بمناسبة إقصاء
مجموعتي القصصية من برنامج معرض
الكتاب
بالدار البيضاء.
بقلم : الحسن بنمونة. كاتب
مغربي.
لست من الكتاب (وأنا لا أعتبر نفسي كاتبا على الرغم من أنني نشرت قصصا
منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وأصدرت كتابين، ونشرت في مجلات عربية عريقة وجرائد
مغربية..) الذين يتباكون على الثقافة المغربية أو يطمحون إلى تجديدها لأنها لن تتجدد
ولن تتغير ولن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام بحكم تضافر عوامل عديدة منها ما هو نفسي
وما هو ثقافي وما هو متعلق بصنعة الكتابة، أي بمدى تحقق الموهبة والاستمرارية والتحكم
في قواعد الكتابة الأدبية، والوفاء لها. هي لا تستطيع أن تبرح مكانها، لا تتأثر ولا
تؤثر. مع كامل الأسف أستطيع القول إن هذا لا يتوفر لكثير من أدبائنا وشعرائنا الذين
أشاعوا ثقافة خاصة جدا لا تفوح منها رائحة الأدب، فبدل الاهتمام بتطوير أدواتهم وعتادهم والانفتاح على الكتابة العالمية الجادة تراهم يتهافتون
على احتلال الصفوف الأمامية دوما، يدبجون أشكالا من الطلاسم التي لا يفهمها حتى كبار
السحرة، لأن الوضع الثقافي موبوء بالكامل،
مصاب بالسعال الديكي والأمراض الفنية. تراهم
لا يتورعون عن الإدلاء برأي في الأدب والسياسة والاقتصاد وهلم جرا. هذا الوضع اعتدنا
عليه ولهذا لا غرابة في أن نلمح كثيرا منهم يتمادى في تأدية أدوار مسرحية بئيسة لا
معنى لها فهذا بالنسبة إلينا يمثل الطامة الكبرى. الثقافة عند هؤلاء مرتبطة أشد الارتباط
بالظهور في المحافل والملتقيات، وهل كان هذا يصنع الأدباء؟
بدأت بهذه المقدمة حتى يعرف كثير من المحسوبين على الأدب بعامة والقصة بخاصة أنه لا يصح إلا الصحيح. صمتنا طويلا
وهذا الصمت لا يعني الانحناء والتخاذل، فما للأدب للأدب وما لقيصر لقيصر .. أنا أتساءل
ومن حقي أن أثير هذا السؤال (ألا تدبجون في مقالاتكم أن السؤال هو منبع المعرفة؟)
: من بالله عليكم يسطر برنامج المعرض الدولي للكتاب في هذا البلد السعيد ؟ أهو مثقف
عارف بدهاليز الثقافة المغربية ؟ فإن كان الأمر كذلك فلم تجاهل أن الوزارة طبعت مجموعة
قصصية عنوانها " قصص لأبنائي حتى يناموا " وهي بالمناسبة تحوير لمجموعة يحيى
الطاهر عبد الله، لكاتب اسمه الحسن بنمونة
سنة 2012، علما أن المجموعة المذكورة أجيزت سنة 2008، وتوالت اللقاأت بممثلي
الثقافة المغربية في وزارة الثقافة المغربية (التكرار مقصود) ليكتشف عبد ربه أن كتبا
طبعت على الرغم من أن إجازتها تمت بعد سنة 2008 . فالطامة الكبرى هي : لماذا نجيز هذا
الكتاب سنة 2008 ليطبع سنة 2012 ، والطامة الأكبر هي أنه لم ينتبه إليه واضع البرنامج
العام للمعرض الثقافي إلا بعد فوات الأوان. قلنا: لا بأس، فالمثقفون عادة ينسون ما
هو مهم أحيانا، ينسون مثلا أن يتناولوا الفطور أو الغذاء لأن الفكرة التي طرأت في الذهن
لا يمكن تفويت فرصة إخراجها إلى الوجود في تلك اللحظات بالذات، ولهذا ينسون أن يتناولوا
الفطور وما إلى ذلك (التكرار مقصود لدواع فنية)، وصبرنا ولكن للصبر حدود. كيف يجوز
لنا التغاضي عن هذا الإهمال الذي يطال كتابا بعينهم يصدر عمن نضع فيهم الثقة الأدبية
والأخلاقية في وزارة تمثل الثقافة وتقدم الدعم المادي والمعنوي للكاتب، وهو بالمناسبة
لا أهمية له في واقع محافلنا الأدبية . هل سمعتم في بلدنا أن ناقدا أو كاتبا له وزن
تنبأ لآخر بالشهرة أو أشار إلى تمكنه من الصنعة كما يفعل بعض الكتاب المصريين أو الأجانب
الذين يقدرون المبدع الحق .يحدث هذا فعلا ولكن
لصغار الكتاب على سيبل رد الجميل ، فلا غرو أن تكون جل الكتابات النقدية مجرد مجاملات. فقد جرت العادة أن تطبع الكتب في الأصناف الأدبية
والفكرية كلها ليكرم أصحابها ولو في نصف ساعة مع أننا نعرف أن التكريم لم يعد يليق
بكثير من الكتاب لأنهم دخلوا الميدان قسرا،
فلنتحدث بصراحة ولو كانت هذه الحقيقة مرة
: هناك خلل في قصتنا وروايتنا وأدبنا وشخصيتنا. لم نعد نقرأ إلا ما أسميه سذاجة الكتابة
والإنشاأت التي يتفاخر بها أصحابها في كل ناد وكأنها فتح جديد في هذا الزمان، ويأتي
نقاد ليزرعوا الهواء في أجساد منخورة ، خاوية إلا من التفاخر . في النهاية لا أحد منهم
خلق لنفسه لغة قصصية تنافس القصة العربية أو العالمية.
أحيانا نصاب بخيبة الأمل ونحن نعاين شخصيات ثقافية كنا نظن أنها تمثل
الكتابة بحق لا ترقى إلى مستوى كاتب أو شاعر. لا تكاد تخلو من العنجهية والتبجح بأفكار
لم يعد أحد يؤمن بها أو تشد انتباهه، وكتاباتهم المليئة بالأخطاء والأفكار الساذجة
والجهل بأبسط أسرار قواعد المهنة تكشف عن هذه الحقيقة . هذه الفكرة يتندر بها كثير
من الأصدقاء ولكنهم لا يجرؤون على البوح بها جهارا مخافة أن يفقدوا مقعدا في المهرجان
الفلاني أو الفرتلاني، وهي كثيرة بعدد حبات الحصى. الأمر إذا خط أحمر لا ينبغي لنا
تجاوزه .
وأحيانا نقول : ربما هذا الربيع العربي سيغير عقلية المثقف المغربي ليرى
واقعه بعين الحقيقة ، سيصطدم لا محالة بفكرة التغير والتحديث والانفتاح ..ولكن ما نراه
يشي بأنه لا يريد التخلي عن عقلية الإزاحة والتهميش والإقصاء، إقصاء مثقفين آخرين يعتقد
أن لا حق لهم في المشاركة في قراءة قصصية أو ندوة ، وكأنها من ميراثه الشخصي . هو يتجاهل
الآخرين . في يوم ما سيراه الآخرون مجرد ديكور
يؤثثون به المكان لا غير. نحن من صنف من لا يأخذ العبر من التاريخ لأنه لا يطلع عليه
أصلا.
كثير من المتابكين على حال الثقافة المغربية في ضوء ما استجد من أحداث
كانوا من السباقين لثقافة الإقصاء في ثمانينيات القرن الماضي. كانوا وهم في مواقع سلطة
ثقافية ينشرون لهذا ويهمشون ذاك لأتفه الأسباب.
ولو كنا من الكتاب المصنوعين من الطين لأصابنا الدمار، لأننا كنا نعلم أن الغاية هي
الانفراد بتسيير ثقافة هي في الأساس معوجة إلى أمد. كانت ثقافة حزبية لا تخدم الأدب
في شيء. إننا نعرف أن ثلة من المبدعين لم يستسيغوا تلك الأعراف فصمتوا إلى الأبد، ولو
كنا نحترم حرية الإبداع لربحنا أدباء وشعراء. هل حال الثقافة عندنا صار شبيها بما يحدث في الحمام ؟ (ولكم أن
تطلعوا على قصة ساخرة للكاتب الروسي ميخائيل زوشتشنكو) فهي تفي بالغرض.
هذه الثقافة الإقصائية مع كامل الأسف لا تزال سائدة وكأنها ملح من الضروري
أن نملح بها مهرجاناتنا ومعارضنا وكأنها ورود نشتم عبيرها مرغمين، وهي عبير مسموم سمم
محافلنا. أيروقكم أن نرى الأسماء نفسها تتكرر في كل حين وكأن البلد خلا من الكتاب والشعراء
والمفكرين ؟
تقولون دوما إن السؤال هو الطريق إلى المعرفة، فلا يستقيم الشجر إلا بالماء،
والماء هو السؤال. فلنعاين ما يلي:
لماذا تتكرر أسماء بعينها في كل معرض ؟
هل صار الظهور في المعرض بعثا جديدا لا بد منه عند هؤلاء ؟ (على غرار
ما شهدته النهضة أواخر القرن التاسع عشر) .
أين هي سياسة دعم الكاتب ماديا ومعنويا؟
من يقوم ببرمجة العروض والندوات؟ هل هي لجنة أو فرد واحد؟ هل يملك معرفة
شاسعة بما نشر من كتب وأسماء الكتاب الوازنة التي تنشر خارج البلد وداخله بغض النظر
عن الصداقات والإخوانيات؟ ولم لا يتم تنصيب لجنة من مناطق البلد كلها لتنتقي من يملك
مؤهلات تمثيلنا في المعرض الدولي؟
وأي خطأ في العمل على جبر خواطر أكبر قدر من الكتاب الذين يسهمون باستمرار
في تطوير أدبنا ؟ فالمبدأ الأساسي هو أن يكتب
الكاتب وينشر باستمرار، لا أن يكون نكرة وتراه يتبختر في كل واد..
وأي فائدة في الإقصاء إذا علمنا أنه يثير البغضاء والصراعات التي لا تخدم
الأدب ونحن ندعي جميعا أننا نعظمه ؟
فإن كان واضع البرنامج يجهل العنوانات الأدبية والفكرية التي نشرتها الوزارة،
فهذه مأساة أخلاقية تنبئ بمآس قادمة تحبل بأطنان من المآسي، ولله في خلقه شؤون .
كنت قد حدثت السيد حسن الوزاني على أساس كونه مكلفا بمهمة الإشراف على
شؤون المعرض الثقافي عن مجموعتي التي لم يكترث
لها أحد ، مع العلم أنه بحكم القانون الذي سطرته الوزارة منذ أمد بعيد يلزم واضع البرنامج
بتسطير مداخلة أو قراءة تهم المطبوع، فكان رده أنه سيبرمج جلسة خاصة للمجموعة . فإن
كان النسيان قد غمر مشاعره فأنساه ما طبعت الوزارة التي يشرف عليها السنة الماضية فلم
نسي الآن أمر هذه الجلسة الخاصة ونحن نعايش الآن سنة 2013.؟
أقول لكم جميعا : أن نكتب فهذا أحسن فليس ثمة ما هو أجمل من الكتابة شريطة
أن تكون وفية للصنعة والجمال، ولكن أن نقطع الرقاب وننكل بالآخر لأنه لا ينتمي إلى
القطيع الذي شكلناه فهذه من الكبائر الأدبية
التي لن يغفرها لنا التاريخ .
وعلى أي حال، نشكر لكم فضل طبع كتابنا ولو بعد أربع سنوات من الانتظار
والترقب وغض الطرف عنه، وكأن طبعه تم في بلد آخر.
فليغفر لنا الله جميعا .
تذكير :
السيرة الذاتية للكاتب الحسن بنمونة :
_ من مواليد وجدة سنة 1963
المغرب.
_ بدأ الكتابة سنة 1980 ونشر
أول قصة سنة 1983 .
_ نشر في الجرائد المغربية (
العلم والبيان والميثاق الوطني والبلاغ المغربي والمنعطف الثقافي..) ، وفي المجلات
العربية ( العربي والفيصل والدوحة والجسرة والقاهرة وأخبار الأدب والمنتدى وسطور
والقصة المصرية وشؤون أدبية والرافد والثقافة الجنوبية ورؤى ومجرة، والثقافة
الجديدة ،و سيسرا ، ومدارات تربوية ،
وأقلام جديدة ، وحسمى ، وإبداع المصرية ، وأبعاد
..) وفي مجلات إلكترونية ( الفوانيس وشروق واتجاهات
وفضاءات ..)
_ فازت قصته ( خيال فنان )
بجائزة قصص على الهواء لشهر يوليوز 2007 .
_ له اهتمام بكتابة السيناريو .
_ ترجمت بعض قصصه إلى اللغة
الفرنسية .
_ صدر له ( مطعم
اللحم الآدمي يرحب بكم ) عن دار سندباد للنشر والإعلام . القاهرة . مصر . مارس
2009 . )
_ كتاب جماعي . قصص
على الهواء . كتاب العربي . مارس 2009 .
_
قصص لأبنائي حتى يناموا ، عن وزارة الثقافة المغربية .2012 .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire