بسم الله الرحمان الرحيم، وبه أستعين، وأصلي وأسلم على سيد الأنام محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام،وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن ما أسعى إليه من خلال هذه السطور التي أقدمها بين أيديكم، لا يخرج عن الهدف العام الذي سطره الإخوة في منظمة الكشاف المغربي والذي يرنو إلى التعريف بالحركة الثقافية بمدينة بركان، وقد اخترت من بين المجالات الثقافية العديدة مجال الأدب الذي حققت فيه مدينتنا تراكما لا بأس به، واحتلت مرتبة مشرفة داخل خارطة الأدب المغربي مزاحمة بذلك كبريات المدن المغربية، هذا إذا ما وضعنا في الاعتبار ضعف أو بالأحرى غياب البنيات التحتية الداعمة للحركة الثقافية بالمدينة، فلا وجود لمكتبات في حجم المدينة وعمرانها، ولا لفضاءات تسمح بممارسة الفعل الثقافي، فدار الشباب الوحيدة التي تتوافر عليها المدينة أصبحت تثير شفقة الزوار، بل وتنذر بوقوع كارثة حقيقية-لا قدر الله-إذا ما استمر المسؤولون في سياسة صم الآذان.
وأنا إذ أقدم هذا العمل، أنطلق فيه كذلك من يقيني من أن ثلة من ساكنة المدينة، وبالخصوص الناشئة من طلاب وتلاميذ يجهلون وجود مبدعين يحملون مشعل الثقافة بمدينة ظُن أنها أرض بوار ثقافيا،ولا تصلح إلا لممارسة الغرس الفلاحي الذي نعتز به طبعا.
وهذا الحكم - هو الآخر – يؤكده لي القصور الذي شاب الدرس الأدبي المغربي في الأسلاك التعليمية، فإذا كان الأدب المغربي في مجمله يكاد يكون مغيبا فكيف بأدب محلي؟
إن موضوعا من قبيل الإبداع الأدبي بمدينة بركان، لموضوع ليس من الهين القبض عليه، والخوض فيه يلزمنا الانصياع إلى جملة من الضوابط المنهجية، ثم إثارة سؤال المشروعية، فما مشروعية البحث في أدب محلي أو إقليمي؟
فأما الضوابط المنهجية:
فأولاها: الضابط الأجناسي، ذلك بأن البحث سينصب على الأجناس الأدبية الأربعة (الشعر- الرواية- القصة -المسرح) ويستبعد المؤلفات النقدية.
ثانيها: الضابط اللغوي، إذ ستتم الإشارة إلى ما كتب باللغة العربية الفصحى دون غيرها على اعتبار أن ما يكتب بلغات أخرى له خصوصياته المعرفية والمنهجية .
ثالثها: شكل المنشور، يشترط في المكتوب أن يكون مجموعا بين دفتي كتاب، مستثنيا بذلك ما كان مطبوعا ومرقونا، أو ما ينشر على صفحات الجرائد والمجلات، وهذا ليس تقليلا من قيمة هذا الإبداع، وإنما لكون ذلك موضوعا آخر يتطلب بحثا خاصا ومجهودا إضافيا.
وبانتهائنا من تحديد الضوابط المنهجية نجد أنفسنا أمام سؤال المشروعية. فالاهتمام بالأدب المحلي أو الإقليمي- هو الآخر- ضرورة منهجية لا غير غايتها تدقيق البحث وتعميقه وذلك بما توفره للباحث ابن الإقليم من إمكانية الاقتراب من مادة اشتغاله وتقليبها وجها لظهر، وبما تتيحه له من وضع اليد على مواطن السلب والإيجاب، وتشخيص الداء لاقتراح الدواء. وقد ظلت الدعوة إلى تجزيء مكان البحث ومادته مطلب كثير من الدارسين، قدامى ومعاصرين، محليين وأجانب، فهذا الكاتب Lucien Goldman يدعو إلى تحكيم المنهج الإقليمي في الدراسات الإنسانية، يقول: "فالدراسة الإيجابية في العلوم الإنسانية يجب عليها دائما أن تبدأ بالبحث عن تجزيء للأشياء التي تبحث فيها" والرأي نفسه يؤكده عباس الجيراري في كتابه الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه يقول"إني أرى أنه كلما قسم نطاق الإقليم في الدراسة إلى بيئات صغيرة، كانت دراسة الإقليم مكتملة ومستوفاة، وهذا ما جعلني أحبذ الأبحاث والتواريخ التي ألفت...عن مدن وأقاليم كمراكش وسوس وتطوان والرباط وفاس". فبتجميع هذه الكتابات التي انصبت على مدن وأقاليم بعينها، يمكن إعطاء الصورة الحقيقية للمغرب سواء في تاريخه السياسي أم الفكري.
ومن هذا المنطلق يتولد لدينا الاقتناع التام بأن الاهتمام بأدب إقليم ما ليس تعصبا أعمى ولا نظرة شوفينية ضيقة مقيتة، وليس كذلك انزواء أو تقوقعا على الذات كما ذهب إلى ذلك فوزي البشتي الذي أعطاها مرادف الانعزالية، فرأى أنها تأكيد استعماري يندرج ضمن مخطط يهدف إلى طمس وإذابة كل طموح قومي بمحاولة فرض الأفكار والمفاهيم والتصورات التي تتنافى مع مصالح الأمة العربية، وتتناقض مع أحلامها ومع اتجاه التطور الذي ينبغي أن تسير فيه، خصوصا في عصر يتجه فيه العالم نحو التكتلات.
ويكفي أن أعرض عليكم بعض العناوين القيمة التي تسلح أصحابها بالمنهج الإقليمي فقدموا بذلك خدمات جليلة للأدب والثقافة المغربيين بما انتهوا إليه من نتائج غاية في الدقة في أبحاثهم. أذكر على سبيل المثال لا الحصر.
-مؤلفات العلامة محمد المختار السوسي بدون استثناء
- المسرح الهاوي بفاس للمهدي الودغيري
- الحركة المسرحية بطنجة لرضوان احدادو
- الحركة المسرحية بوجدة من التأسيس إلى الحداثة لمصطفى الرمضاني
- أنطلوجيا أدباء الدار البيضاء من انجاز اتحاد كتاب المغرب فرع الدار البيضاء
- معجم شعراء مراكش لأحمد متفكر
وقد أسعفتنا هذه الضوابط الآنفة الذكر في تحديد حصيلة الإبداع والمبدعين بمدينة بركان
في عشَرَةِ شعراء أنتجوا ما مجموعه أربعَة عشْرةَ مجموعةً شعريةً وهم كالآتي:
قدور الورطاسي - الحدائق - 1977
أحمد حضراوي - آمنت بالإسلام - 1996
أحمد حضراوي - شذرات -1996
بكاي كطباش - طويلا في صالة المرايا - 2000
الحسين خضراوي - ديوان الأنين - صدر في جزأين - ج1(2000) ج2 (2009)
رشيد اليزناسني - الغرام في عصر الظلام - 1994
عبد الله أزبير- شهب - 2007
محمد غرافي – حرائق العشق - 2002
محمد غرافي - أمضغها علكا أسود - 2009
محمد مكتوب - تصريحات - 1984
محمد مكتوب - قارئة الكف - 1991
مصطفى محياوي - دنيا السراب - 1989
مصطفى محياوي - من وراء القضبان - 2002
ميمون البشير عراص - أزهار الشجن الشرقي - 2007
ثم أربعة روائيين أنتجوا خمس روايات :
عبد الكريم برشيد - غابة الإشارات - 1999
مصطفى شعبان - أمواج الروح - 1998
مصطفى شعبان - مرايا - 2008
عبد المالك المومني - الجناح الهيمان بنبع ركادة الوسنان - 1996
عبد الباسط زخنيني - الأشقياء - 2007
وثلاثة قاصين أنتجوا سبع قصص :
محمد العتروس - هذا القادم - 1994
محمد العتروس - رائحة رجل يحترق - 1998
محمد العتروس - عناقيد الحزن - 2002
محمد العتروس - هلوسات - 2002
محمد العتروس - قطط تلوك الكلام - 2009
مصطفى شعبان - وردة الشاعر - 2008
الجيلالي عشي - عصا موسى - 2009
وثلاثة مسرحيين كذلك أنتجوا إحدى عشْرةَ مسرحية :
عبد الكريم برشيد - عطيل والخيل والبارود/سالف لونجة - 1977
عبد الكريم برشيد - امرؤ القيس في باريس - 1982
عبد الكريم برشيد - اسمع يا عبد السميع - 1987
عبد الكريم برشيد - عرس الوطن - 1988
عبد الكريم برشيد - مرافعات الولد الفصيح - 1995
عبد الكريم برشيد - الدجال والقيامة - 1999
عبد الكريم برشيد - حكواتي الأخير - 2004
عبد الكريم برشيد - ابن الرومي في مدن الصفيح - 2006
عبد الكريم برشيد - ياليل يا عين - 2006
عبد الحفيظ مديوني - الورشة - 2007
مصطفى رمضاني - بني قردون - 2007
ليست هده الأسماء –بطبيعة الحال- هي كل الفعاليات الثقافية بالمدينة، فكثر هم الشعراء والقاصون والروائيون الذين ما تزال إبداعاتهم حبيسة رفوف مكتباتهم، ونذكر على سبيل المثال الشاعر المقتدر عبد العزيز أبو شيار والقاص أحمد بلقاسم والزجال احمد يعقوبي الذي سيرى ديوانه الزجلي النور عما قريب، وسيكون بذلك قد راكم للمدينه تجربة زجلية ثانية بعد تلك التي دشنها زميله المبدع أحمد عزيزي، ونتمنى أن تلتفت الجمعيات الفاعلة في المدينة وكذا المجلس البلدي ونيابة التعليم ومؤسسات أخرى إلى هذه الأعمال وتعطيها الدعم الكافي قصد إخراجها إلى حيز الوجود، وتثري بذلك المشهد الأدبي والثقافي بالمدينة.
وإذا ما تتبعنا السيرورة التاريخية لهذا الإبداع وجدناه متأخرا عن أول تجربة إبداعية مغربية التي كانت شعرا، بما يفوق ثلاثين سنة، وهي التجربة التي نالت فيها مدينة فاس قصب السبق من خلال ديوان "المثل الأعلى في الصدق والثبات وحسن الإنابة" لمحمد علال الفاسي سنة 1932، وهو فارق يبدو كبيرا، لكن إذا ما اعتبرنا الانطلاقة الحقيقية للشعر المغربي، وبداية توسع خارطته التي انطلقت بعيد الاستقلال مع خفوت صوت البرجوازية الصغيرة، وبالضبط مطلع السبعين، فإننا نجد مدينتنا قد انخرطت في الحركة الإبداعية في وقت لا يمكن أن نسمه بالتأخر كما لا يمكن أن نقول عنه إنه كان مبكرا، وإنما كان ذلك أمرا وسطا. فقد أصيبت المدينة بحمى الشعر سنة 1977 وذلك بصدور حدائق قدور الورطاسي، تزامن ذلك مع دخول المدينة عالم المسرح مع المبدع والناقد والمخرج والمنظر المسرحي عبد الكريم برشيد من خلال مؤلفه الذي ضم مسرحيتين عطيل والخيل والبارود، وسالف لونجة، لتشهد المدينة بعد ذلك ميلاد جنس القصة مع المبدع محمد العتروس سنة 1994 من خلال مؤلفه "هذا القادم" وقد ظل محمد العتروس وحيدا يضخ دماء هذا الجنس الإبداعي في المكتبة البركانية مايربو عن عقد من الزمن، أي من سنة 1994 حتى سنة 2008 زمن صدور وردة الشاعر لمصطفى شعبان، أما الرواية فيرجع فيها الفضل إلى عبد المالك المومني وهو يروي فصول" الجناح الهيمان بنبع ركادة الوسنان" سنة 1996.
إذا بعد هذا العرض التوثيقي لذاكرة المدينة الإبداعية بقي أن نتساءل جميعا هل أخلص هؤلاء لمدينتهم؟ و هل تردد صوت المدينة وصداها داخل ثنايا مؤلفاتهم؟
هذه تساؤلات تحتاج الإجابة عنها إلى فحص دقيق لهذه الإبداعات، نتمنى أن تتاح لنا فرص لقاء أخرى للإجابة عنها.
بقلم : محمد رحو
31 10 2009
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire