قبل أن يصير امرؤ القيس أميراً على
باريز، كان يتردد على بار "إسخيلوس" الموجود في زاوية الشارع
الرئيسي، والذي تنبعث منه روائح الدخان كثيفاً، ليملأ جوفه بالجعة في أمسيات الحر الشديد، لينسى ثأر والده الذي قتله بنو أسد.
وبما أنه أمير ولم يتسلم السلطة بعد من أبيه ابن حجر،
كان يقف فوق الطاولة المزدحمة بالزجاجات المملوءة والفارغة، ولسانه الثقيل لا
يستطيع حمل كلماته، ويصرخ: "عشت في صباي عيشة أبناء
الملوك.. وانصرفت إلى الترف واللهو والمجون وقرض الشعر الإباحي.. فأخرجني أبي عنه.. فرُحت أجوب الآفاق في عصابة
من رواد الملاهي والبارات، والعزلة العامرة بالكأس والغناء".
وبدأ يصرخ في وجه رواد البار من
السكارى والباغيات الغانيات:
"أَقسمتُ أن لا أغسلَ رأسي ولا أُغير ثيابي حتى أُدركَ ثَأْر أبي.." ثم ينخرط في
البكاء.. "لماذا ضيعتني يا أبي صغيراً وحملتني دمك كبيراً..
لا أصحو اليوم ولا أسكر غداً.. اليوم خمر وغدا أمر.." ويلتفت إلى الرواد.. "اشربوا يا بني أسد،
اشربوا على حسابي، يا أعداء أبي وأعدائي.. اشربوا يا أعداء وطني". ويتمايل حتى
يكاد يسقط.
لم يكن الزبناء يفهمون معنى كلام الأمير غير حارسه
الشخصي، الذي كان يتبعه كظله، وحتى عندما كان يخرج إلى الشارع الرئيسي ليتبول كان
يخرج وراءه. ويفتح الأمير ذراعيه ويعانقه." لماذا حملتني يا أبي ثأرك،
لماذا.." ويسقط على الأرض، فكان حارسه الشخصي يوقفه، ويعود به إلى الداخل.
كان الأمير من حين لآخر يقف متمايلاً على جانب
الطاولة، ويقول لحارسه الشخصي: "اجلس أنت هنا واحرس زجاجات جعتي حتى أعود."
يخرج ويتبول في الشارع الفارغ ويعود إلى الداخل. لم يبال به السكارى الذين كانوا يدخلون
ويخرجون، فرادى أو معانقين امرأة أو امرأتين. وحين صرّخ ديك الفجر، وفيما كان
النادل يصفق إعلاناً بموعد إقفال البار، كان الرواد يخرجون متمايلين الواحد على
الآخر.. وصاح أحدهم فجأة "اهربوا لَرافْ". حاصرهم رجال الشرطة وقادوهم
إلى سيارتهم، وكأنهم أكباش أو تيوس؟
وصل دور الأمير، وصرخ فيهم:
ـ لا تلمسوني، أتعرفون من أنا؟
ـ أنت قائد السكارى؟
ـ أنا أمير.. أنا الملك الضليل؟
وبدأ يصرخ في وجه رجال الشرطة:
ـ أنا امرؤ القيس.. الملك الضليل،
أنا الأمير..
نهره شرطي كثيف الشارب.
ـ هل أنت ممثل في مسرحية برشيد؟
ـ لا أنا أمير حقيقي..
ـ وأنا الجنرال دوغول؟ هيا اركب..
ودفعه إلى سيارة الشرطة. وفي صباح
الغد جاء أحد الجنرالات من قواد أبيه الكبار يسأل عنه، وأخرجه من السجن. ونظر امرؤ
القيس في وجه الشرطي الذي يغطي شاربه كل فمه وقال:
ـ ألم أقل لك أنا امرؤ القيس الملك
الضليل؟..
بقي
الشرطي واجماً، وأزاح عنه قبعته ومسدسه واستقال من حينه.
معمّر بختاوي
من إبداع معمّر بختاوي |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire