30/12/2009
! سنة سعيدة يا أبا الخير
29/12/2009
هنا البستان الشرقي
28/12/2009
عدد جديد من مجلّة علامات
11 12 2009
روح شرّدتها الرياح
دار النشر
24 11 2009
ريح الليل
23 11 2009
الإبداع الأدبي بمدينة بركان : الحصيلة والمسار
بقلم : محمد رحو
31 10 2009
لعنــة باخوس
الدورة الرابعة للصالون الأدبي العربي ببروكسيل
وتتوخى هذه التظاهرة الثقافية التي تنعقد هذه السنة تحت شعار "إلى جانب ولادة"، أن تتحول إلى فضاء للتعبير والتبادل بين الكتاب والشعراء العرب والأوروبيين حول شخصية ولادة التي تمثل النموذج النسائي للكتابة الشعرية وتسكن، منذ زمن بعيد، الثقافة العربية.
ويعتبر الشاعر المغربي ومدير الصالون طه عدنان، أن هذه الدورة جاءت لتدعم الحضور المغربي على الساحة الثقافية العربية والدولية وتمثل تكريسا لغنى بروكسيل العاصمة متعددة الثقافات.
وأضاف أن كلا من سهام بوهلال ومحمد ميلود غرافي و جمال بودومة و علال بورقية من ضمن آخرين من أدباء المغرب سينشطون النقاش إلى جانب نظرائهم العرب والأوروبيين.
ويكرم الصالون، الذي ينظم بمبادرة من المركز الثقافي العربي بتعاون مع البيت الدولي للشعر، ابنة آخر الخلفاء الأمويين في مملكة قرطبة، منطلقا من العنصر النسائي الذي نجح في إسماع صوته.
وفضلا عن كونها أميرة، فإن ولادة بنت المستكفي كانت وستظل، تعبيرا عن الشعر النسائي الأندلسي. كما أنها تمثل رمزا واضحا لأندلس ممتزجة الأعراق لكون والدتها يونانية.
وسيتضمن برنامج الدورة قراءات شعرية بالعربية والفرنسية والانجليزية ومعرضا للفنون التشكيلية وسهرات موسيقية ومسرحية فضلا عن لقاءات لمناقشة أعمال الأميرة الشاعرة ولادة.
وعلاوة على المغرب، فإن بلدانا أخرى من بينها العراق وسوريا والجزائر وتونس وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا ولوكسومبورغ وتركيا ستكون حاضرة في هذا اللقاء.
عن وكالة المغرب العربي للأنباء
16 10 2009
عن ديوان أمضغها علكاً أسود
في البداية أود أن أتوجه بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لمن كان لهم الفضل في تيسير أواصر اللقاء بين مثقفي المدينة ومبدعيها في هذا السمر الشعري، الإخوة في جمعية أبركان للثقافة والتراث الذين ما فتئوا يخطون الخطوة تلو الخطوة من غير كلل أو ملل في سبيل إعلاء صرح الثقافة شامخا في هذه المدينة التي لطالما صنفت في الهامش. فبالرغم من فتو الجمعية فهي ترتقي مدارج العمل الثقافي بثبات، وقد استطاعت أن توفر لنفسها ربيرتوارا زاخرا من الأنشطة يبوئها مصاف الجمعيات العتيدة.
وارتباطا بعمل الجمعية الثقافي دائما هاهي الآن تضيف لبنة أخرى إلى بنائها، وذلك من خلال احتفائها بمولود محلي جديد موسوم ب "أمضغها علكا أسود " حمل توقيع الابن البار لمدينة بركان الشاعر المتألق محمد ميلود غرافي. وللتذكير فان هذه الأضمومة الشعرية تمثل التجربة الشعرية الثانية للشاعر المحتفى به بعد أن كان قد أهدى المكتبة البركانية بخاصة والمغربية بعامة تجارب عشقه المريرة سنة 2002 أودعها مجموعته الشعرية الأولى تحت عنوان "حرائق العشق".
وبتتبعنا لمسير الشاعر الإبداعي نجد ما بين الديوان الأول والثاني مساحة زمنية مهمة راوحت ست سنوات وهي فترة كافية بأن تقدح وهج الكلمة ولظاها في الشاعر، وتساعده على اختمار الفكرة ونضج التجربة وفي الأخير على يسر الولادة. ولعل حرص المبدع - أي مبدع- على الانتظام في إخراج إصداراته إلى حيز الوجود أمر محمود يحسب له، ويوليه النقاد أهمية قصوى في قراءاتهم النقدية.
صنف بعض النقاد –ومنهم حسن توفيق- الشعراء إلى مجموعتين: شعراء يواجهون الواقع مواجهة المتخاذلين وكان على رأسهم الشاعر الانجليزي الكبير إليوت، وآخرون يواجهونه مواجهة المتجاوزين له، وكان الشاعر الألماني بيرتولد بريخت مثالا لهم.وضمن هذا التصنيف حاولت أن أموضع شاعرنا محمد ميلود غرافي فتراءى لي أنه احتار سبيل الغاضبين الثائرين ليعلنها حربا شعواء ضد واقع قمئ ضحل، و إلا كان سيختار مضغها علكا بنكهة "الفاني" بدل أن يصر على مضغها علكا أسود.
وتبدأ هذه الثورة وهذا الغضب مع فاتحة هذه المجموعة الشعرية، ففي أولى القصائد يطلعنا الشاعر على واقع عربي مرير استشرى فيه التقتيل والتذبيح وانتهكت فيه الكرامة الإنسانية وضاعت النخوة العربية، فأصبحت صور الدمار مألوفة لدينا وجزءا من حياتنا اليومية، لكن إذا كانت حيوانية الإنسان قد خيمت بظلالها على هذا العالم فإن إنسانية الحيوان -ومن خلال قطة الشاعر- ستعيد له التوازن. وكيف لا وهي قطة ملتزمة بقضاياها العربية أيما التزام كما جاء في الديوان (ألم ترها ترقب عن كثب نشرة أخبار الليل ولا تأكل عند مرور الدبابة في بغداد وتسعل حين تشاهد قطا يعلو قطته في أفلام السبت؟ إذن دعها حسب تعيش.
هي مثلي أو مثلك
لا تسعفها لغة
أخرى
حين تعض.) ص:8
لقد حرك هذا الواقع المرير الصغار قبل الكبار حتى وإن كانوا لا يفهمون لغتهم ولا يعون شيئا مما يحيكونه ضدهم، ونموذج ذلك الطفلة لينا التي كانت تصرخ في وجه رئيس الجمهورية المنتفش غيضا في صورة القط الذي يحكي قصة الأسد، كلما ظهرت صورته على شاشة التلفاز. وهذا ما نقرأه في قصيدة الصرخة (لينا لا ترسم بعد شجيرات وعصافير.ولا تفهم شيئا في تخصيب اليورانيوم ولا حتى في الهجرة والحد الأدنى للأجرة.لكن حين تشاهد في التلفاز رئيس الجمهورية كل مساء تصرخ، تلقي بالدمية أرضا وتصيح بما يشبه صوت الناخب حين يجن:آآآآ) ص:28
كما نجد الشاعر في هذا الديوان مهوسا بقلق السؤال، فاتخذه سبيلا لإبراز النقائص و السلبيات، نستشف ذلك من قصيدة "نشاز" التي يقدم لنا الشاعر على ضوئها صورة الجيل الأول من المهاجرين في أعين الأوربيين إذ كانت نظرتهم إليهم نظرة دونية، ولربما اعتبروهم شعبا بدائيا منبت الصلة عن كل حضارة، وهذا واقع كرسه هذا الجيل الذي لم ينعم بقسط وافر من التعلم في بلده الأم، قصد الضفة الأخرى بحثا عن حياة اقتصادية واجتماعية بديلة. ولعل هذه الصورة النمطية التي ارتسمت في أذهان الأوربيين ما تزال طاغية بالرغم مما شهده العالم من تطورات وتغيرات سريعة. ففي بحر القصيدة نرصد هذه التساؤلات التي راودت ذهن الشاعر والتي كانت مثار حيرته وانزعاجه من تصرفات جارته مرغاريت التي لم تستسغ أن يكون هذا الإنسان العربي- بالرغم من كونه يمثل النبوغ المغربي- متزنا في تصرفاته لبقا في تعامله، بل أكثر من ذلك فقد أرقها أن ترى إنسانا أسمر على قدر كبير من الاحترام.يقول الشاعر( ثم تغادر مسرعة و أنا أتساءل ماذا لم تسمع جارتي الليلة ؟ صوت التلفاز؟الرد على الهاتف؟أغنية الراي؟صرير القلم؟ المضغ؟...) ص:11
وتزداد الأسئلة تناسلا في قصائد أخرى من الديوان، باحثة عن الثغرات والعثرات، كاشفة للأستار والحجب كما في قصيدة "برج الأسد". وهذه الأسئلة هي ما يمنح قصائد المجموعة الشعرية قوة، بل ويجعلها أكثر قربا من القارئ، ذلك بأن الشاعر لا يمنح القارئ الأجوبة الجاهزة عن هذه التساؤلات، فهو بحنكته الأدبية والفنية العاليتين يورط القارئ فيها، ويجعل منه شريكا له في الانشغال بما تثيره من قضايا، لأنه يعي بأن الحلول لا تحصل إلا بالإجماع. وهذه تقنية في الكتابة الإبداعية يتميز بها الأفذاذ من المبدعين، يقول ستيفن سبندر في هذا الصدد "الشعر العظيم كله يتأمل العالم والإنسان وقوانينه وأديانه، ويتساءل لماذا، لماذا تجري الأمور على هذا النحو بينما كان من الممكن أن تجري على نحو آخر" والرأي نفسه يؤكده نجيب العوفي في قوله" والقصيدة الشعرية الحقة كانت وما تزال دوما بنت قلق وأرق وخلاصة إشكالات وتساؤلات "
قبل أن ترى هذه الأضمومة الشعرية النور، كنت، وكنا ربما جميعا لا نعرف بعضا من جوانب شخصية الشاعر محمد ميلود غرافي الفنية فقد كنا نحسبه شاعرا يمتطي صهوة العروض العربي تارة، وتارة أخرى يكسره ويثور عليه ملبسا إياه قضايانا الراهنة كما هو ديدن جل المبدعين، غير أن هذه المجموعة جعلتنا نكتشف خبايا هذه الشخصية الإبداعية وانشغالاتها الفنية المتعددة، وسيكاد يجزم القارئ معي أن الشاعر "مجدوب الكصبة" وذلك من خلال احتفائه بفن تراثي أصيل وهو فن المشيخة في شخص الفنانة الجزائرية الشعبية الراحلة الشيخة الريمتي، وذلك في قصيدة "غزالها والنوار" ومنها سأقرأ لكم هذه "التبريحة"
( الغربة عشات والناس تقاسي
تمشي وتهيم ف شوارع ليلية
من لا شابيل حتى لكليشي
تبحث ع البندير والسعدية
والقصبة من تحزن وتنسي
وتبعث لهموم ف قلوب فتية) ص54
إن الشاعر- وهو يحتفي بفن المشيخة في هذه القصيدة- يسعى إلى تأصيله باعتباره فنا راقيا يمثل ذاكرة أمة ومخزونا ثقافيا تليدا ضاربا بجذوره في أعماق التاريخ، إن الشاعر بعبارة أدق يرفض فلكلرة التراث.
قبل أن أنهي هذه الورقة وددت أن أحيل نظر القارئ على المادة التي حيكت بها قصائد هذه المجموعة الشعرية، اقصد اللغة التي اعتمدها الشاعر في سبك قصيده، ذلك بأن الفكرة والموضوع وبحور الشعر أحيانا لا يمكنها أن تعطينا شعرا مهما ارتقى الشاعر في تجويدها، إذ العبرة بالأداة التي تحتوي هذا الطبق الشعري أو ذاك. و قد قال الجاحظ قديما" من أعطاك علما بلغة رديئة كمن أعطاك عسلا في كأس متسخ"والفاحص للغة المجموعة الشعرية سيجدها لغة أنيقة منتقاة لا هي بالوحشي المتوعر ولا هي باليومي المبتذل، فهي لغة شعرية تخزن داخلها ألف لغة ولغة، لأن الشاعر لم يعمد إلى قول كل شيء، عن طريق أسلوب مباشر تقريري، وإنما ترك مساحات بيضاء يتوجب على القارئ ملأها، وذلك بإعمال ذهنه وإجهاد فكره حتى لا تكون قراءته قراءة مسلية أو روتينية، وإنما قراءة إبداعية تتيح للقصيدة أن تنكتب من جديد كلما وقعت بين يدي قارئ جديد، وهكذا ستغدو القصيدة الواحدة قصائد متعددة.
إن الشاعر يترفع عن العاديات من القول بما يضمن له ولقصيده التميز والفرادة، وإلا كيف يمكن التمييز بين كلام من شعر وكلام عادي، فكلام الشاعر إيقاع وإيجاز وجمال وقوة وتماسك ونظام وتنوع شكلا ومضمونا، وإيماء إلى الشيء دون التصريح به، لأنه يعي أن في اللمحة ما يكفي من الجراح، وحتى لا يكون هذا الحكم إلقاء للكلام على عواهنه الفت نظر القارئ إلى بعض العبارات التي حبلت بها المجموعة في مثل قصيدة" أنظر كيف يطير" والضمير هاهنا عائد على الحذاء "ضعه قريبا من رأسك، تسمع كل صداع الأرض، أنين الآشوريات الإسفلت الحارق، نبض الموتى، رعب الليل الفسفوري" فهذه العبارة على قصرها فهي حبلى بالمعاني العميقة والدلالات الكثيفة، فالشاعر يجعل من هذا الحذاء شاهدا وشهادة على مغص الأرض العربية وأنينها الذي طال واستطال ولا من مجيب.حذاء يريده الشاعر أن يثير النقع في يوم الكريهة وفي ساحة الوغى لا في ساحات المهرجانات الإيقاعية الراقصة.
إن ما أشرت إليه هاهنا من معان ومبان وموضوعات ما هو إلا برض من عد وقليل من كثير اجتزأته من قطوف هذه الحديقة الغناء، وإلا كنت سأمضي في قطف زهراتها بعيدا وربما لا أؤوب. عند هذا الحد أقف لأترك الفرصة للقراء ليبحروا بدورهم وبأدواته الخاصة في محيط هذا الديوان اللجي، ويستخرجوا كنوزه ودرره النفيسة، ففيه من اللآلئ ما يغري بالغوص في أغواره.
محمد رحو¤ بركان
09 10 2009
حقك من السماد
عيون السنابل الخضراء ترعاه و ترقبه، و هو بين خرير الماء و صداح العصافير المنتشية بصفاء الطبيعة في ذلك الفصل الربيعي الرائق، و صوت ابنة عمه الرخيم يطرق أذنه و يلاحقه أينما اتجه، احساس لا يقاوم ينتابه و هو يضرب الأرض الصلبة بالمعول، أحلام تنسجها التربة عند ارتوائها بماء المطر و أشعة الشمس لا تفتأ تغازلها . تلك صورة من الماضي يستحضرها كلما اشتد عليه الحال أو ضجر من امتزاج الأصوات البشرية بالآلية و خنقت أنفاسه رائحة الغازات السامة التي تصدر عن ناقلات هادرات باستمرار في فضاء اتسع حتى ضاق .
مد يده الواهنة في جرأة طالبا صدقة، بعد أن أعياه البحث عن القوت في صناديق القمامة، اذ لم يعد يفكر مطلقا في الحصول على المال عن طريق الاحتيال و النشل أو اعتراض سبيل المارة في بعض النواحي المظلمة التي لا يمر منها الا القليل من الناس، فالخير ما زال يقرفص في قلبه . و بعد عذاب دام أشهرا قليلة استقر به الحال ليشتغل مساعدا لحارس سيارات .
مرة وقفت احدى السيارات في المربد الذي يشرف عليه فما أن رأى علامة حمراء تشبه المنجل خلفها حتى اهتاج و أخذ في الصراخ . اقترب منه صاحبه و قال : هل سرق أحدهم سيارة ؟
لا.. لا.. دعني أكسرها و أكسره
عمن تتكلم ؟
عن الذي أوصلني الى هذه الحال
بعد أن تمكن صاحبه من السيطرة على غضبه، قصد مقهى مجاورة فأحضر له كأسا من الشاي، و نفحه سيجارة و أخذ يحكي له عملية النصب الكبيرة التي تعرض لها .
طرق الباب في يوم صيفي حار، مشطت شعري بأناملي، و ذهبت لأفتحه في عجالة معتقدا أن عيوش أتت لتقدم لي قدحا من لبن عودتني عليه، و لترميني بنظرات كالسهام يهتز لها قلبي، تريثت بعض الشيء دسست يدي في جيبي فأخرجت منه مشطا و رحت أمرر بأسنانه الحادة على شاربي الكثيف . و لما اشتد الطرق سبقتني والدتي الى الباب، و عند فتحه انتابتها الدهشة و هي تقف وجها لوجه مع مقدم الدوار، لم يوقظها من سهوها الا سؤالي عن الطارق، فأجابتني في ارتباك واضح :
المقدم يشرفنا بزيارته اليوم
قلت لها : أدخليه
دخل المقدم مسبوقا ببطنه الضخم، راسما على وجهه شبه ابتسامة، فما أن اقترب مني حتى ارتمى علي معانقا و مصافحا بشكل ودي زائد .
تبادلت و أمي نظرات استغراب، لأن المقدم لم يكن يصل مزرعتنا الا لأخذ كبش سمين قبل عيد الأضحى عنوة، أو ليتسلم حقه مما تنتجه الأرض كأنه وريث شرعي، أو ليعين لنا الورقة التي يجب علينا وضعها أنا و والدتي و نيابة عن والدي المتوفى، يوم الانتخابات .
ساد الصمت لحظة بيننا، في حين تسللت العجوز الى العشة لتعد الشاي و بعض الفطائر احتفاء بزيارة المقدم المباركة . و لإذابة جليد الصمت قلت :
إن الذرة لم تنضج بعد كما ترى، فتدخل المقدم قائلا :
يجب الا يذهب تفكيرك بعيدا يا السٌي حمٌو، فأنا ما جئت هذه المرة إلا لأطلب منك الذهاب إلى المدينة لتتسلم حقك من السماد مجانا.
استغربت قوله، فما تعودنا أن نأخذ، بل تعودنا على أن نعطي مكرهين. و لم أحس المقدم باستغرابي، قال :
أعرف أنك غير واثق فيما سمعته مني، و لكي أختصر أقول إن من صوت لصالحه في الانتخابات السابقة، طالب بتوزيع السماد مجانا على المزارعين، و قد ضرب معي موعدا ليقضي حاجته غدا في المدينة.
ولما تعب حمو من الكلام قال لصاحبه سأكمل لك الحكاية غدا. لكنه مات من شدة الحسرة، و بقيت الحكاية مبتورة، و لم تكتمل إلا بعد بحث و تقص قام به حارس السيارات، فحكاها بدوره لمساعده الجديد، لكنه لما توقف أخبره صاحبه بأنه قد أوقف سرده عند الموعد الذي ضربه المقدم مع حمو، فواصل الراوي حكايته قائلا :
قام المقدم و صافح حمو من جديد منبها إياه إلى ضرورة الاستيقاظ باكرا في الغد، و اصطحاب بعض الوثائق التي تخص المزرعة معه
قبل صياح أول ديك، كان حمو يرتشف الشاي الساخن، و هو يرتدي جلبابا خصصه لمثل تلك المناسبات. و انطلق بعد ذلك نحو مبنى الجماعة حيث يسكن المقدم. نقر الباب برفق، ففتحه له بسرعة. وضع يده في يده، و ركبا سيارة الجماعة، جنبا إلى جنب، و انطلقا نحو المدينة
بعد وقت يسير وصلا، فأشار المقدم بيده إلى حيث يوجد النائب المحترم قائلا
و نزلا من السيارة، اقتربا منه، أحس حمو ساعتها بحياء شديد، ارتعشت يده و هي تلمس يد النائب المحترم، بينما ارتمى الآخر على حمو مصافحا إياه في تواضع نادر.
صعدوا جميعا سلم البناية، خرجوا من مكتب ليدخلوا آخر، توقيعات و بصمات على أوراق لم يكن يعرف المسكين عن فحواها أي شيء. و ما هي إلا دقائق معدودة حتى انتهى كل شيء ...
أخذ النائب المحترم جدا بعض الوثائق، رتبها في حقيبته السوداء، و ركب سيارة الجماعة إلى جانب المقدم. انتظر حمو أن ينادي عليه للركوب، و لكن انتظاره لم يطل، فقد انطلقت السيارة مخلفة وراءها بعض الدخان الممزوج بقهقهات النائب المحترم جدا، جدا
و لما انتهى الراوي من الحكي، أطرق صاحبه رأسه حتى لا تكشف عيناه عن حكايته التي ظلت سجينة ذاكرته من سنين عديدة
قصة قصيرة
حسن المزوني
02 10 2009
دمـعُ الغـريب
29 09 2009
Il suffit parfois d'un rien
28 09 2009
تكريماً لمحمد مسكين
خطاب التأسيس في مسرح النقد و الشهادة
د. محمد جلال أعراب
مطبعة تريفة ¤ بركان
الطبعة1 ¤ شتنبر 2009
الغلاف : عبد الحفيظ مديوني
¤
دراسة تحليلية لأعمال المبدع المسرحي محمد مسكين تضمنت البحث في العناصر البنائية و التكوينية و النظرية لخطاب مسرح النقد و الشهادة، و مظاهر النقد و الشهادة في بناء الحدث المسرحي، و الشخصية المسرحية، و في بناء الحوار المسرحي و البحث في أشكال التواصل مع الجمهور
يظهر على الصورة مقر نادي الليمون
18 09 2009
عن الثقاقة في بركان
17 09 2009
عن المجال الحدودي بين المغرب و الجزائر
لم تكن مشاكل المجالات الحدودية 1 وليدة أحداث القرن العشرين، بل هي ظاهرة قديمة في تاريخ المغرب 2 ، و برزت بشكل لافت للنظر خلال القرن السابع عشر إثر أول محاولة لإثبات معالم الحدود بين أتراك الجزائر و السلاطين العلويين، بسبب غموض مفهوم الحدود لدى الحاكمين و المحكومين في بلدين إسلاميين متجاورين 3 . و اتخذت مشاكل الأطراف الشرقية بعداً خطيراً منذ منتصف القرن التاسع عشر عقب احتلال الجزائر و انهزام الجيش المغربي في معركة إسلي سنة 1844 . و زادت اتفاقية الحدود الموقعة سنة 1845 الأمر تعقيداً، فأذعن المخزن 4 لمهادنة السلطات الفرنسية بالجزائر، و دعاها إلى احترام حقوق الجوار، و في الوقت ذاته حاول تقليص المعاملات التجارية معها، أملاً منه في تجنّب أيّ توتّر قد تتخذه تلك السلطات ذريعة للتطاول على الحواشي الشرقية للبلاد، إلاّ أنّ المخزن فشل في إقناع قبائل الحدود بالعدول عن التعامل مع غرب الجزائر، حيث توثّقت الروابط بين قبائل البلدين بفعل التأثير التجاري الفرنسي بمنطقة الحدود، الأمر الذي ترتبت عليه نزاعات، و ألزم المخزن على إثرها بدفع تعويضات مالية للسلطات الفرنسية بالجزائر، فاستغلت فرنسا هذه الظروف و أقنعت المغرب في مستهل القرن العشرين بضرورة وضع إطار قانوني ينظّم المبادلات التجارية، و يضمن السلم و الهدوء في منطقة الحدود، و تُحلّ بموجبه كلّ النزاعات التي تقع بين سكان البلدين . و سبق ذلك وقوع هجمة فرنسية واسعة على جنوب شرق البلاد، حيث استولت الجيوش الفرنسية على واحات توات . و بعد أن آل أمر شمال شرق المغرب إلى السقوط في قبضة المحتلين الفرنسيين، زادت مشاكل المجالات الحدودية تعقيداً و اتخذت طابعاً جديداً، فحاول المغرب في بداية الأمر إخراج المحتلين من مدينة وجدة و أحوازها، و بعد أن يئس من تحقيق ذلك، اتجه اهتمامه إلى الحفاظ على حضوره بالمنطقة الحدودية المحتلة . و هذا ما دفعنا إلى محاولة الإحاطة بأشكال المواجهة المغربية ـ الفرنسية بالمجالات الحدودية الشرقية منذ مطلع القرن العشرين، إلى حين تاريخ توقيع عقد الحماية، حيث تعدّدت و تنوعت المشاكل المطروحة من مرحلة إلى أخرى . و يسعى البحث إلى تحديد طبيعة هذه المشاكل و الكشف عن الخطط التي واجه بها المغرب سياسة الأمر الواقع التي نهجتها فرنسا بمناطق الحدود .
و نهدف من خلال هذه الدراسة إلى استكمال البحث في منطقة شرق المغرب من سنة 1900 إلى سنة 1912 ، حيث وقع التركيز في دراسة سابقة على العلاقة بين السلطة المركزية و قبائل الحواشي الشمالية الشرقية . أمّا هذه الدراسة فهي محاولة لكشف بعض الجوانب من سياسة المخزن المركزي إزاء الأطراف المهدٌدة بالاحتلال . و قد اخترنا عمالة وجدة 5 نموذجاً لها، نظراً لما لها من خصوصيات طبيعية و بشرية تميّزها عن باقي مناطق الحدود 6 . الأمر الذي يطرح إشكالية البحث في الآليات التي تحكمت في العلاقة المغربية ـ الفرنسية بهذه المنطقة، إثر توقيع اتفاقيات جديدة حول الحدود في مستهل القرن العشرين، فتحدّد بذلك الإطارالقانوني الذي يحكم العلاقة بين البلدين بمناطق التخوم عامة . إلاّ أنّ القسم الشمالي منها هو الذي كان محطّ تطبيق و اختبار تلك الاتفاقيات . و بناءً على ذلك أصبح باب المغرب مفتوحاً على مصراعيه من جهة الشرق لفائدة النفوذ الفرنسي دون غيره، بعد صمود دام زهاء نصف قرن من الزمن . و هذا ما يطرح إشكالية البحث في الوجوه المتعددة للعلاقة المغربية ـ الفرنسية بمنطقة الحدود و محاولة رصد أهمّ مراحلها . و بعد أن أفضى أمر شرق المغرب إلى الاحتلال، طرحت إشكالية جديدة، تمثّلت في محاولة الكشف عن نظام الإدارة المفروضة بالمنطقة من طرف المحتل . و في خضمّ الأحداث المتتالية عرفت مناطق شرق المغرب تحوّلات هامّة، حاول المحتلّ أن يجعل منها إصلاحاً نموذجياً في ميدان الإدارة على وجه التحديد . و هذا ما يطرح من جهة أخرى إشكالية البحث في موقف المخزن المركزي إزاء هذه التحولات، و كيف تعامل مع الموقف الفرنسي، و بدون شك فإنّ تلك التحوّلات مرتبطة بضغوط بعض الدول الأوربية على المغرب، و بالاتفاقيات التي وُقِّعت بينها حول مصيره، و التي تبلورت في ميثاق الجزيرة الخضراء .
و ينحصر البحث في المجال الحدودي، الذي تنتهي معالمه من جهة الشرق عند خط الحدود مع الجزائر المثبت من سنة 1845 . من مصب واد كيس في البحر المتوسط شمالاً إلى فكَيكَ جنوباً . و يُعتبر وادي ملوية الحد الطبيعي من جهة الغرب . إلاّ أنّ حدود المنطقة من جهة الجنوب ظلّت غير واضحة، فكانت تضيق أو تتسع حسب قوة أو ضعف المخزن المركزي .
و تبيّن فيما بعد أنّ سلطات الاحتلال قد وسّعت حدود مجال ناحية وجدة من جهة الجنوب في إطار سياسة التوسع التي نهجتها بالمنطقة الشرقية، الأمر الذي حفّز مستعمري غرب الجزائر إلى تملّك أجود الأراضي بها، كما صارت المنطقة سوقاً ذات أهمية بالنسبة لفرنسا أنطلاقاً من غرب الجزائر وسقاً و جلباً، فكان التغلغل التجاري و السيطرة الاقتصادية من أسباب التمهيد لاحتلال شرق المغرب، الأمر الذي أذكى التنافس التجاري بين فرنسا و اسبانيا، رغم اتفاق البلدين على اعتبار وادي ملوية حدّاً فاصلاً بين منطقتي نفوذهما . و هذا ما يطرح التساؤل عن الأهداف الخفية من وراء السياسة الفرنسية الرامية إلى توسيع حدود عمالة وجدة بعد سنة 1907 ، إذ صارت المنطقة قاعدة لانطلاق الاحتلال الفرنسي نحو الغرب و محاولة ربطها بقاعدة أخرى، ألا و هي منطقة الشاوية المحتلّة .
أمّا التحديد الزمني 1900 ـ 1912 فيجد تبريره في كون البداية تمثّل محاولة من المخزن لإيجاد حلول لمشاكل المجال الحدودي بين المغرب و الجزائر، بعد أن اجتاحت الجيوش الفرنسية جنوب شرق البلاد، و تبيّن جلياً أنّ المخطط الفرنسي كان يسعى إلى تطويق المغرب من الجنوب الشرقي إلى الشمال الشرقي . أمّا سنة 1912 فهي تمثّل نهاية العمل باتفاقيات الحدود و إخضاع المنطقة شيئاً فشيئاً لنظام الحماية .
و قسّمنا الفترة المدروسة إلى مرحلتين متميزتين : تمتد المرحلة الأولى من سنة 1900 إلى سنة 1907 ، و هي فترة مخاض عسير، تولدت منهما اتفاقيات الحدود، و تميّزت الفترة المذكورة بطغيان حركة الجيلالي الزرهوني الروكَي على هموم العلاقة المغربية بالسلطات الفرنسية بالجزائر، و قد حاول هذا الأخير السيطرة على شرق المغرب، إلاّ أنّ المخزن العزيزي استعاد سلطته عليه، و لكن لوقت وجيز، إذ سرعان ما سقط المجال الحدودي المذكور في يد الجيش الفرنسي في شهر مارس 1907 . و يعد هذا التاريخ منطلق الفترة الثانية التي انتهت بتوقيع عقد الحماية سنة 1912 ، و هي فترة تحوّل من حال إلى حال، و تُعد صلب الإشكالية الرئيسية المطروحة في موضوع البحث . و حاولنا رصد مظاهر هذا التحوّل على مستوى الإدارة المركزية و المحلية، بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بتملّك الأراضي من طرف الفرنسيين و آثارها على أصحاب الأرض الأصليين .
و لم يكن من الممكن الخوض في كل هذه القضايا لولا الوثائق التي اجتهدنا في البحث عنها داخل المغرب و خارجه . فراجعنا بمديرية الوثائق الملكية بالرباط محافظ الترتيب العام بالإضافة إلى عدة ملفات خاصة بقضايا الحدود و العلاقة المغربية ـ الفرنسية، و جل هذه الوثائق مستنسخة عن أصولها المودعة في الخزانة الحسنية أو بخزانة تطوان . كما راجعنا بعض كنانيش الخزانة الحسنية، التي تطرقت للعلاقة المغربية ـ الفرنسية بمنطقة الحدود، أو رصدت بعض الجوانب المالية و الإدارية الخاصة بوجدة و نواحيها . و رغم أهمية هذه الوثائق، فإنّها لم تكن كافية للإحاطة بكل القضايا المطروحة في البحث . و لذلك كان الاطلاع على الوثائق الفرنسية مفيداً، حيث اهتدينا بفضلها إلى الجواب على كثير من التساؤلات
فاطلعنا بقصر فانسين Vincennes على بعض الملفّات الخاصة بالقضايا العسكرية بمنطقة الحدود، و بعلاقة شرق المغرب بالسلطات الفرنسية بالجزائر، إلاّ أنّ أهمّ رصيد وثائقي عن المنطقة صادفناه
بمركز الأرشيف الدبلوماسي بمدينة نانط Nantes 7 ، و يختزن هذا المركز عدداً هامّاً من الوثائق الصادرة عن المفوضية الفرنسية بطنجة و مفوضية الحكومة الفرنسية بوجدة و فرع بعثة الحدود بها، و يحتوي على كثير من المراسلات التي تمّت بين هذه الجهات و وزارة الخارجية الفرنسية و الحكومة العامة للجزائر، فضلاً عن المراسلات التي تُبودلت بين المخزن و الحكومة الفرنسية عن منطقة الحدود عامّة . و الأهمّ من هذا و ذاك هو أنّنا صادفنا به أصول كثير من الرسائل المخزنية التي بعثها المخزن للحكومة الفرنسية أو لمفوضيتها بطنجة حول مشاكل الحدود، و هي من الوثائق التي يصعب العثور على نظائرها في المغرب . و عالجت هذه الوثائق جوانب مختلفة من القضايا التي طرحت بمنطقة الحدود قبل الاحتلال و بعده
و اعتماداً على هذا الكم المتنوع من الوثائق ـ التي نعتبرها رغم ذلك عيّنات لا أقلّ و لا أكثر ـ أمكننا الإحاطة بكثير من المشاكل التي واجهها المخزن المركزي بالحواشي الشرقية، و توصّلنا بفضلها إلى وضع تصوّر قريب من الحالة التي كانت عليها تلك الحواشي في مطلع القرن العشرين، و هو ما حاولنا إبرازه في هذه الدراسة التي وضعناها بين أيدي الباحثين و القراء عامّة، مساهمة منّا في الكشف عن بعض الجوانب التي ظلّت غامضة أو مجهولة في تاريخ المغرب على المستوى المحلّي رغم وضوح المعالم الكبرى لتاريخ البلد . إذ بدونها لا يتأتّى إدراك كنه المشاكل التي ما زالت تقع بين المغرب و الجزائر في مستهلّ القرن الحادي و العشرين بمنطقة الحدود، نظراً للعلاقات التي نُسجت بين سكان تلك المناطق خلال فترة الاحتلال، و منها تستمدّ هذه الدراسة أهميتها في محاولة الكشف عن جذور تلك المشاكل و ربط الحاضر بالماضي
هوامش
1ـ يعبّر عن مصطلح المجالات الحدودي في الوثائق بالأطراف، و من المعاني التي يحملها لفظ طرف : منتهى الشيء و الناحية، و له معان أخرى كثيرة، انظر لسان العرب لابن منظور . و قد ورد مصطلح الطرف في الوثائق المخزنية للتعبير عن حواشي البلاد البعيدة عن مركز السلطة و منها شمال شرق المغرب، فوصف المخزن قبيلة بني يزناسن بأنّها زرب الطرف . انظر عبد الرحمن بن زيدان : إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس . المطبعة الوطنية . الطبعة الأولى . الرباط 1933 . الجزء 5 . ص 88
2ـ انظر أعمال ندوة المجالات الحدودية في تاريخ المغرب . منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالمحمدية 1999
3ـ عكاشة برحاب : مفهوم الحدود في الوثائق المغربية منذ احتلال الجزائر إلى سنة 1912 ، أعمال ندوة المجالات الحدودية في تاريخ المغرب . م . س . ص 37 ـ62
4ـ استُعمل مصطلح المخزن في هذا البحث للتعبير عن الحكومة بالاصطلاح العصري، و يعني أيضاً مفهوم الإدارة المركزية أو الإدارة المحلية، و هو كثيراً ما يرد بهذا المعنى أو ذاك في الوثائق
5ـ أصبح شمال شرق المغرب ينعت ب : عمالة وجدة منذ منتصف القرن التاسع عشر . ـ ملاحظة : استعملنا هذه التسمية أو تلك للتعبير عن نفس المجال الترابي المدروس في هذا البحث . انظر بحثنا : شمال المغرب الشرقي قبل الاحتلال الفرنسي 1873 ـ 1907 . منشورات جامعة الحسن الثاني . مطبعة النجاح الجديدة . الدار البيضاء . 1989 . ص 207 ـ 208
6ـ لقد آثرنا عدم إدراج الإطار التاريخي و الجغرافي في هذا البحث، حيث سبق أن تطرقنا إليهما في الدراسة المشار إليها أعلاه
7ـ يعدّ مركز الأرشيف الدبلوماسي بمدينة نانط ملحقاً لمركز كي دورصي بباريس التابع لوزارة الخارجية الفرنسية
عكاشة برحاب
مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء الطبعة الأولى 2002
15 09 2009
يوميات معلّم
¤
الدخول
عن حفل توقيع ديوان أمضغها علكاً أسود
¤¤¤¤¤
الرباط ـ من محمد العتروس بمناسبة صدور الديوان الجديد للشاعر المغربي المقيم بفرنسا محمد ميلود غرافي عن دار جناح للنشر بتولوز (فرنسا)، نظمت جمعية أبركان للثقافة والتراث حفل توقيع شارك فيه كل من الناقد والمترجم بنعيسى بوحمالة والباحث محمد رحو وذلك بمدينة أبركان، شرق المغرب، مسقط رأس الشاعر.
جاء في كلمة الناقد بنعيسى بوحمالة أن الشعر المغربي الحديث ظل إلى حدود التسعينات يعاني من نقص يتمثل في غياب تجربة تعبر عن الهجرة كما عاشها أو يعيشها الشاعر. وأضاف أن شعر التسعينات عرف أسماء مغربية شابة عاشت تجربة الهجرة وعبرت عنها بكثافة، واعتبر أن تجربة محمد غرافي الشعرية بدءا من ديوانه الأول 'حرائق العشق' الصادر سنة 2002 تشكل قيمة مضافة مهمة في الشعر المغربي المعاصر من حيث احتفائها بالأمكنة مدنا (باريس، تولوز، فيينا، برشلونة...) وفضاءات مفتوحة أو مغلقة (حانات، مقاهيَ، ساحات...). وأشار إلى أن هذه التجربة تتقاطع مع تجارب مهمة في الشعر العربي، ومع تجربة العديد من الشعراء العراقيين في المنفى. وركز الناقد بوحمالة على الموضوعات المحورية التي تناولها الديوان واستلهمها من جزئيات الحياة اليومية (السيارة، الشحاذين، المرأة كمستحيل مثل الشعر، التراث الشعبي، النادل...)
وأشار في الأخير إلى انفتاح نصوص الديوان على قصيدة النثر عبر اعتمادها السرد والحوار والتذكر والمفارقة والسخرية والتفاصيل اليومية...
أما الباحث محمد رحو فقد ركز في مداخلته على مجموعة من الأمور ميزت الديوان أهمها قلق السؤال والاحتفاء بالتراث واللغة التي صاغ بها الشاعر نصه. فالشاعر مهووس بقلق السؤال الذي اتخذه سبيلا لإبراز حالات عديدة عاشها في المهجر منها مثلا الوجه العنصري في الغرب كما يظهر من قصيدة نشاز. ثم أشار الباحث إلى احتفاء الشاعر محمد غرافي بالتراث وذلك عبر استحضاره لمجموعة من أعلامه وحضور نصوص موازية في النص الشعري وتمثل أهم مظهر من مظاهر هذا الحضور في نص غزالها والنوار الذي احتفى فيه الشاعر بفن أصيل هو فن المشيخة ممثلا في شخص الفنانة الشعبية الراحلة الشيخة الريميتي. وختم مداخلته بالحديث عن اللغة التي حاك بها الشاعر قصيدته واعتبرها لغة شعرية تخزن لغات عدة.
قبل أن يسدل الستار عن اللقاء بتوقيع الكتاب استمتع الجمهور بقراءة جميلة لبعض قصائد الديوان بصوت الشاعر تلتها بعد ذلك شهادة حاول فيها أن يوضح رؤيته للشعر وللقصيدة. أشار بداية إلى أنه ارتأى أن يكون المضغ المضمن في ثنايا عنوان الديوان عكس التصور السائد، فعلا جماليا. ثم عقد مقارنة بين حرائق العشق الديوان الأول الذي كان تجربة تجمع بين الامتداد والقطيعة (النص الغنائي والنص الومضة)، وبين 'أمضغها علكا أسود' الديوان الجديد الذي جاء بعد فترة تفكير وقراءات طويلة للشعر العربي عامة والفرنسي المعاصر.
واعترف الشاعر أن الجانب الموضوعاتي في قصيدة النثر أغراه لتأتي قصائد الديوان على شكل أقصوصات قصيرة تلتفت إلى الهامش، وهكذا جاء اشتغاله على الأمكنة بديلا عن انشغاله بالذات مؤكدا على تشبثه بالتفعيلة دون اعتبارها الدائرة المقدسة والمغلقة والنهائية للشعر العربي. وفي الختام أشار إلى أن الجديد بالمقارنة مع ديوان 'الحرائق' هو 'اعتماد العين في هذه النصوص واللمحة الساخرة والقبض على السواد في حيز يبدو أبيض وكذا في اختبار الذات واستدراج الطفولة إلى فضاء الحيرة والقلق وتكسير الحواجز بين فصاحتين: لغتنا اليومية ولغتنا المناسباتية'.
نقرأ في إحدى قصائد الديوان:
في المقهى الشعبيِّ بتولوزَ رأيتُ النادلَ عُمَرَ المكناسيَّ العاشقَ يبكي مثلَ أبي عبْدِ اللهِ. رأيتُ عجوزاً تشربُ آخرَ كأسٍ وتقولُ وداعاً سأموتُ غداً وزبوناً يقرأُ دوْماً أزهارَ الشرِّ وطُلاباً عرَباً يحتفلونَ بآخرِ يومٍ شرعيٍّ لإقامتهِمْ وشُيوعيّينَ منَ القرنِ الماضي وبَغايا في السّتّينَ وبائعَ وردٍ هنديّاً قالَ تعبتُ ونامَ على كرسيٍّ خَشَبيٍّ...ورأيتُ البوليسَ السّرّيَّ يَعُدُّ مساءاتي كأساً كأساً ليُقَرّرَ إنْ كنتُ صحيحاً طاليبانيَّ النـزعةِ.
محمد العتروس عن القدس العربي
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2009\09\09-08\07m11.htm&storytitle=ff'أمضغها علكا أسود' للشاعر المغربي محمد غرافيfff&storytitleb=&storytitlec=
12 09 2009