28/12/2009

الأب العجوز


الصيف والحرارة والوقت الطويل والنهار المديد، لابد من شيء نردم به ثغر هذا الفراغ المستفز .. بالسباحة في ملوية ؟ لا، بركوب حمار العم بوزيان ؟ لا بلعب الورق ؟ -العيطة- لا، ليس لدينا الرصيد الكافي لنتناطح من أجله . بجمع العصافير وهي تمارس قيلولتها ؟ لا، تلك لعبة سئمناها. فبماذا إذا ندفن جزءا من هذا النهار اللامنتهي من نهارات غشت العملاقة ؟ لنتسلل إلى بستان الحاج ولد علي ونملأ جيوبنا وبطوننا بما لذ وطاب من خوخ وشهدية وعنب ، إقترح عبد العزيز رد عليه حسن بلا ،أردف قائلا : ما زلت اتألم من أشواك السياج التي وخزتني وخزا قاسيا في رأسي وقدمي، حبيب هو الآخررفض هذا الإقتراح معللا ذلك بشراسة كلاب الحاج التي كادت تنهش أحشائي واكتفت بقضم قطعة من سروالي على مستوى الخاصرة، وختم كلامه باسما كدت أعود إلى المنزل مكشوف العورة . رفع التهامي سبابته وكأنه يردد الشهادة قائلا : لم يبق لنا سوى الذهاب إلى سينما زكزل لنجتر الفليمين المعروضين منذ أسبوع، من المحتمل أن يكون الفيلم الفكاهي للويس فيناس قد استبدل بالفيلم الهندي -انتقام الحية- وفيلم ماسيست قد عوض بفيلم بيك بوس، رفض الإقتراح بالإجماع لأن أحد أفراد العصابة لم يكن لديه ثمن التذكرة . بعد صمت وحسن تفكير قال عبد العزيز: وجدتها وجدتها وهو يجحض عينيه فينا، قلنا ماذا وجدت ؟ قال : لنساهم جميعا بما لدينا من دريهمات ونحضر الأب العجوز وننازله كي نجرب كيف يكون النشاط . صاح الجميع فكرة عجيبة تبادلنا النظرات فيما بيننا وبعد هنيهة التفتوا إلي قائلين : أما أنت يا أحمد فساهم ولا تجرب . قلت هذا حرام غير أني لم أكن أريد أن أحرم نفسي من متعة الجلوس مع الجماعة وهي تنازل الأب العجوز وأن أنظر إلى هذا الأخير وهو يتغلغل في أحشائهم و يدب في عروقهم . عندالأصيل أحظر الأب العجوز وكنت أرقب مقارعتهم إياه عن كثب ، وألحظ كأس الراح وهي تنتقل من راح إلى راح ومن فم إلى فم مترعة ، يترجرج فيها الأحمر القاني، كما ألحظ كيف يزم كل واحد شفتيه، ويغمض عينيه كمن يبكي من شدة الألم بعد أن يقذف دفعة واحدة بدم الأب العجوز نحو جوفه، فأبادره بالسؤال كيف وجدته ؟ مر أم حلو أم حامض ؟ لكن لا حياة لمن تنادي ويظل السؤال عالقا حتى رشفة أخرى . قبل أفول الشمس كان الأب العجوز قد نزف تماما ولم يبق من دمه سوى قطرة تشهد على فراغ الزجاجة ... مع احمرار الخدود وارتخاء الشفاه السفلية لم تعد السيقان على حمل الأجساد المتثاقلة المتمايلة ذات الرؤوس المترنحة ،لكن الألسنة وجدت الفرصة سانحة لتكسر الأصفاد وتتمرد على سجانها لتصدح بالغناء وتبوح بالمشاعر الدفينة المقموعة لليلاها . تقدم نحوي عبد العزيز وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى متمايلا ذات اليمين وذات الشمال ،فكان يصطدم بأغصان أشجار البرتقال فيفزع العصافير في أوكارها، فتطير مذعورة دونما اتجاه ،قال لي يا أحمد :الأب العجوز ،ح ح ح ح ح أقاطعه :حلو؟ ويستأنق مرددا الأب العجوز ،ح ح ح ح ح ... أقاطعه مرة أخرى حامض ؟ يلتقط أنفاسه فيقول ح ح ح حرا ا ا ا ام . ثم هوى برأسه نحو الأرض موسعا ما بين ساقيه، وشرع يتقيأ الأب العجوز مصحوبا بالكطعة : حبيبات الزيتون المتمر والكاوكاو المملح


أحمد بلقاسم
بركان صيف 2008


أحمد بلقاسم يقرأ إحدى إبداعاته القصصية


17 06 2009

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire