08/04/2013

المبدع محمد ميلود غرافي في ضيافة البستان الشرقي

 ترحّب مدوّنة البستان الشرقي بالمبدع محمد ميلود غرافي المقيم بفرنسا، وتشكر له 
تفضّله بالإجابة عن أسئلتها، وتحيّيه بحرارة، راجية   له مزيداً من التألّق الإبداعي


المبدع محمد ميلود غرافي

    

1   حدّثنا، من فضلك، عن بدايتك الأدبية !

بدأت الكتابة وأنا في إعدادية ابن رشد. كنت مولعا بالقصة القصيرة. نشرت قصتي الأولى في المجلة الحائطية للإعدادية التي أشرف على عددها الأول (والأخير في الوقت نفسه) المرحوم الأستاذ عمرو البركاني الذي حل بابن رشد في بداية مشواره المهني قبل أن يلتحق بثانوية الليمون كمدرس للفسلفة. ثم انشغلت بالشعر عن القصة بعد ذلك دون أن أقطع قراءاتي للمتون السردية بشكل عام. محاولاتي الشعرية الأولى ظلت وما تزال راقدة في دفتر لأني كنت أعرف أنها محاولات فقط. لم نكن آنذاك نفكر بالنشر سريعا كما يحدث الآن. كنا نشتغل في صمت على النصوص ونعرضها على الأصدقاء والأساتذة حتى يستوي العود. هكذا لم أدخل عالم النشر إلا في المرحلة الجامعية. كان ذلك عبر صفحات ما يسمى بصفحة الشباب أو "على الطريق" بالصحف الوطنية، ثم عبر مجلة رصيف التي كان يصدرها الشاعر الكبير المرحوم عبد الله راجع.

 2  لك في الشعر ديوانان: حرائق العشق  وأمضغها علكاً أسود ... لماذا الشعر دون غيره من الأجناس الأدبية؟

لست أدري لماذا كان انحيازي للشعر كأداة للتعبير رغم أني بدأت قاصا. في الحياة مسارات قد تتغير وجهاتها  لأسباب لا نتحكم فيها دوما. لكن أتذكر أن المرحلة الدراسية بالإعدادي كان لها دور كبير في توجهي نحو الشعر. يرجع الفضل إلى أساتذة شباب التحقوا في بداية الثمانينات بمؤسساتنا التعليمية لضخ دم جديد في تكويننا الثقافي. أذكر أن الذي حبب إلي الشعر الحديث هو الأستاذ المرحوم عبد المجيد بوخريص ( لاحظ معي أنه هو الآخر رحل عنا في ريعان شبابه) وذلك في الثانية إعدادي. فعلى يديه اكتشفت قصيدة سجل أنا عربي لمحمود درويش. كان يدفعنا إلى القراءة بشكل مدهش. أتذكر أنه طلب من كل تلميذ أن يأتي بكتاب يودعه طيلة السنة في القسم. فتشكلت لدينا في القسم مكتبة تضم كتبا غزيرة في كل المجالات، فأصبح في إمكانية كل تلميذ أن يقرأ حوالي أربعين كتابا في السنة. ثم كان لمكتبة عمر الخيام مقابل إعدادية ابن رشد دور كبير في تثقيفي مجانا. لأني كنت أدخل المكتبة وأظل أقرأ واقفا، إلى أن قال لي يوما صاحبها : اجلس واقرأ. فصرت ألتهم الشعر أكثر من غيره، لأنه كان يستعصي علي أن أبدأ قصة أو رواية ولا أنهيها في اليوم نفسه. وفي السنة الأخيرة من الثانوي كان للأستاذ المناضل مصطفى الرحاوي دور آخر في صقل موهبتي عبر تشجيعاته والنصوص الشعرية التي كان يدرسها لنا، فاكتشفت معه شعراء آخرين.  هو أيضا أدى ضريبة إخراجنا من الظلمات إلى النور حين تم اعتقاله وسجنه مدة ثلاث سنوات بوجدة.
كما أن هذه الموهبة وجدت فرصة جميلة للتطور وأنا طالب في جامعة محمد الأول بوجدة، فقد كنا محظوظين لأنه كان لدينا على الأقل أربعة شعراء يدرسوننا الأدب العربي ويخوضون معنا في أحاديث الشعر ونطلعهم على نصوصنا. كان ثمة الشعراء : حسن الأمراني، محمد علي الرباوي، عبد الرحمن بوعلي والمرحوم منيب البوريمي. ناهيك عن شعراء آخرين كنا نلتقي بهم في مقاهي وجدة.

3  أصدرت رواية عنوانها : لم أر الشلاّلات من أعلى ... ما الداعي إلى الكتابة السردية؟

كما قلت سالفا، ليست الكتابة السردية غريبة علي، رغم انحيازي إلى الشعر. فأنا بدأت قاصا. وسأفاجئ القارئ إذا  قلت إن قراءاتي للرواية تفوق قراءاتي للشعر بكثير. قد أستغني عن قراءة الشعر أياما، لكني لا يمكن أن أستغني عن قراءة الرواية، خصوصا منذ أن هاجرت إلى فرنسا نظرا لتعدد إمكانية الحصول على الكتب وقراءتها. لذلك، فإن من العادات التي لا تفارقني لحد الساعة هو أني لا أخلد إلى النوم إلا وفي يدي رواية. أما الداعي إلى كتابة هذه الرواية، فإن ثمة مواضيع لا تتسع لها القصيدة. حين فكرت في أن أكتب عن وضعية المهاجرين في فرنسا بشكل مفصل لم أجد غير السرد الروائي سبيلا إلى ذلك. هذا ليس خيانة للشعر. لكل جنس أدبي خصائصه ولا أعتقد أن الشعر سيغار من الرواية حين لا يكون من شأنه ولا من سماته الخوض في ما هو ليس منه.

4  صدرت مؤخراً ترجمتك إلى الفرنسية لديوان أحمد الشهاوي : باب واحد ومنازل ... فهل لك أن تحكي لنا قليلاً عن هذه التجربة الترجميّة؟

أحمد الشهاوي من الشعراء العرب الكبار. أعجبت بشعره كثيرا منذ أواسط التسعينيات. هو شاعر لا يكتب من فراغ، إنما يشتغل على نصوصه مسلحا بثقافة واسعة، خاصة في جانبها الصوفي. ديوانه باب واحد ومنازل من الدواوين التي شدتني إلى عوالمه الشعرية العميقة : نصوصه القصيرة تتميز باشتغال بارع على التضمين والتناص. عناوين النصوص لوحدها تشكل مقاطع شعرية ذات حمولة معرفية وثقافية دالة و تبدو ظاهريا في انفصال تام عن النصوص التي تتربع على عرشها. الظاهر والباطن ثنائية جوهرية في شعر الشهاوي بشكل عام وفي هذا الديوان بشكل خاص. ترجمته إلى الفرنسية بدا لي أمرا لا مناص منه لكي يتعرف القارئ الفرنكفوني على هذه التجربة المتميزة في الشعر العربي المعاصر. لكن الترجمة وحدها لم تكن كافية لتقريب هذا القارئ بأجواء وعوالم الشهاوي الشعرية، كان لابد من وضع مقدمة تساعد القارئ غير المتمكن بالتراث الصوفي والشعر العربي القديم في استكناه بعض أسرار هذه التجربة والتجاوب مع نصوص الديوان.  أتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك.

5  مقيمٌ بفرنسا وتدرّس الأدب العربي في إحدى جامعاتها ... فما واقع تدريس اللغة العربية وآدابها في الجامعة الفرنسية؟ وما انطباعك عمّا يكتبه أدباء مغاربة مقيمون بالمهجر حالياً؟

يمتد تدريس اللغة العربية بفرنسا إلى القرن السابع عشر. كانت الدواعي في البداية دينية محضة تتمثل في ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية وربط الصلة بالمسيحية الشرقية. ثم جاءت الفترة الاستعمارية وعلاقة فرنسا ببلدان المغرب العربي خاصة كي يتم تطوير هذا التعليم في الجامعات الفرنسية، فأصبح تدريس اللغة العربية تقليدا مترسخا في التعليم العالي شأنه الآن شأن جميع اللغات الأجنبية الأخرى. الغالبية العظمى من الجامعات الفرنسية تتوفر الآن على شعبة اللغة والحضارة والآداب العربية. إضافة إلى هذا فإن فرنسا هي البلد الوحيد في أوروبا الذي أدمج اللغة العربية في مباريات ولوج سلك التعليم الإعدادي والثانوي. شهادة الكفاءة في اللغة العربية تعود إلى السبعينيات وشهادة التبريز مضى على تأسيسها أكثر من قرن. ما تجدر الإشارة إليه أن تدريس اللغة العربية بالسلك العالي ساهم في تكوين مختبرات عدة تنكب على الدرس اللساني والأدبي والتاريخي والفلسفي والديني في الحضارة العربية الإسلامية وفق مناهج علمية حديثة تجعل الكثير من الذين درسوا العربية وآدابها وحضارتها في الجامعات العربية يعيدون النظر في مخزونهم المعرفي والمنهجي.
أما عن الكتابة بالمهجر، فإن العشرين سنة الأخيرة، خاصة بفرنسا، أفرزت العديد من الأقلام التي تكتب بالعربية في أوروبا. وهذه الظاهرة ملفتة للانتباه، لأن العديد من الشعراء وكتاب القصة والرواية أبدعوا أشكالا جديدة في الكتابة وتطرقوا لمواضيع جديدة أيضا تقطع الصلة بإنتاج العديد من الكتاب الفرانكفونيين الذين كان همهم تقديم صورة سحرية وفلكلورية عن بلدانهم الأصلية. الجيل الجديد يكتب عن الهجرة والبلد الأصلي للتنديد بالعنصرية والتخلف ولطرح إشكالية المرأة المهاجرة ومسألة الهويات إلخ. ثمة تراكم إبداعي متميز لم يلتفت إليه النقد العربي بعد بما فيه الكفاية.

6  ما جديدك الإبداعي؟

أعدّ مجموعة شعرية جديدة.

7  ما هواياتك غير القراءة والإبداع الأدبي؟

الإبداع والقراءة.



 إبداعات محمد ميلود غرافي 
الأديب المغربي المقيم بفرنسا



إعداد : ج. الخلاّدي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire