنك.
 تنهد الشاب بمرارة ثم نطق قائلا:

- أعلم ... أعلم، وهذا ما يقتلني ... لكنني مللت هذا التشرذم الذي نعيشه، وهذا الواقع الميسوم بالانتكاس، والقمع والاستغلال ... لقد خطفوا رزقي، ورزقك وأرزاق بني الغبراء... رأيت...نعم ... رأيت رجال مالة يتلقفون كل نفيس ومنفس ينزل إلى البسيطة، وحينما يحتشد المحاويج أمام بيت المال، يقول لهم القهرمان قبل أن يتحدثوا بناطق أو صامت، لا يوجد في الزندوقة غرش ولا قرش.

لم يترك الشاب لصاحب الصوت شيئا من الكلام ينطقه ما عدا كلمة: ابتسم، وعبارة:" ومن لا يبتسم في قلب أحزانه يكون فريسة للأحزان".

ارتسمت على شفتي الشاب ابتسامة هادئة بعد سماعه لتلك العبارة، كما أطلت من عينيه دمعة حائرة، ثم وقف بسكون ونشأ يمشي من جديد.

 فاطمة الزهراء بنبراهيم

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire