13/02/2013

إسهال أم إمساك؟


في عز الشتاء كانوا هم في الربيع الجديد، يثرثرون ثرثرتهم الصباحية، فناجين القهوة مملوءة ونصف مملوءة، تنصت في صمت لرشفاتهم المتلذذة لطعم البن، بينما اكتسحت جريدة يومية الطرف القصي من المائدة. النادل النشيط يترصدني بعينيه الوثابتين، حسن محصن داخل جلبابه، ضد غارات البرد القارس، يحاور   فريداً في موضوع لا يخرج عن دائرة اهتماماتهما، بينما مجيد اكتفى بمتابعة حديثهما بالتأمل في وجهيهما، إذ كلما انتهى أحدهما من طرح فكرته، حوّل هو نظره للطرف الثاني منتظرا الرد. جمال هو الآخر تحصن داخل جلبابه الصوفي، يبدو  عكس مجيد فهو لا يتابع طرفي الحوار بقدر اهتمامه بأزرار هاتفه الخلوي الذي يكاد يغطي وجهه، تلك هي عادته، فمتى  كان في المقهى التي يرتادها "الخيط السحري الويفي تجده ماسكا بنسيج الشبكة العنكبوتية شاقا عباب بحارها بكل لذة واهتمام ، من حين إلى آخر يلفت عناية الحاضرين إلى خبر عاجل أو حدث مهم علميا كان أو ثقافيا أو اجتماعيا،أو أراهم صورة بثها للتو في حسابه الفايسبوكي.
       بعدما استويت جالسا على كرسي، آتاني النادل مهرولا ملبيا حاجتي في قهوة عادية نورمال، وبعدما رشفت رشفة من فنجاني، وأمسكت برأس خيط الحوار الدائر بين حسن وفريد، أدليت بدلوي إلى جانب دلويهما. فسألت فريد:
-      أرى أن حبل سردياتك قد أمسى طويلا جدا؟
نظر إلي مبتسما، وقد وضع رزمة من الأوراق جانبا، وقبل أن يرد على سؤالي المباغت، أردفت قائلا:
-      أنت مصاب بإسهال حاد !
تعجب من سؤالي الشاذ هذا، وردّ مبتسما:
-      أنا بخير والحمد لله، معدتي وأمعائي في تمام عافيتها.
-      أقصد أنك مصاب بإسهال الكتابة !
سوى نظارتيه فوق أرنبة أنفه، وأزاح عن أذنيه سماعة الهاتف، فرد قائلا:
-      عجيب أمرك يا صديقي !
-      مم تتعجب؟
-      لفت انتباهك إسهالي في الكتابة لبضعة أيام، ولم تثر انتباهك حالة الإمساك العسيرة، 
التي عانيت منها سبع عشرة سنة؟

أحمد بلكَاسم

أحمد بلكَاسم وفريد كومار
بالربيع الجديد ¤ بركان


3 commentaires:

  1. السلام عليكم
    أتمنى من صاحبي الممسك المسهل أن يقرأ النص ليعالجني بإحدى إسهالاته
    تحياتي
    أحمد بلكاسم

    RépondreSupprimer
  2. وصف دقيق لثلة من الأصدقاء يجتمعون كل أحد لمناقشة كل جديد في الربيع الجديد ولا يملون من مناقشة كتاباتهم و إثرائها بالنصح و النقد حتى تصبح جديرة بالنشر في المنابر الورقية و الإلكترونية...لقد أصبحت يا أخي أحمد شاهد عصرك في هذه المدينة التي تكافح التهميش و الإقصاء من خلال التقاط تفاصيل الحياة اليومية لكل فئات المجتمع من مثقفين و عاطلين و انتهازيين ...كتاباتك رائعة ..و ننتظر منك الأروع...أخوك حسن صاحب الجلباب الأبيض..............................................

    RépondreSupprimer
  3. شكرا أخي حسن على مرورك الشاعري الجميل مودتي
    أحمد بلكاسم

    RépondreSupprimer